منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   المتشابه المعنوي في القرآن (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=11840)

أبو البراء 18 Dec 2013 11:17 AM

المتشابه المعنوي في القرآن
 
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم


الحمد لله والصلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتَّبع هداه.
أما بعــدُ:


فإنَّ المتشابهَ المعنويَّ في القرآن فنٌّ لطيفٌ من فنون التَّفسير، مبناه على دقائق النَّحو وأسرار البلاغة وفهم مرامي إشارات الآيات.
والأكثرُ منه هو ممَّا استأثر الله بعلمه، لأنَّه كما أنَّ الله سبحانه لا يُحاط به علمًا فكذلك كلامه الَّذي هو صفةٌ من صفاته، لا سبيل إلى الإحاطة بمعانيه على وجه التَّفصيل في كلِّ ما أريد منه.
وقد أُخلصت له كتب مستقلة، من أجودها كتاب الخطيب الإسكافي المتوفى سنة 420، وعليه اعتماد من جاء بعده كالكرماني وابن جماعة والفيروزآبادي.
وربَّما عرض له بعض المفسرين في تفاسيرهم من غير قصد إلى استيفاء البحث فيه ولا الاستيعاب، كل حسب ما أوتي فمستقل ومستكثر، ومن أحسنهم كلاما في ذلك أبو حيان في البحر.
ثمَّ إنَّ من أغمض أمثلته الآيتان (55) و (85) من سورة براءة، وقد عرضت لي مناسبة اقتضت البحث في الفروق بين الآيتين وكلام العلماء في ذلك، وها هو إليك ما كتبته في فيه ،لك الجنى دانيا، وما عليك من تبعته من شيء.
قال الله تعالى:((فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ))[التَّوبة:55]
وقال سبحانه:((وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ))[التَّوبة:85]
فهاتان آيتان من سورة واحدة، وبينهما من جهة اللَّفظ أربعة فروق:
الأوَّل: أنَّ الآية الأولى معطوفة على ما قبلها بالفاء والثَّانية فبالواو.
الثَّاني: تكرار "لا" في الآية الأولى دون الثَّانية.
الثَّالث: تعليل الفعل في الآية الأولى باللام وفي الثانية بـ"أن".
الرَّابع: وصف الحياة بـ"الدُّنيا" في الآية الأولى وإسقاطه في الثَّانية.
وسرُّ هذه الفروق يظهر في أربعة مباحث:


المبحث الأوَّل

سرُّ عطف الآية الأولى على ما قبلها بالفاء وعطف الثَّانية بالواو


وهذا الفرق راجع إلى دلالة الحرفين، فكلاهما من حروف العطف، لكن الفاء فيه زيادة على معنى الواو، إذ الواو لمطلق الجمع والمصاحبة لا تقتضي فورا ولا تراخيا ولا ترتيبا، بخلاف الفاء فإنها تقتضي زيادةً على العطف الترتيبَ والفورَ وإفادةَ الجزاء، فلهذا قالوا في سرِّ عطف الآية الأولى بالفاء أنها جزاء من الله تعالى على ما حكاه عن المنافقين من الأعمال المقتضية لأن يعاقبهم بما هو نعمة في حقِّ غيرهم من الأموال والأولاد، فسياق الآية في ذم المنافقين على تفريطهم فيما أوجب الله عليهم من إقام الصلاة وإيتاء الواجب من النفقات فقال تعالى: ((ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون))، فرتَّب على ذلك أن جازاهم بالعقوبة المذكورة.
هكذا قال أكثر من تعرَّض لهذا الفرق هنا: الإسكافي فمن بعده، واستظهروا بدلالة الفعل المضارع "يأتون، ينفقون" على الاستقبال، فهو مناسب للجزاء إن وقع منهم مضمونه.
وأبدى أبو حيان فرقًا آخر، فقال في "البحر" (5/84): "ومناسبة الفاء أنَّه عقَّب قوله : "ولا ينفقون إلا وهم كارهون" أي : للإنفاق، فهم معجبون بكثرة الأموال والأولاد، فنهاه عن الإعجاب بفاء التعقيب" اهـ، فكأنَّه يقول: إنَّ الذي ينبغي أن يُغبط على الأموال والأولاد ويعجب بذلك منه هو الَّذي يضعها في مواضعها ويؤدِّي حق الله فيها، أمَّا هؤلاء الَّذين وصف حالهم فلا ينبغي أن يعجب بذلك منهم لأنَّه سيكون وبالًا عليهم في الدُّنيا والآخرة على ما شرحته الآية بعدُ، فإن كان أومى إلى هذا فإنَّه حسن غاية، وهو مطابقٌ لمعنى ما ثبت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم :"لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلَّطه على هلكته في الحق" الحديث.
وهذا كلُّه بخلافه في الآية الثَّانية فإنَّ الكلام وقع في سياق ما شرعه الله تعالى لنبيِّه صلى الله عليه وسلم في معاملة المنافقين، فأمره أوَّلًا أن لا يأذن لهم بالخروج معه إن هم استأذنوه لذلك، ثم نهاه عن أن يصلِّي على من مات منهم أو أن يقوم على قبره، ثم عطف عليه نهيه عن الإعجاب بأموالهم وأولادهم، فالسِّياق هنا اقتضى الواو لأنَّه ليس هنالك جزاء ولا شيء مترتِّب على آخر، وإلى هذا المعنى إشارة أبي حيان، وبه جزم البقاعي في نظم الدُّرر (8/567) .
وغيرُ أبي حيان ممَّن بحث في المتشابه قالوا :سرُّ ذلك أن الفعل قبل العطف ماض، والماضي لا يتضمَّن معنى الشَّرط فلهذا حسن الواو دون الفاء ([1]).
وهذا صحيح وهو راجع إلى ما تقدَّم.

المبحث الثَّاني

تكرار "لا" في قوله: "أموالهم ولا أولادهم" في الآية الأولى، ولم تُكرر في الآية الثانية فقال: "أموالهم وأولادهم"

التَّكرار في الأصل للتأكيد، والتَّأكيد غرض بلاغي له مقامات يناسب إيراده فيها بحسب غرض المتكلِّم وحال السَّامع، وهنا وقع الكلام في سياقين مختلفين:
الأوَّل سياقٌ أُكِّد فيه الكلام بالإيجاب بعد النَّفي وعلِّق أحدهما على الآخر تعليق الجزاء على الشَّرط، فلهذا اقتضى الكلام أن يؤكَّد بتكرار "لا"، وليس من ذلك شيء في السِّياق الثَّاني، فإنَّها إرشادات متعاطفة، فلم يكن فيه ما يقتضي التكرار فلم يكرر([2]).
وفيه نكتة أخرى نبَّه عليها في البحر (5/84) وهي أن تكرار "لا" مشعر بالنَّهي عن الإعجاب بكلِّ واحد على انفراد، ويتضمَّن ذلك النَّهي عن المجموع من باب أولى، وفي الآية الأخرى سقطت "لا" فكان نهياً عن الإعجاب بالمجموع، ويتضمَّن ذلك النَّهي عن الإعجاب بكل واحدٍ واحدٍ.
فدَّلت الآيتان بمنطوقهما ومفهومهما على النَّهي عن الإعجاب بالأموال والأولاد مجتمعين ومنفردين، وذلك أبلغ ممَّا لو نُهي عنه على أحد الوجهين فقط.

المبحث الثَّالث

استعمال اللَّام في الآية الأولى و"أن" في الثَّانية

ومعرفة سرِّ الفرق يتوقَّف على معرفة اللَّام هنا ما هي؟
فإنَّها تحتمل أن تكون لام التعليل أو الصيرورة ([3]) وتكون "أن" الناصبةُ مضمرةً بعدها، فمتعلق الفعل الذي هو "يريد" محذوف، والمعنى: إنما يريد الله ما هم فيه من الأموال والأولاد من أجل أن يعذبهم به.
وهذا بخلاف الآية الأخرى، فإنَّ مفعول "يريد" هو المصدر المنسبك من "أن" وصلتها، فالإرادة متعلِّقة بالتَّعذيب لا بحصول الأموال والأولاد للمنافقين.
وعلى هذا يكون في الآية الأولى زيادة معنى عمَّا في الآية الثَّانية.
وتحتمل اللَّام أن تكون زائدةً، فيكون الفعل "يريد" متسلِّطا على "يعذِّبهم" فيكون على هذا متعلّق الآيتين واحدًا ومعناهما متَّحدًا.

المبحث الرَّابع

وصف الحياة بالدُّنيا في الآية الأولى دون الثَّانية

وقد أبدَوا لذلك عدَّة مناسبات:
الأولى: أنَّ الدُّنيا صفة للحياة، فأثبت الموصوف والصِّفة في الأولى، وحذف الموصوف في الثَّانية اكتفاءً بذكره في الأولى([4]).
الثَّانية: أثبت "الحياة" في الأولى على الأصل، لأنَّ الدنيا وصفٌ لها ، وحذفت في الثَّانية تنبيهاً على خسَّة الدنيا وأنها لا تستحق أن تسمَّى حياة، ولا سيَّما حين تقدَّمها ذكر موت المنافقين في قوله "ولا تصل عل أحد منهم مات أبد" ، فناسب أن لا تسمَّى حياة([5]).
الثَّالثة: ما تقرَّر من أنَّ الآية الأولى في سياق التأكيد فاقتضت من زيادة المبنى ما يزيد في تأكيد المعنى وليس ذلك في الثَّانية([6])، والله أعلم بمراده من كلامه.
وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
كتب حامدًا/ خالد حمودة
ليلة الثلاثاء 7 جمادى الأولى 1434.
ـــــــــ
([1]) يراجع: درَّة التنزيل (2/713-715)، البرهان في توجيه متشابه القرآن للكرماني (ص/134-135)، بصائر ذوي التمييز للفيروز آبادي (1/232)، كشف المعاني لابن جماعة (ص/196).

([2]) انظر: البرهان في توجيه متشابه القرآن (ص/134-135).

([3]) درَّة التنزيل (2/717).

([4]) البرهان في توجيه متشابه القرآن للكرماني (ص/135).

([5]) البحر المحيط (5/84).

([6]) نظم الدُّرر (8/567).

أبو البراء 18 Dec 2013 12:14 PM

اقتباس:

ألا تندرج تلك الأمثلة تحت المتشابه اللفظي؟
فإن لم يكن؛ فما الفرق بينه وبين المعنوي؟
جزاكم الله خيرًا.


نعم هي مندرجة تحت المتشابه اللفظي، والفرق بينه وبين المعنوي هو الفرق بين ما نُسبا إليه، فالمؤلَّفات في المتشابه اللفظي تعتني بتحرير الفروق اللفظية بين الآيات، والمصنفات في المتشابه المعنوي تقصد إلى الكشف عمَّا تحت ذلك من الأسرار.

محمد طيب لصوان 18 Dec 2013 02:07 PM

جزاك الله خيرا
أمتعتنا و الله.

مهدي بن صالح البجائي 19 Dec 2013 09:33 AM

جزاكم الله خيرا على هذا المقال الماتع.

وهذه بعض الإيضاحات منكم (أي من صاحب الموضوع لا مني):

أولا: ما ذكرتم في هذا المقال له تعلق ببعض العلوم كعلم المناسبات، ومشكل القرآن.
فما هي العلاقة بين المتشابه المعنوي وعلم المناسبات، وبينه وعلم مشكل القرآن؟


الجواب:

أما العلاقة بين المتشابه المعنوي والمناسبات فهي أن:
أصل موضوع المناسبات بين آيتين متتابعتين أو سورتين متتاليتين، ولا يشترط
هذا في المتشابه المعنوي بل قد تتباعد الآيتان حتى تكون إحداهما سورة والأخرى في سورة، ويتكلم في التشابه بينهما، فالمناسبات بحث خارجي بالنسبة إلى المتشابه الذي هو موضوع الآيات ومعانيهما، لكن قد يحتاج إلى المناسبات في بيان بعض أوجه التشابه، وبهذا يظهر أن افتراق العلمين أكثر من اجتماعهما.

أما مشكل القرآن فلا تعلق له بهذا البحث إلا من جهة أن تكون الآيات المتشابهة مشكلة، فيتعلق بها حينذاك مبحثان:
معناها في أنفسها، وهذا مشكل القرآن
وأوجه التشابه بينهما، وهذا المتشابه.

ثانيا: هل للمتشابه المعنوي علاقة بعلم الوجوه والنظائر في القرآن الكريم، وإن وجدت فما هي؟

الجواب:

الوجوه والنظائر من علوم التفسير المساعدة وما دام أن بناء المتشابه المعنوي على التفسير فقد يحتاج فيه إلى علم الوجوه والنظائر في بعض الأحيان لا في جميعها بل ولا أكثرها, وأما تسمية الشيخ إياه متشابها فبالاصطلاح العام الذي يراد به كل ما فيه نوع إشكال من مواضع القرآن.

ثالثا: هل من مزيد إيضاح حول مصطلح التوجيه؟

الجواب:

التوجيه في استعمال عامة العلماء معناه إظهار وجه يصحُّ به الكلام، يستعمله العالم إذا عرض له كلام من نص أو غيره عنده ما يعارضه أو يشكل عليه، فيطلب له معنى يحمله عليه إن كان هو مراد المتكلم سلم كلامه من النقض والاعتراض فيكون العالم حينذاك قد وجَّه الكلام
والله أعلم.

أبو معاذ محمد مرابط 20 Dec 2013 10:05 AM

جزاك الله خيرا أخي خالد على ما تقدمه لهذا المنتدى من نفيس العلوم، وأجود الفهوم

أبو مالك أبو بكر حشمان 20 Dec 2013 10:46 AM

بارك الله فيك يا شيخ خالد على ماقدمته في بحثك .

ومثل هذه البحوث تجعل من التصفية والتربية متميزة .

وفقك الله للمزيد ، ونفع اخوانك بمثل هذه البحوث في دقائق العلوم .

أبو حذيفة تقي الدين حفيان 20 Dec 2013 05:18 PM

جزاك الله خيرا يا شيخ خالد

أبو البراء 21 Dec 2013 08:51 AM

حفظكم الله وبارك فيكم.

زين الدين صالحي 21 Dec 2013 08:27 PM

جزاكم الله خيرا وبارك فيكم أخانا الفاضل خالد, وننتظر المزيد من البحوث حول القرآن وعلومه؛ نفع الله بكم.

أبو البراء 22 Dec 2013 09:29 AM

بارك الله فيك أبا طلحة.

أبو عبيد الله عبد الله 22 Dec 2013 11:25 PM

نبارك هذه النّقلة المميزة في اختيار المواضيع المطروحة، ونأمّل أكثر من إخواننا....

فجزاك الله خيرا أخي خالد....

أما بخصوص مشاركة الأخ مهدي فأشكره وأضيف عليه مسألة الفرق بين المشترك اللفظي والوجوه والنظائر:

أولا: تعريف المشترك اللفظي:
[الوجوه والنظائر القرآنية وأثرها في التفسير – حدة كافي – أطروحة دكتوراه بجامعة باتنة]

1- عند اللغويين: قال د. محمد نور الدين المنجد: المشترك اللفظي عندنا هو كل لفظ مفرد يدلّ بترتيب حروفه وحركاته على معنيين فصاعدا دلالة خاصة، وبيئة واحدة، ولا يربط بين تلك المعاني رابط معنوي أو بلاغي. [الاشتراك اللفظي في القرآن الكريم بين النظرية والتطبيق]

2- عند الأصوليين:
الرازي -عفا الله عنه-: اللفظ المشترك هو اللفظ الموضوع لحقيقتين مختلفتين أو أكثر وضعا أولا من حيث هما كذلك. [المحصول]
فالرازي وضع القيد ذاته الذي سبق ذكره عند أهل اللغة، فهو يشرط: 1. الحقيقة اللغوية في المعنيين. 2. أن تكون هذه الحقيقة موضوعة أولا؛ فلا تكون إحداهما سابقة للأخرى.

ثانيا: تعريف الوجوه والنظائر:
قال د. مساعد الطيار -وفقه الله-: الوجوهُ: المعاني المختلفةُ لِلَّفظةِ القرآنيةِ في مواضعِها من القرآنِ.
والنَّظَائِرُ: المواضعُ القرآنيةُ المتعدِّدَةُ للوجهِ الواحدِ التي اتفقَ فيها معنى اللَّفظِ، فيكون معنى اللَّفظ في هذه الآية نظيرَ (أي: شبيه ومثيل) معنى اللَّفظِ في الآيةِ الأخرى، واللهُ أعلمُ. اهـ.


ثالثا: علاقة الوجوه بالمشترك اللفظي: أبرز الفروق:[الوجوه والنظائر القرآنية وأثرها في التفسير]
1. أن الوجوه تعني تعدد معنى اللفظ الواحد في مواضع مختلفة، أما المشترك اللفظي هو تعدد معاني اللفظ الواحد في موضع واحد أو مواضع مختلفة.
2. أن الوجوه تكون في معاني الألفاظ، أما الاشتراك يكون في الألفاظ.

واستعمال بعض الأئمة للوجوه على أنها المشترك اللفظي تتطلب منا وقفة تاريخية للنظر في موقف المؤلفين من هذه المسألة، فالمؤلفون في الوجوه والنظائر في القرآن الكريم لم يرد عن أحد منهم استعمال مصطلح المشترك اللفظي في القرآن الكريم، بل حتى من استنكف عن استعمال مصطلح الوجوه والنظائر لجأ لاستعمال ما تعارف عليه أهل اللغة من "ما اتفق لفظه واختلف معناه".

والله أعلم.

ما كُتب كان بالاشتراك مع أخ فاضل.

مهدي بن صالح البجائي 23 Dec 2013 10:32 AM

اقتباس:

قال د. مساعد الطيار : الوجوهُ: المعاني المختلفةُ لِلَّفظةِ القرآنيةِ في مواضعِها من القرآنِ.
والنَّظَائِرُ: المواضعُ القرآنيةُ المتعدِّدَةُ للوجهِ الواحدِ التي اتفقَ فيها معنى اللَّفظِ، فيكون معنى اللَّفظ في هذه الآية نظيرَ (أي: شبيه ومثيل) معنى اللَّفظِ في الآيةِ الأخرى، واللهُ أعلمُ.
ما ذكرت أخي عن معنى الوجوه والنظائر هو أحد التعريفين لها وهو ما اختاره شيخ الإسلام والزركشي والسيوطي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "والأسماء المشتركة في اللفظ هي من المتشابه وبعض المتواطئة أيضا من المتشابه ويسميها أهل التفسير الوجوه والنظائر وصنفوا كتب الوجوه والنظائر فالوجوه في الأسماء المشتركة والنظائر في الأسماء المتواطئة . وقد ظن بعض أصحابنا المصنفين في ذلك أن الوجوه والنظائر جميعا في الأسماء المشتركة فهي نظائر باعتبار اللفظ ووجوه باعتبار المعنى ".اهـ(الإكليل في المتشابه والتأويل/الشاملة)
والتعريف الآخر هو أن : الوجوه للمعاني والنظائر للألفاظ، فحصروها في المشترك اللفظي فقط، واختار هذا التعريف ابن الجوزي.

ويؤيد التعريف الأول صنيع المؤلفين في علم الوجوه والنظائر، وأما أن كونهم أدخلوا المتواطئ اللفظي فيها من قبيل التجوز كما قال ابن الجوزي، فيحتاج إلى برهان.(انظر الوجوه والنظائر في القرآن الكريم لمحمد بازمول ص4 فما بعدها)


ولهذا العلم أهمية كبيرة، ومن أحسن أو أحسن ما صنف فيه كما قال الشيخ صالح آل الشيخ هو كتاب" نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر" لابن الجوزي، وذكر أن معرفة هذا العلم أو ما يبدأ به في دراسة التفسير.

مهدي بن صالح البجائي 23 Dec 2013 04:30 PM

اقتباس:

ثالثا: علاقة الوجوه بالمشترك اللفظي: أبرز الفروق:
1. أن الوجوه تعني تعدد معنى اللفظ الواحد في مواضع مختلفة، أما المشترك اللفظي هو تعدد معاني اللفظ الواحد في موضع واحد أو مواضع مختلفة.
2. أن الوجوه تكون في معاني الألفاظ، أما الاشتراك يكون في الألفاظ.
فهل معناه أن المشترك أعم من الوجوه، وهل المشترك لا تختلف معاني لفظه -فتكون أوجها-؟


اقتباس:

واستعمال بعض الأئمة للوجوه على أنها المشترك اللفظي تتطلب منا وقفة تاريخية للنظر في موقف المؤلفين من هذه المسألة، فالمؤلفون في الوجوه والنظائر في القرآن الكريم لم يرد عن أحد منهم استعمال مصطلح المشترك اللفظي في القرآن الكريم، بل حتى من استنكف عن استعمال مصطلح الوجوه والنظائر لجأ لاستعمال ما تعارف عليه أهل اللغة من "ما اتفق لفظه واختلف معناه".
هذه طريقة معروفة عند د.مساعد الطيار عند إيراده للمسائل، ولكن أحيانا تزيد الإشكال عند الطالب، فهل من توجيه؟ أليس قوله :"ما اتفق لفظه واختلف معناه" هو المشترك اللفظي؟ والشيخ محمد بازمول لما أورد تعريف ابن جوزي للوجوه والنظائر، بعد سطور حمل كلامه على المشترك اللفظي؟ ولما كنت أقرأ في كتاب المحرر في علوم القرآن للطيار مع أحذ الزملاء يرد علي مثل هذه الأمور، وأحيانا يورد إيرادات ويتركها معلقة.

أبو عبد الرحمن إبراهيم البجائي 24 Dec 2013 04:03 PM

بارك الله فيك يا شيخ خالد على هذا المقال الماتع النافع.

عبد الرحمن رحال 24 Dec 2013 08:04 PM

جزاك الله خيرا أخانا الأكبر خالد وبارك فيك وفي علمك ...فوائد قيمة.

أبو عبيد الله عبد الله 26 Dec 2013 09:52 AM

هذه بعض الفوائد -إضافات وتوضيحات- في ظلال الآيتين
منسجمة مع ما خطه الأخ خالد من المباحث

أولا: العنوان لا يدل على المضمون، ولعل العنوان الذي ينسجم ومشاركتك: المتشابه المعنوي في آيتي التوبة (55-85) ونحوها.

المقدمة:

محمد أبو زهرة -عفا الله عنه-:وإن هذا الاختلاف في الألفاظ هو تصريف القول الذي هو من أسباب الإعجاز البياني، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ. . .)، فهل يعد هذا من التكرار؟ نقول إنه يكون من التكرار إذا كانت المناسبة التي ذكرت فيها الآيتان واحدة، أما إذا اختلفت المناسبة، فإنها تغير المقصود، وإذا تغير المقصود لَا يكون المعنى واحدًا من كل الوجوه.


الزمخشري-عفا الله عنه-: وقد أعيد قوله وَلا تُعْجِبْكَ لأنّ تجدد النزول له شأن في تقرير ما نزل له وتأكيده، وإرادة أن يكون على بال من المخاطب لا ينساه ولا يسهو عنه، وأن يعتقد أن العمل به مهمّ يفتقر إلى فضل عناية به، لا سيما إذا تراخى ما بين النزولين فأشبه الشيء الذي أهم صاحبه، فهو يرجع إليه في أثناء حديثه ويتخلص إليه، وإنما أعيد هذا المعنى لقوته فيما يجب أن يحذر منه.
ابن عطية-عفا الله عنه-: ووجه تكريرها تأكيد هذا المعنى وإيضاحه، لأن الناس كانوا يفتنون بصلاح حال المنافقين في دنياهم.


السراج المنير للخطيب الشربيني-عفا الله عنه-:

فإن قيل: ما الحكمة في التكرير؟ أجيب: بأنه أشدّ الأشياء جذباً وطلباً للخواطر الاشتغال بالدنيا وهي الأموال والأولاد وما كان كذلك يجب التحذير عنه مرّة بعد أخرى في المطلوبية والمرغوبية كما أعاد تعالى قوله في سورة النساء: {إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لما يشاء} (النساء، 48)

مرّتين وقيل: إنما كرّر هذا المعنى لأنّ الآية الأولى في قوم منافقين لهم أموال وأولاد في وقت نزولها وهذه الآية في قوم آخرين والكلام الواحد إذا احتيج إلى ذكره مع أقوام كثيرين في أوقات مختلفة لم يكن ذكره مع بعضهم مغنياً عن ذكره مع آخرين.



المبحث الأول:

زيادة في الإيضاح فقد قال الاسكافي-عفا الله عنه-: ألا ترى أنه قال: (وماتوا وهم فاسقون) ولا يشترط فعل من قد مات فيعقب بذكر الجزاء، فلذلك اختلفا في الفاء والواو.


ولهذا قال ابن جماعة-عفا الله عنه-: أن الآية الأولى: ظاهرة في قوم أحياء، والثانية: في قوم أموات.

المبحث الثاني:


ابن عاشور-عفا الله عنه-: [في الآية (55):] وَلِكَوْنِ ذِكْرِ الْأَوْلَادِ كَالتَّكْمِلَةِ هُنَا لِزِيَادَةِ بَيَانِ عَدَمِ انْتِفَاعِهِمْ بِكُلِّ مَا هُوَ مَظِنَّةُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ النَّاسُ، عُطِفَ الْأَوْلَادُ بِإِعَادَةِ حَرْفِ النَّفْيِ بَعْدَ الْعَاطِفِ، إِيمَاءً إِلَى أَنَّ ذِكْرَهُمْ كَالتَّكْمِلَةِ وَالِاسْتِطْرَادِ......
[في الآية (85):] وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ذِكْرَ الْأَوْلَادِ فِي الْآيَةِ السَّالِفَةِ لِمُجَرَّدِ التَّكْمِلَةِ وَالِاسْتِطْرَادِ إِذِ الْمَقَامُ مَقَامُ ذَمِّ أَمْوَالِهِمْ إِذْ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهَا فَلَمَّا كَانَ ذِكْرُ الْأَوْلَادِ تَكْمِلَةً كَانَ شَبِيهًا بِالْأَمْرِ الْمُسْتَقِلِّ فَأُعِيدَ حَرْفُ النَّفْيِ فِي عَطْفِهِ، بِخِلَافِ مَقَامِ هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّ أَمْوَالَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ مَعًا مَقْصُودٌ تَحْقِيرُهُمَا فِي نَظَرِ الْمُسْلِمِينَ.

المبحث الثالث:

الشعراوي-عفا الله عنه-: {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ} لماذا؟ لأن منهم من له مال يعتز به، ومنهم من له أولاد كثيرون هم عِزْوته، ومنهم من له المال والولد. إذن: فهم مختلفون في أحوالهم؛ لذلك جاء القول: {أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ} لتؤدي المعاني كلها. ولتشمل من عنده مال فقط، ومن عنده أولاد فقط، ومن عنده المال والولد. أما في الآية الثانية التي نحن بصددها:
{وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدنيا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} إذن: فالحقُّ سبحانه وتعالى قد أعطاهم المال والولد للعذاب.

الزحيلي -سدده الله- "التفسير المنير": ويفهم من اللفظ السابق:

وَلا أَوْلادُهُمْ أن إعجابهم بأولادهم كان أكثر من إعجابهم بأموالهم، وأما هنا رقم [85] فلا تفاوت بين الأمرين.

قولك:
اقتباس:

وتحتمل اللَّام أن تكون زائدةً


لعل اجتناب لفظ الزيادة أسلم. ويقال: غير عاملة ونحوها.

وعند قولك:
اقتباس:

فيكون الفعل "يريد" متسلِّطا على "يعذِّبهم" فيكون على هذا متعلّق الآيتين واحدًا ومعناهما متَّحدًا


قال ابن عاشور
-عفا الله عنه-: ...وَمِنْ مَحَاسِنِ التَّأْكِيدِ الِاخْتِلَافُ فِي اللَّفْظِ وَهُوَ تَفَنُّنٌ...

المبحث الرابع:


ابن عاشور -عفا الله عنه-: رَابِعُهَا: أَنَّهُ جَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَجَاءَ فِي الْآيَةِ السَّالِفَةِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [التَّوْبَة: 55] وَنُكْتَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ السَّالِفَةَ ذَكَرَتْ حَالَةَ أَمْوَالِهِمْ فِي حَيَاتِهِمْ فَلَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ إِلَى ذِكْرِ الْحَيَاةِ. وَهُنَا ذُكِرَتْ حَالَةُ أَمْوَالِهِمْ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ لِقَوْلِهِ: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً [التَّوْبَة: 84] فَقَدْ صَارُوا إِلَى حَيَاةٍ أُخْرَى وَانْقَطَعَتْ حَيَاتُهُمُ الدُّنْيَا وَأَصْبَحَتْ حَدِيثًا.

الخلاصة:


ولخص ذلك كله د. فاضل السامرائي -وفقه الله- في أسرار البيان في التعبير القرآني قائلا:
وسبب ذلك والله أعلم أن السياق في الآية ذات الرقم 55 يختلف عن السياق في الآية الثانية.
إن الآية الأولى في سياق إنفاق الأموال والخطاب للمنافقين. قال تعالى: {قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصلاة إِلاَّ وَهُمْ كسالى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ * فَلاَ تُعْجِبْكَ أموالهم وَلاَ أولادهم ... } [التوبة: 53-55] .
وبعدها: {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة: 58] .
وبعدها: {إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَآءِ والمساكين والعاملين عَلَيْهَا والمؤلفة قُلُوبُهُمْ وَفِي الرقاب والغارمين} [التوبة: 60] .
فالسياق في إنفاق الأموال والكلام على المنافقين وأموالهم، ثم وجه الخطاب إلى الرسول قائلاً: {فَلاَ تُعْجِبْكَ أموالهم وَلاَ أولادهم إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا} [التوبة: 55] فزاد (لا) النافية توكيداً {فَلاَ تُعْجِبْكَ أموالهم وَلاَ أولادهم} [التوبة: 55] وزاد اللام في (ليعذبهم) لزيادة الاختصاص وتوكيده.
في حين أن السياق مختلف في الآية الأخرى. قال تعالى: {فَإِن رَّجَعَكَ الله إلى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بالقعود أَوَّلَ مَرَّةٍ فاقعدوا مَعَ الخالفين * وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ على قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ * وَلاَ تُعْجِبْكَ أموالهم وأولادهم إِنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدنيا ... } [التوبة: 83-85] .
فسياق الآيات الأولى في إنفاق الأموال، فأكد ذلك بزيادة (لا) واللام. ولما اختلف السياق في الآيات الأخرى خالف في التعبير فلم يذكر (لا) ولا اللام، لأن المقام لا يقتضي التوكيد هنا.
ولما طال الكلام على الإنفاق والأموال في الآيات الأولى، زاد الكلام في هذه الآية دون الأخرى فقد زاد (لا) و (اللام) و (الحياة) . لما كان المالُ عصبَ الحياة كما يقال ومظنّة الوصول إلى الرفاهية والسعادة زاد كلمة (الحياة) ههنا، بخلاف الآية الأخرى فإنها في سياق الجهاد والقتال. والقتال والجهاد مظنّة القتل وفقد الحياة، ولذا لم يأت بالحياة في سياق الجهاد، بخلاف سياق المال، لأن الحربَ سبيلُ فَقْدِ الحياة بخلاف لمال والله أعلم.


أبو عبيد الله عبد الله 26 Dec 2013 10:27 AM

أما بخصوص مداخلة الأخ مهدي فدونك العضب المهند:

اقتباس:

ما ذكرت أخي عن معنى الوجوه والنظائر هو أحد التعريفين لها وهو ما اختاره شيخ الإسلام والزركشي والسيوطي


الذي ذكره د. مساعد -وفقه الله- في كتابه "التفسير اللغوي" إنما هو بالاستقراء لمنهج الإمام مقاتل بن سليمان البلخي فقال: غلبَ هذا المصطلحُ على المؤلَّفات التي كُتِبَتْ في هذا العلمِ، وقد اختلفَ العلماءُ في بيانِه، ولما لم يكنْ تحريرُ هذا الخلافِ من صلبِ البحثِ، فإنِّي قد حَرَصْتُ على استقراءِ أوَّلِ كتابٍ فيه: كتابِ مقاتلِ بنِ سليمانَ البلخيِّ (ت150)، حتى أتبينَ منه المرادَ بهذا المصطلحِ؛ لأنَّ من كتبَ بعده في هذا العلمِ عَالَةٌ عليه، وإذا ظهرَ مرادُه بهذا المصطلحِ، فإنه يُحتكمُ إليه، ويُصحَّحُ ما خالفَه من التَّعريفاتِ التي ذكرها العلماءُ. وبعدَ استقراءِ كتاب مقاتلٍ، ظهرَ لي مرادُه بعلمِ الوُجُوهِ والنَّظائرِ، وإليك هذا المثال الذي يتبيَّنُ منه مرادُه بالوجوه والنَّظائرِ.
قال مقاتل: تفسيرُ الحسنى على ثلاثةِ أوجهٍ:
فوجهٌ منها: الحسنى؛ يعني: الجنَّةَ، فذلك قولُه في يونسَ: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الحُسْنَى) يونس: 26؛ يعني: الذين وَحَّدُوا لهم الحسنى؛ يعني: الجنَّةَ، (وَزِيَادَةٌ)؛ يعني: النَّظرَ إلى وجهِ اللهِ.
ونَظِيرُها في النَّجمِ، حيثُ يقولُ: (وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالحُسْنَى) النجم: 31؛ يعني: بالجنَّةِ، وكقولِه في الرحمنِ: (هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إلاَّ الإحْسَانُ) الرحمن: 60 يقول: هلْ جزاءُ أهلِ التَّوحيدِ إلا الجنَّةُ.
الوجه الثاني: الحسنى؛ أي: البنون، فذلك قول الله تعالى في النَّحْلِ: (لَهُمُ الحُسْنَى) النحل: 62؛ أي: البنون.
والوجه الثالث: الحسنى؛ يعني: الخيرَ، فذلك قولُه في براءة: (إنْ أرَدْنَا إلاَّ الحُسْنَى) التوبة: 107 يقولُ: ما أردنا ببناءَ المسجدِ إلاَّ الخيرَ.
ونظيرها في النساءِ: (إنْ أرَدْنَا إلاَّ إحْسَاناً وَتَوفِيقًا) النساء: 62؛ يعني: الخير).
**تحليلُ هذا المثالِ **
1 ـ إنَّ مقاتلَ بنَ سليمان جعلَ لفظَ الحسنى في القرآن على ثلاثةِ وجوهٍ: (الجنَّة، والبنون، والخير)، وهذه الوجوهُ معانٍ مختلفةٌ لهذه اللَّفظةِ.
2 ـ وإنه يكفي في الوجوه اتفاقها في المادَّةِ، وإن لم تتفقْ في صورةِ اللَّفظِ؛ كالحسنى والإحسانِ.
3 ـ وإنه في الوجه الأولِ فَسَّرَ الحسنى في آيةِ يونسَ بأنها الجنَّة، ثمَّ جعل الحسنى في آيةَ سورةِ النَّجمِ نظيرةً لآيةِ سورةِ يونس.
وفسَّرَ الحسنى في آية سورة براءة بأنها الخير، ثُمَّ جعلَ الحسنى في آية سورة النَّساء نظيرةً لها، فهما موضعان مختلفان من القرآنِ، لكنهما اتفقا في مدلولِ اللَّفظةِ، وهذا يعني أنَّ تماثلَ المدلولِ في الآيتينِ هو النظائرُ.
4 ـ وإنه لم يذكر في الوجه الثاني نظيرًا للآيةِ، وهذا يعني أنَّه لا يلزمُ أن يكونَ في كلِّ وجهٍ من الوجوهِ نظائرُ من الآياتِ.
ومن هذا الموضع المنقولِ عن مقاتلٍ (ت: 150) يتحرَّرُ مصطلحُ الوجوهِ والنَّظائرِ، ويكونُ كالآتي: ... ثم ذكر التعريف.
وعرّفه د. فضل حسن عباس فقال: هو علم دراسة لتعدد الدلالة في سياق القرآن الكريم. [إتقان البرهان] فاتفقا على كون الوجوه والنظائر متعلقان بالمعاني.

اقتباس:

ما ذكرت أخي عن معنى الوجوه والنظائر هو أحد التعريفين لها وهو ما اختاره شيخ الإسلام والزركشي والسيوطي
بل العلماء على ثلاثة مذاهب في ذلك: الأول ما ذكرته، وهو المرتضى. الثاني: مذهب ابن الجوزي. والثالث: ان الوجوه تكون في الألفاظ المشتركة، والنظائر تكون في الألفاظ المتواطئة" وهو قول شيخ الاسلام والزركشي تبعا له ثم تبعهما السيوطي.
وأزيدك فائدة، قال د. مساعد -وفقه الله- في تعليقه على الإتقان للسيوطي:
" • فيما يتعلق بتعريف السيوطي للوجوه والنظائر أقول: هذا يحتاج إلى بسط وتفصيل فيما ذكره رحمه الله ليس بدقيق فيما يتعلق بتعريف هذا العلم, والدليل على هذا هو عمل مقاتل ومن جاء بعده, فنأخذ قوله: (المشترك): اللفظ المشترك الأصل فيه أن يكون محكيًا عن العرب, مثل قوله ((والليل إذا عسعس)) يستخدم في: (أقبل) و (أدبر) , ومثله ((فرت من قسورة)) يستخدم في: (الأسد) و (الرامي) , ثم لو نظرنا إلى قوله: (الذي يستعمل في عدة معان): لو نظرنا إلى ما ذكر من الأمثلة في القرآن مثلا (الهدى) فيها سبعة عشر وجهًا, فهل هذه المعاني استخدمها العرب الجواب: لا, وإنما هي معانٍ سياقية, وبناءً على ذلك قوله: (اللفظ المشترك) لا يصلح أن يكون هو المراد بالوجوه.
• أيضًا: قوله: (كالألفاظ المتواطئة) هذا من المصطلحات المنطقية, وليست هي النظائر, فالنظائر في حقيقتها كما عند مقاتل هي الآية التي تأتي على معنى واحد من معاني الوجوه فلا علاقة لها بالألفاظ المتواطئة.
• قيل في تعريف الوجوه والنظائر: الوجه: الاتفاق في اللفظ, والنظائر: اختلاف المعنى, وهذا أيضا ليس بدقيق.
• الصواب من خلال عمل مقاتل أن مراده بالوجوه: تعدد المعاني التي وردت للفظة الواحدة في القرآن, مثلا: (الهدى) وردت بمعنى الثبات والدين ونحوها فهذه وجوه, وإذا جاء في أحد هذه الوجوه أكثر من آية فهي نظائر.
اقتباس:

فهل معناه أن المشترك أعم من الوجوه، وهل المشترك لا تختلف معاني لفظه -فتكون أوجها-؟

بل العكس تماما، اذ المشترك اللفظي أخص من الوجوه، اذ الوجوه الواردة في مصنفات الوجوه والنظائر تجمع بين المعاني الأصلية للكلمات والسياقية والبلاغية، وهذا ظاهر لو تأملت التعاريف في التعليقة الأولى.... وإن أردت توسعا فارجع الى دراسة استوفى فيها د. محمد المنجد 51 لفظة قرآنية من سبعة مصادر في الوجوه والنظائر واستخلص فيها أن 4 منها تندرج تحت المشترك اللفظي (الأمة، الآية، الفتح، الفرقان).... وأرشدك الى كتاب د. حدة كافي فقد استوعبت هذه المعلومات إن رمت زيادة علم... وفقني الله وإياك...

اقتباس:

هذه طريقة معروفة عند د.مساعد الطيار عند إيراده للمسائل


هذا ليس من كلام د. مساعد، وإنما من كلام د. حدة كافي.
وأزيدك فائدة لعلها توضّح لك ما عنته الدكتورة بكلامها:
جاء في الإبانة لأبي حسن الأشعري: "فإن قال قائل: حدّثونا عن اللفظ بالقرآن كيف تقولون فيه؟ قيل له: القرآن يُقرأ في الحقيقة ويُتلى، ولا يجوز أن يُقال: يُلفظ به، لأن القائل لا يجوز له أن يقول: إن كلام الله ملفوظ به، لأن العرب إذا قال قائلهم: لفظت باللقمة من فمي فمعناه: رَمَيْتُ بها، وكلام الله تعالى لا يقال: يُلففظ به، وإنما يقال: يُقرأ، ويُالى، ويُكتب، ويُحفظ " ولعل هذا هو السبب الذي لأجله وُضعت عناوين أخرى تحمل معنى المشترك اللفظي ولكنها لا تحمل إسمه، مثل الأشباه والنظائر، أو الوجوه والنظائر، أو التصاريف ...


اقتباس:

وأحيانا يورد إيرادات ويتركها معلقة





ذلك لأنه كتب كتابه بطريقة تجديدية، وحيث كان كذلك فهو يحرر المسألة على ما توصل إليه، ويفتح للباحثين آفاقا في الدراسات القرآنية، فكما تعلم أن هذا العلم لم ينضج بعد... ولعل هذا يظهر لك من أول وهلة من العنوان: المحرر...


والحمد لله أن جعلنا نتذاكر مباحث تتعلق بالقرآن الكريم، فهذا من نعم الله علينا...

والله أعلم.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أبو عبيد الله عبد الله 28 Dec 2013 08:47 PM

إلى أخي خالد حفظه الله:



قد قلت بأن:
اقتباس:

نعم هي مندرجة تحت المتشابه اللفظي، والفرق بينه وبين المعنوي هو الفرق بين ما نُسبا إليه، فالمؤلَّفات في المتشابه اللفظي تعتني بتحرير الفروق اللفظية بين الآيات، والمصنفات في المتشابه المعنوي تقصد إلى الكشف عمَّا تحت ذلك من الأسرار.


وفيما اطلعت ما يلي:


[1] - "المتشابه اللفظي في القرآن وأسراره البلاغية" للدكتور صالح الشثري ص12: أما متشابه القرآن حين يُطلق فإنه يُطلق على نوعين، الأول: المتشابه المعنوي، وهو يقابل المحكم، وقد دار حول هذا النوع جدل كبير بين العلماء لتحديد المراد منه في القرآن الكريم، وهو ليس مجال بحثي في هذه الرسالة، وخلاصة ذلك أن المراد به الغامض المشكل مما استأثر الله سبحانه بعلمه كعلم المغيبات، وعلم الساعة، أو أنه مما التبس فهم المراد منه، من حيث خرج ظاهره عن دلالته على المراد به، لشيء يرجع الى اللغة أو العقل أو غير ذلك(متشابه القرآن دراسة موضوعية).اهـ

أما المتشابه اللفظي فأظن أن أفضل تعريف له هو للأستاذ محمد البركة " المتشابه اللفظي في القرآن الكريم وتوجيهه دراسة موضوعية": المتشابه اللفظي (اصطلاحاً) هو : ما أشكل من الآيات المتماثلة لفظاً باتفاقٍ أو مع اختلاف [أو يقال: بلا اختلاف أو معه]....
ولفظ التماثل : يخرج المتشابه المعنوي- المقابل للمحكم- لأنّ تشابهه ناشئ من الالتباس ،
وليس من التماثل .


ل
فظاً
: قَيْد يخرج به ما تشابه في المعنى دون اللفظ ، وهو أشياء كثيرة ليست من المتشابهاللفظي ؛ كالمترادف وبعض المكرّر وضدالمختلف والمتناقض وغيرها.

وأبرز الكتب في
المتشابه المعنوي:
تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة، وحقائق التأويل في متشابه التنزيل للشريف الرضي، ومتشابه القرآن للقاضي عبد الجبار المعتزلي.


أ
ما في المتشابه اللفظي
-زيادة على ما تفضلت به- فـنوعان:

1) الكتب المفردة في توجيه المتشابه اللفظي: "
ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل، في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل" لابن الزبير الغرناطي(ت708) ، و"فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن" لزكريا الأنصاري (ت926)،
"متشابه النظم في قصص القرآن الكريم- مقارنة وتحليل-" للدكتور :عبدالغني الراجحي، "المتشابه اللفظي في القرآن الكريم وأسراره البلاغية" للدكتور : صالح الشثري، "من بلاغة المتشابه اللفظي في القرآن الكريم" للدكتور : محمد الصامل، "من بلاغة المتشابه اللفظي" للدكتور : إبراهيم طه العجلي.

قولك:
اقتباس:

وقد أُخلصت له كتب مستقلة، من أجودها...

يعتبر كتاب الخطيب الإسكافي (( درة التنزيل )) عمدة هذه المؤلفات وأسبقها ، ولذلك فإن كلّ من ألف بعده في (( توجيه المتشابه )) عيالٌ عليه ، ومتأثّرون به – مادّة ومنهجاً – وقد صرّح بهذا كلٌّ من الكرماني وابن الزبير الغرناطي في مقدّمة كتابيهما.
بالنسبة لعدد المسائل: فإن أكثر كتب توجيه المتشابه في ذلك : كتاب الكرماني ( 590 مسألة ) ، يليه كتاب ابن الزبير ( 530 مسألة ) ، ثم الأنصاري ( 350 مسألة ) ، ثم كتاب ابن جماعة ( 331 مسألة ) ، وأخيراً : الإسكافي ( 324 مسألة ).

أما من حيث المنهج: فسلك الخطيب الإسكافي ، وتبعه عليه أبو جعفر بن الزبير هو البسط والإط
الة، والبقية سلكوا مسلك الايجاز اختطّه الكرماني ، وتبعه عليه كلٌّ من ابن جماعة والأنصاري.

2) الكتب الغير مفردة في توجيه المتشابه اللفظي:

كتب التفسير: وخاصّة ما يهتمّ منها بالمبا
حث البلاغية ولطائف وأسرار القرآن ، ومن أبرزها : الكشاف للزمخشري ، والتفسير الكبير للفخر الرازي - وهما عمدة من جاء بعدهما من المفسّرين في ذلك
- .
بالإضافة إلى : البحر المحيط لأبي حيّان ، والتسهيل لابن جزي الكلبي ، وروح المعاني للآلوسي ، والتحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور

ك
تب علوم القرآن العامة
، وأبرزها خمسة : " البرهان" للزركشي ، و" الإتقان " للسيوطي ، و"بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز" للفيروزابادي، و" أسرار التنزيل" أو" قطف الأزهار في كشف الأسرار" للسيوطي، و" إرشاد الرحمن لأسباب النزول والنسخ والمتشابه وتجويد القرآن" للأجهوري [ملخصا من "المتشابه اللفظي" لمحمد البركة].

فما توجيهك لهذا؟

بورك فيك

فتحي إدريس 29 Dec 2013 03:22 AM

جزاك الله خيرا شيخ خالد، أمتعتنا كعادتك حفظك الله وبارك فيك.

أبو البراء 29 Dec 2013 09:33 AM

اقتباس:

فما توجيهك لهذا؟

هو شرح لما أُجمل في المقال، بوركت.

أبو عبيد الله عبد الله 17 Apr 2014 07:40 PM

مما وقفت عليه في اختيارك للعنوان، وأنه لا يتوافق مع مضمون المقال:

- يظهر من عنوان أوسع كتاب: "ملاك التأويل القاطع بذوي الإلحاد والتعطيل في توجيه المتشابه اللفظ من آي التنزيل" للغرناطي.

- سلسلة صوتية: "بلاغة المتشابه اللفظي في القرآن" د. محمد علي الصامل [وهو من هو].

- "المتشابه اللفظي في القرآن الكريم وأسراره البلاغية -دراسة تحليلية لتراث علماء المتشابه اللفظي-" د. صالح بن عبد الله الشثري. رسالة دكتوراه كان الصامل من ضمن المناقشين.

-"بلاغة المتشابه اللفظي في تفسير البحر المحيط لأبي حيان" رسالة دكتوراه لمريم القرشي.

ووقفت أخيرا على كتاب "معجم مصطلحات علوم القرآن" لمحمد الشايع، ص: 130، المتشابه اللفظي:

هي الآيات المتماثلة لفظا تماثلا كليا او أكثريا في سورة واحدة او سور مختلفة..

ثم ضرب أمثلة لذلك كله، ثم قال:

وتسميته بالمتشابه اللفظي لتمييزه عن المتشابه المقابل للمحكم الذي سماه بعضهم بالمتشابه المعنوي تفريقا بين النوعين... اهـ

ولمزيد بيان، فقد أوعب إبراهيم الجرمي في كتابه "معجم علوم القرآن" ص:239-241 في الموضوع.

والله أعلم.


الساعة الآن 02:03 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013