عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 28 Jun 2013, 10:18 PM
بلال بريغت بلال بريغت غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: قسنطينة / الجزائر.
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر Skype إلى بلال بريغت
افتراضي

بعض فوائد ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾
أولا : تقديم حق الله على حق العباد مع حسن الأدب :

فـ {إِيَّاكَ([1]) نَعْبُدُ }تعني إفراد العبادة لله وحده و هذا حق من حقوق الله عزوجل و لا يحق لغيره أبدا ، أما }إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{ فالإستعانة لا تكون إلا بالله جل جلاله و هي حق من حقوق العباد و جاءت مؤخرة عن العبادة لأن حق الله أهم من حق العباد([2]) ، و هذا '' من باب تقديم الغايات على الوسائل ، إذ (العبادة) غاية العباد التي خلقوا لها ، و (الاستعانة) وسيلة([3]) إليها''([4]) ، قال العلامة السعدي رحمه الله : '' وتقديم العبادة على الإستعانة من باب تقديم العام على الخاص،واهتماماً بتقديم حق الله تعالى على حق عباده ''.([5]) ، ''و شأن العرب تقديم الأهم ، يذكر أن أعرابيا سب آخر ، فأعرض المسبوب عنه ، فقال له الساب : إياك أعني ، فقال له الآخر : و عنك أعرض ، فقدما الأهم .([6]) ، و '' ذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها ، لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى ، فإنه إن لم يعنه الله ، لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر و اجتناب النواهي.''([7])
و من أسرار تقديم العبادة على الاستعانة أن '' { إياك نعبد } متعلق بألوهيته و اسمه (الله) و {إياك نستعين} متعلق بربوبيته و اسمه (الرب) فقدم { إياك نعبد } على {إياك نستعين} كما قدم اسم (الله) على (الرب) في أول السورة.''([8])
'' و لآن { إياك نعبد }له ، و {إياك نستعين} به ، و ما له مقدم على ما به ، لأن ما له متعلق بمحبته و رضاه ، و ما به متعلق بمشيئته .
و ما تعلق بمحبته أكمل مما تعلق بمجرد مشيئته ، فإن الكون كله متعلق بمشيئته ، و الملائكة و الشياطين و المؤمنون و الكفار ، و الطاعات و المعاصي ، و المتعلق بمحبته : طاعاتهم و إيمانهم ، فالكفار أهل مشيئة ، و المؤمنون أهل محبته ، و لهذا لا يستقر في النار شيء لله أبدا ، و كل ما فيها فإنه به تعالى و بمشيئته.
فهذه الأسرار يتبين بها حكمة تقديم { إياك نعبد } على {إياك نستعين}([9]).
و قال ابن القيم : '' و أما تقديم المعبود و المستعان على الفعلين، ففيه : أدبهم مع الله بتقديم اسمه على فعلهم'' ([10])

- يتبع -
=======
[1]: إياّ كلمة ضمير خصت بالإضافة إلى المضمر و يستعمل مقدما على الفعل فيقال : إياك أعني ، و إياك أسأل و لا يستعمل مؤخرا إلا منفصلا ، فيقال : ما عنيت إلا إياك.[ تفسير البغوي (1/53)].

[2]: تقربات العباد على ثلاثة أقسام ، أحدها حق لله تعالى فقط - كالمعارف و الإيمان بما يجب و يستحيل و يجوز عليه سبحانه و تعالى ، و ثانيها حق للعباد فقط بمعنى أنهم متمكنون من إسقاطه ، و إلا فكل حق للعبد ففيه حق لله تعالى و هو أمره بإيصاله لمستحقه – كآداء الديون ، و رد الغصوب و الودائع ، و ثالثها حق لله تعالى و حق للعباد و الغالب مصلحة العباد كالزكوات و الصدقات و الكفارات ... [ الذخيرة للإمام القرافي رحمه الله (2/7)].

[3]:قال ابن كثير في تفسيرة (1/135) : '' و إنما قدم { إياك نعبد } على { وإياك نستعين } لأن العبادة له هي المقصودة ، و الإستعانة وسيلة إليها ، و الإهتمام و الحزم هو أن يقدم ما هو الأهم فالأهم ، و الله أعلم . '' ، و قال السعدي (ص39) : ''و القيام بعبادة الله و الإستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية ، و النجاة من جميع الشرور ، فلا سبيل للنجاة إلا بالقيام بهما ، و إنما تكون العبادة عبادة إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم مقصودا بها و جه الله.''

[4]: التفسير القيم (ص 79).

[5]: تيسير الكريم الرحمن (الصفحة 39 طبعة مؤسسة الرسالة).

[6]: الجامع لأحكام القرآن (1/224).

[7]: تفسير السعدي(ص39).

[8]: التفسير القيم (ص79)

[9]: المصدر السابق (ص 80).

[10]: مدارج السالكين(1/88).


التعديل الأخير تم بواسطة بلال بريغت ; 28 Jun 2013 الساعة 10:21 PM
رد مع اقتباس