عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 26 Dec 2013, 09:52 AM
أبو عبيد الله عبد الله أبو عبيد الله عبد الله غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
الدولة: عين البنيان - الجزائر
المشاركات: 82
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو عبيد الله عبد الله إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبيد الله عبد الله
افتراضي

هذه بعض الفوائد -إضافات وتوضيحات- في ظلال الآيتين
منسجمة مع ما خطه الأخ خالد من المباحث

أولا: العنوان لا يدل على المضمون، ولعل العنوان الذي ينسجم ومشاركتك: المتشابه المعنوي في آيتي التوبة (55-85) ونحوها.

المقدمة:

محمد أبو زهرة -عفا الله عنه-:وإن هذا الاختلاف في الألفاظ هو تصريف القول الذي هو من أسباب الإعجاز البياني، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ. . .)، فهل يعد هذا من التكرار؟ نقول إنه يكون من التكرار إذا كانت المناسبة التي ذكرت فيها الآيتان واحدة، أما إذا اختلفت المناسبة، فإنها تغير المقصود، وإذا تغير المقصود لَا يكون المعنى واحدًا من كل الوجوه.


الزمخشري-عفا الله عنه-: وقد أعيد قوله وَلا تُعْجِبْكَ لأنّ تجدد النزول له شأن في تقرير ما نزل له وتأكيده، وإرادة أن يكون على بال من المخاطب لا ينساه ولا يسهو عنه، وأن يعتقد أن العمل به مهمّ يفتقر إلى فضل عناية به، لا سيما إذا تراخى ما بين النزولين فأشبه الشيء الذي أهم صاحبه، فهو يرجع إليه في أثناء حديثه ويتخلص إليه، وإنما أعيد هذا المعنى لقوته فيما يجب أن يحذر منه.
ابن عطية-عفا الله عنه-: ووجه تكريرها تأكيد هذا المعنى وإيضاحه، لأن الناس كانوا يفتنون بصلاح حال المنافقين في دنياهم.


السراج المنير للخطيب الشربيني-عفا الله عنه-:

فإن قيل: ما الحكمة في التكرير؟ أجيب: بأنه أشدّ الأشياء جذباً وطلباً للخواطر الاشتغال بالدنيا وهي الأموال والأولاد وما كان كذلك يجب التحذير عنه مرّة بعد أخرى في المطلوبية والمرغوبية كما أعاد تعالى قوله في سورة النساء: {إنّ الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لما يشاء} (النساء، 48)

مرّتين وقيل: إنما كرّر هذا المعنى لأنّ الآية الأولى في قوم منافقين لهم أموال وأولاد في وقت نزولها وهذه الآية في قوم آخرين والكلام الواحد إذا احتيج إلى ذكره مع أقوام كثيرين في أوقات مختلفة لم يكن ذكره مع بعضهم مغنياً عن ذكره مع آخرين.



المبحث الأول:

زيادة في الإيضاح فقد قال الاسكافي-عفا الله عنه-: ألا ترى أنه قال: (وماتوا وهم فاسقون) ولا يشترط فعل من قد مات فيعقب بذكر الجزاء، فلذلك اختلفا في الفاء والواو.


ولهذا قال ابن جماعة-عفا الله عنه-: أن الآية الأولى: ظاهرة في قوم أحياء، والثانية: في قوم أموات.

المبحث الثاني:


ابن عاشور-عفا الله عنه-: [في الآية (55):] وَلِكَوْنِ ذِكْرِ الْأَوْلَادِ كَالتَّكْمِلَةِ هُنَا لِزِيَادَةِ بَيَانِ عَدَمِ انْتِفَاعِهِمْ بِكُلِّ مَا هُوَ مَظِنَّةُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ النَّاسُ، عُطِفَ الْأَوْلَادُ بِإِعَادَةِ حَرْفِ النَّفْيِ بَعْدَ الْعَاطِفِ، إِيمَاءً إِلَى أَنَّ ذِكْرَهُمْ كَالتَّكْمِلَةِ وَالِاسْتِطْرَادِ......
[في الآية (85):] وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ ذِكْرَ الْأَوْلَادِ فِي الْآيَةِ السَّالِفَةِ لِمُجَرَّدِ التَّكْمِلَةِ وَالِاسْتِطْرَادِ إِذِ الْمَقَامُ مَقَامُ ذَمِّ أَمْوَالِهِمْ إِذْ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهَا فَلَمَّا كَانَ ذِكْرُ الْأَوْلَادِ تَكْمِلَةً كَانَ شَبِيهًا بِالْأَمْرِ الْمُسْتَقِلِّ فَأُعِيدَ حَرْفُ النَّفْيِ فِي عَطْفِهِ، بِخِلَافِ مَقَامِ هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنَّ أَمْوَالَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ مَعًا مَقْصُودٌ تَحْقِيرُهُمَا فِي نَظَرِ الْمُسْلِمِينَ.

المبحث الثالث:

الشعراوي-عفا الله عنه-: {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ} لماذا؟ لأن منهم من له مال يعتز به، ومنهم من له أولاد كثيرون هم عِزْوته، ومنهم من له المال والولد. إذن: فهم مختلفون في أحوالهم؛ لذلك جاء القول: {أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ} لتؤدي المعاني كلها. ولتشمل من عنده مال فقط، ومن عنده أولاد فقط، ومن عنده المال والولد. أما في الآية الثانية التي نحن بصددها:
{وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدنيا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} إذن: فالحقُّ سبحانه وتعالى قد أعطاهم المال والولد للعذاب.

الزحيلي -سدده الله- "التفسير المنير": ويفهم من اللفظ السابق:

وَلا أَوْلادُهُمْ أن إعجابهم بأولادهم كان أكثر من إعجابهم بأموالهم، وأما هنا رقم [85] فلا تفاوت بين الأمرين.

قولك:
اقتباس:
وتحتمل اللَّام أن تكون زائدةً


لعل اجتناب لفظ الزيادة أسلم. ويقال: غير عاملة ونحوها.

وعند قولك:
اقتباس:
فيكون الفعل "يريد" متسلِّطا على "يعذِّبهم" فيكون على هذا متعلّق الآيتين واحدًا ومعناهما متَّحدًا


قال ابن عاشور
-عفا الله عنه-: ...وَمِنْ مَحَاسِنِ التَّأْكِيدِ الِاخْتِلَافُ فِي اللَّفْظِ وَهُوَ تَفَنُّنٌ...

المبحث الرابع:


ابن عاشور -عفا الله عنه-: رَابِعُهَا: أَنَّهُ جَاءَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَجَاءَ فِي الْآيَةِ السَّالِفَةِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا [التَّوْبَة: 55] وَنُكْتَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ السَّالِفَةَ ذَكَرَتْ حَالَةَ أَمْوَالِهِمْ فِي حَيَاتِهِمْ فَلَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ إِلَى ذِكْرِ الْحَيَاةِ. وَهُنَا ذُكِرَتْ حَالَةُ أَمْوَالِهِمْ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ لِقَوْلِهِ: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً [التَّوْبَة: 84] فَقَدْ صَارُوا إِلَى حَيَاةٍ أُخْرَى وَانْقَطَعَتْ حَيَاتُهُمُ الدُّنْيَا وَأَصْبَحَتْ حَدِيثًا.

الخلاصة:


ولخص ذلك كله د. فاضل السامرائي -وفقه الله- في أسرار البيان في التعبير القرآني قائلا:
وسبب ذلك والله أعلم أن السياق في الآية ذات الرقم 55 يختلف عن السياق في الآية الثانية.
إن الآية الأولى في سياق إنفاق الأموال والخطاب للمنافقين. قال تعالى: {قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصلاة إِلاَّ وَهُمْ كسالى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ * فَلاَ تُعْجِبْكَ أموالهم وَلاَ أولادهم ... } [التوبة: 53-55] .
وبعدها: {وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصدقات فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة: 58] .
وبعدها: {إِنَّمَا الصدقات لِلْفُقَرَآءِ والمساكين والعاملين عَلَيْهَا والمؤلفة قُلُوبُهُمْ وَفِي الرقاب والغارمين} [التوبة: 60] .
فالسياق في إنفاق الأموال والكلام على المنافقين وأموالهم، ثم وجه الخطاب إلى الرسول قائلاً: {فَلاَ تُعْجِبْكَ أموالهم وَلاَ أولادهم إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا} [التوبة: 55] فزاد (لا) النافية توكيداً {فَلاَ تُعْجِبْكَ أموالهم وَلاَ أولادهم} [التوبة: 55] وزاد اللام في (ليعذبهم) لزيادة الاختصاص وتوكيده.
في حين أن السياق مختلف في الآية الأخرى. قال تعالى: {فَإِن رَّجَعَكَ الله إلى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بالقعود أَوَّلَ مَرَّةٍ فاقعدوا مَعَ الخالفين * وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ على قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ * وَلاَ تُعْجِبْكَ أموالهم وأولادهم إِنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدنيا ... } [التوبة: 83-85] .
فسياق الآيات الأولى في إنفاق الأموال، فأكد ذلك بزيادة (لا) واللام. ولما اختلف السياق في الآيات الأخرى خالف في التعبير فلم يذكر (لا) ولا اللام، لأن المقام لا يقتضي التوكيد هنا.
ولما طال الكلام على الإنفاق والأموال في الآيات الأولى، زاد الكلام في هذه الآية دون الأخرى فقد زاد (لا) و (اللام) و (الحياة) . لما كان المالُ عصبَ الحياة كما يقال ومظنّة الوصول إلى الرفاهية والسعادة زاد كلمة (الحياة) ههنا، بخلاف الآية الأخرى فإنها في سياق الجهاد والقتال. والقتال والجهاد مظنّة القتل وفقد الحياة، ولذا لم يأت بالحياة في سياق الجهاد، بخلاف سياق المال، لأن الحربَ سبيلُ فَقْدِ الحياة بخلاف لمال والله أعلم.


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبيد الله عبد الله ; 28 Dec 2013 الساعة 08:25 PM
رد مع اقتباس