عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 04 Aug 2014, 03:08 AM
أبو عبد الله محمد تشلابي أبو عبد الله محمد تشلابي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
المشاركات: 15
افتراضي

السلام عليكم

بوركت أخي فتحي ونفع الله بك إخوانك!

قول الشيخ ابن عثميمن رحمه الله: "وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان إذا خاف أنَّ أخاه وجد شيئا في قلبه أن يفعل ما يزيل ما في قلبه، سواء كان يتعلق بالإنسان نفسه أو يتعلق بصاحبه، لأن هذا من كمال الخلق".

فهذا أصل في التحضيض على مراعاة شعور الغير وأن إزالة الهم عن قلب المؤمن فضلا عن إدخال سرور عليه هو مقصود للشارع، والأصل في ذلك الحديث الذي حسنه الألباني في صحيح الجامع (176) ولفظه: «أحب الناس إلى الله أنفعهم, وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم أو تكشف عنه كربة أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا, ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا, ومن كف غضبه ستر الله عورته, ومن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة, ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام, وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل».

وبالعودة إلى ما له علاقة بخصوص مراعاة شعور الغير كما في أصل البحث فيمكن إضافة ما يلي والله أعلم:

1/ روى البخاري (5224) من حديث أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا في قصتها لحمل النوى قالت: "كُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي، وَهِيَ مِنِّي عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ، فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي، فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنَ الأَنْصَارِ، فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ: «إِخْ إِخْ» لِيَحْمِلَنِي خَلْفَهُ، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسِيرَ مَعَ الرِّجَالِ، وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ، فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي قَدِ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى...

والشاهد من الحديث من جهتين:
الأولى: قول أسماء (وَذَكَرْتُ الزُّبَيْرَ وَغَيْرَتَهُ وَكَانَ أَغْيَرَ النَّاسِ). فمع أن الذي عرض عليها أن يحملها معه هو النبي عليه السلام نفسه، فإن ذلك لم يمنعها من مراعاة حق زوجها في غيرته عليها وذلك بترك الارتداف الذي دعاها إليه النبي عليه الصلاة والسلام.

والثانية: قولها (فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي قَدِ اسْتَحْيَيْتُ فَمَضَى).
وهو أيضا يدل على أن النبي عليه السلام كان يراعي شعور الغير بدليل أنه مجرد ما شعر باستحيائها مضى في السير ولم يتوقف. والغريب أن بعض الناس في زمننا إذا كان في السوق وساوم سلعة ثم أراد أن يخفض من سعرها تجده يحدد السعر ويعطي البائع المال ويأخذ السلعة من غير مبالاة أصلا بشعور البائع، مع أنه يعلم أن البائع غير راض بهذا السعر وإنما منعه الحياء فخجل. ومثل هذه الصورة من البيع فقد أفتى الشيخ ابن عثيمين ببطلانها لعدم وجود رضا البائع.

2/ وروى البخاري (3679) واللفظ له، ومسلم (2394) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الجَنَّةَ، فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ، امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ، وَسَمِعْتُ خَشَفَةً، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا بِلاَلٌ، وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لِعُمَرَ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ" فَقَالَ عُمَرُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ ؟

وهذا غاية ما يكون في مراعاة شعور الغير، إذ أن النبي عليه السلام علق عدم دخوله قصر عمر بعلمه بغيرته، مع أن هذا كان في المنام كما أفادته روايات صحيحة، فكيف لو كان في اليقظة؟؟!! بأبي هو وأمي !!

3/ وروى البخاري (709) واللفظ له ومسلم (192) من حديث قَتَادَةُ، أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي لَأَدْخُلُ فِي الصَّلاَةِ وَأَنَا أُرِيدُ إِطَالَتَهَا، فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ، فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي مِمَّا أَعْلَمُ مِنْ شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ مِنْ بُكَائِهِ».

فالنبي عليه السلام حتى مع كونه متلبسا بالصلاة فإنه كان يراعي فيها شعور الناس وذلك بالتخفيف فيها أحيانا كما هاهنا إذا علم أن أم الصبي مشغول قلبها ومشوش بالها ببكاء صبيّها. فعجبا من إمام لا يستسيغ إطالة الركوع إذا أحس بداخل إلى المسجد زاعما أن ذلك غير جائز أو شرك، مع أنه إذا جاز التخفيف لحاجة من حاجات الدنيا كان التطويل لحاجة من حاجات الدين أجوز كما أفاده في الفتخ !

4/ وروى البخاري (2699) من حديث البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ في قصة مصالحة النبي عليه السلام لأهل الحديبية، وفيها: .... فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (من مكة)، فَتَبِعَتْهُمْ ابْنَةُ حَمْزَةَ: يَا عَمِّ يَا عَمِّ، فَتَنَاوَلَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَخَذَ بِيَدِهَا، وَقَالَ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ، حَمَلَتْهَا، فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ، وَزَيْدٌ، وَجَعْفَرٌ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَحَقُّ بِهَا وَهِيَ ابْنَةُ عَمِّي، وَقَالَ جَعْفَرٌ: ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي، وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي، فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا، وَقَالَ: «الخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ»، وَقَالَ لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ»، وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: «أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي»، وَقَالَ لِزَيْدٍ: «أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلاَنَا».

وفي هذا الحديث أن النبي عليه السلام مع كونه قضى بالبنت لخالتها فإن ذلك لم يكن مانعا له من مراعاة شعور المتخاصمين وذلك بامتداح كل واحد منهم بما يناسبه من مقام دفعا لحزنهم وجبرا لخواطرهم وتطييبا لقلوبهم لئلا يرجعوا مهمومين مغمومين، وذلك أوضح ما يكون في تقرير أصل مراعاة شعور الغير، والله تعالى أعلم.
(أحاول تصغير حجم الخط فما أفلح)


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله محمد تشلابي ; 04 Aug 2014 الساعة 11:29 PM
رد مع اقتباس