عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08 Mar 2015, 04:14 PM
أبوعبدالرحمن عبدالله بادي
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي عذب شيطانك: فمن لم يعذب شيطانه بالذكر والإستغفار عذبه شيطانه في الآخرة بعذاب النار وفيه حديث صحيح وتعليق قيم لابن القيم.


الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:

عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا قال :

إن المؤمن لينضي شياطينه كما ينضي أحدكم بعيره في السفر .

قال الألباني في الصحيحة-حديث رقم 3586 : وهذا إسناد حسن.


غريب الحديث:

أَنْضَيْتُ الثوبَ , وانْتَضَيْتُه: أَخْلَقْتُه وأَبَلَيْتُه , ونَضَا الخِضابُ , نَضْواً , ونُضُوّاً: ذَهَبَ لَوْنُه.

لسان العرب (ج15ص 329)

(يُنْضِي شيطانَه) أي: يُهْزِلُهُ , ويجعله نضوا , أي: مهزولا لكثرة إذلاله له , وجعْلِه أسيرا تحت قهرِه وتصرُّفِه , ومن أعزَّ سلطانَ اللهِ أعزَّه الله , وسَلَّطَهُ على عدوِّه. فيض القدير - (ج 2 / ص 488)

قال ابن القيم في بدائع الفوائد256.255/2:

فصل:

وأما الخناس: فهو فعال من خنس يخنس إذا توارى واختفى ومنه قول أبي هريرة: "لقيني النبي صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة وأنا جنب فانخنست منه: وحقيقة اللفظ اختفاء بعد ظهور فليست لمجرد الاختفاء ولهذا وصفت بها الكواكب في قوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} قال قتادة: "هي النجوم تبدو بالليل وتخنس بالنهار فتختفي ولا ترى" وكذلك قال علي رضي الله عنه: "هي الكواكب تخنس بالنهار فلا ترى" وقالت طائفة: الخنس هي الراجعة التي ترجع كل ليلة إلى جهة المشرق وهي السبعة السيارة" قالوا: وأصل الخنوس الرجوع إلى وراء" والخناس مأخوذ من هذين المعنيين فهو من الاختفاء والرجوع والتأخر فإن العبد إذا غفل عن ذكر الله جثم على قلبه الشيطان وانبسط عليه وبذر فيه أنواع الوساوس التي هي أصل الذنوب كلها فإذا ذكر العبد ربه واستعاذ به انخنس وانقبض كما ينخنس الشيء ليتوارى وذلك الإنخناس والانقباض هو أيضا تجمع ورجوع وتأخر عن القلب إلى خارج فهو تأخر ورجوع معه اختفاء وخنس وانخنس يدل على الأمرين معا قال قتادة الخناس له خرطوم كخرطوم الكلب في صدر الإنسان فإذا ذكر العبد ربه خنس ويقال رأسه كرأس الحية وهو واضع رأسه على ثمرة القلب يمنيه ويحدثه فإذا ذكر الله تعالى خنس وإذا لم يذكره عاد ووضع رأسه يوسوس إليه ويمنيه وجيء من هذا الفعل بوزن فعال الذي للمبالغة دون الخانس والمنخنس إيذانا بشدة هروبه ورجوعه وعظم نفوره عند ذكر الله وأن ذلك دأبه ودينه لا أنه يعرض له ذلك عند ذكر الله أحيانا بل إذا ذكر الله هرب وانخنس وتأخر فإن ذكر الله هو مقمعته التي يقمع بها كما يقمع المفسد والشرير بالمقامع التي تردعه من سياط وحديد وعصي ونحوها
فذكر الله يقمع الشيطان ويؤلمه ويؤذيه كالسياط والمقامع التي تؤذي من يضرب بها ولهذا يكون شيطان المؤمن هزيلا ضئيلا مضنى مما يعذبه ويقمعه به من ذكر الله وطاعته وفي أثر عن بعض السلف أن المؤمن ينضي شيطانه كما ينضي الرجل بعيره في السفر لأنه كلما اعترضه صب عليه سياط الذكر والتوجه والاستغفار والطاعة فشيطانه معه في عذاب شديد ليس بمنزلة شيطان الفاجر الذي هو معه في راحة ودعة ولهذا يكون قويا عاتيا شديدا فمن لم يعذب شيطانه في هذه الدار بذكر الله تعالى وتوحيده واستغفاره وطاعته عذبه شيطانه في الآخرة بعذاب النار فلا بد لكل أحد أن يعذب شيطانه أو يعذبه شيطانه وتأمل كيف جاء بناء الوسواس مكررا لتكريره الوسوسة الواحدة مرارا حتى يعزم عليها العبد وجاء بناء الخناس على وزن الفعال الذي يتكرر منه نوع الفعل لأنه كلما ذكر الله انخنس ثم إذا غفل العبد عاوده بالوسوسة فجاء بناء اللفظين مطابقا لمعنييهما.

قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة 295/1:

فصل وَمِنْهَا ان الْقلب يكون ذاهلا عَن عدوه معرضًا عَنهُ مشتغلا بِبَعْض
مهماته فَإِذا اصابه سهم من عدوه استجمعت لَهُ قوته وحاسته وحميته وَطلب بثاره إِن كَانَ قلبه حرا كَرِيمًا كَالرّجلِ الشجاع إِذا جرح فَإِنَّهُ لَا يقوم لَهُ شَيْء بل ترَاهُ بعْدهَا هائجا طَالبا مقداما وَالْقلب الجبان المهين إِذا جرح كَالرّجلِ الضَّعِيف المهين إِذا جرح ولى هَارِبا والجراحات فِي اكتافه
وَكَذَلِكَ الاسد إِذا جرح فَإِنَّهُ لَا يُطَاق فَلَا خير فِيمَن لَا مُرُوءَة لَهُ يطْلب اخذ ثاره من اعدى عدوه فَمَا شَيْء اشفى للقلب من اخذه بثاره من عدوه ولاعدو اعدى لَهُ من الشَّيْطَان فَإِن كَانَ قلبه من قُلُوب الرِّجَال المتسابقين فِي حلبة الْمجد جد فِي اخذ الثأر وغاظ عدوه كل الغيظ واضناه كَمَا جَاءَ عَن بعض السّلف ان الْمُؤمن لينضى شَيْطَانه كَمَا ينضى احدكم بعيره فِي سَفَره.

قال المناوي في فيض القدير 488.487/2:

فظهر أن المؤمن لا يزال ينضي شيطانه (كما ينضي أحدكم بعيره في السفر) لأنه إذا عرض لقلبه احترز عنه بمعرفة ربه وإذا اعترض لنفسه وهي شهواته احترز بذكر الله فهو أبدا ينضوه فالبعير يتجشم في سفره أثقال حمولته فيصير نضوا لذلك وشيطان المؤمن يتجشم أثقال غيظه منه لما يراه من الطاعة والوفاء لله فوقف منه بمزجر الكلب ناحية وأشار بتعبيره بينضي دون يهلك ونحوه إلى أنه لا يتخلص أحد من شيطان ما دام حسا فإنه لا يزال يجاهد القلب وينازعه والعبد لا يزال يجاهده مجاهدة لا آخر لها إلا الموت لكن المؤمن الكامل يقوي عليه ولا ينقاد له ومع ذلك لا يستغني قط عن الجهاد والمدافعة ما دام الدم يجري في بدنه فإنه ما دام حيا فأبواب الشياطين مفتوحة إلى قلبه لا تنغلق وهي الشهوة والغضب والحدة والطمع والثروة وغيرها ومهما كان الباب مفتوحا والعدو غير عاقل لم يدفع إلا بالحراسة والمجاهدة قال رجل للحسن يا أبا سعيد أينام إبليس فتبتسم وقال لو نام لوجدنا راحة فلا خلاص للمؤمن منه لكنه بسبيل من دفعه وتضعيف قوته وذلك على قدر قوة إيمانه ومقدار إيقانه قال قيس بن الحجاج قال لي شيطان دخلت فيك وأنا مثل
الجزور وأنا الآن كالعصفور ، قلت ولم ذا ؟ قال أذبتني بكتاب الله.

وأهل التقوى لا يتعذر عليهم سد أبواب الشياطين وحفظها بحراسة أعني الأبواب الظاهرة والطرق الخلية التي تفضي إلي المعاصي الظاهرة وإنما يتعثرون في طرقه الغامضة.



التعديل الأخير تم بواسطة أبوعبدالرحمن عبدالله بادي ; 08 Mar 2015 الساعة 10:22 PM
رد مع اقتباس