عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 03 Dec 2013, 08:09 PM
بلال بريغت بلال بريغت غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: قسنطينة / الجزائر.
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر Skype إلى بلال بريغت
افتراضي

العصبية

قرأت في بعض أجزاء البصائر انتقاداً شديداً موجهاً إلى رئيس جماعة العلماء و إلى أبي يعلي الزواوي فأعجبني ما عليه رجال الإصلاح من محاسبة أنفسهم على النقير و الفتيل في أقوالهم و التزام الاعتصام بحبل الله، و عدم التساهل في كل ما يشم منه رائحة التفرق و الانفصام و لكنه ساءني أن يوجه مثل ذلك الوخز و الهمز و إلى رجال لهم الباقيات الصالحات ما يكفر الزلات التي لا تحتمل التأويل فكيف بذلك الشيء الضئيل الذي يحتمل ألف وجه من التأويل و الحمل على وجه حسن؟، ولو صدر مثل ذلك من رجل من عامة الكتاب ليس له ما يشفع له أو يدفع عنه لما ساغ لمن يريد الإصلاح أن يلذعه بذلك العتاب الأليم لأن العتاب على ذلك المنوال لا ينتج خيراً و إنما ينتج عكس المطلوب﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا* رَّسُولا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾[الطلاق:10-11]- ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾[الأعراف:199].



النفس إن دعيت بالعنف آبية *** وهيَّ ما أمرت بالرفق تأتمر.

----

و إذا الحبيبُ أتى بذنبٍ واحدٍ *** جاءت محاسنه بألفِ شفيع([1]).


على أنه لا ذنب فانتساب الرجل إلى قبيلته سائغ و معمول به في زمن النبي صلى الله عليه و سلم و خير القرون بعده، وهذا يحي بن معطي([2]) مشهور بالزواوي و كم و كأين من رجال في تاريخ ابن خلدون منسوبين إلى صنهاجة و إذا صلحت القلوب فلا ضير في ذلك. نعم إذا علم أن ذلك الانتساب صادر عن نية سيئة أو يوجد من يتخذه وسيلة للإفساد و كان التعريف حاصلا بدونه كانت المصلحة حينئذٍ قاضية بتركه مراعاة للمصالح المرسلة فيما لم يخالف نصاً للمعصوم ، و الأول و هو سوء النية معدوم قطعاً و معاذ الله أن يتصف بذلك تلميذ من صالحي تلاميذ الشيخ عبد الحميد فكيف به هو في علمه و فضله فالله الله في التفريق و إحداث الشقاق من طريق الدعوة إلى الاجتماع ، ثم ارتقى الأمر إلى الحط بذكر آخر طرف اسم الأستاذ و هو (باديس) فقط و أدهى من ذلك إيجاد مضادة بين الجامعين الأخضر و الزيتونة والطعن في تحصيل أهل العلم و التماس العيوب بالتغليط و التلحين و المفاخرة و تلك لعمري هي دعوى الجاهلية التي يجب أن تنزه عنها صحف جماعة العلماء و لم يكن من الصواب نشر شيء من ذلك؛ و إن حسنت النية و قصد ما يسمى بحرية النشر فلكل شيء حد إذا تجاوزه قبح و انقلب ضرراً بعد ما كان نفعاً.

وﻻ تَفْتَحُوا ﻟﻠﻌﺘﺐ ﺑﺎبً ﻓﺮُبَّما *** ﻳﻌﺰﱡﻋﻠﻴﻜﻢ ﺑﻌﺪ ذﻟﻚ سَدَّﻩُ.

فألتمس من العلماء و الإخوان العالمين أن لا ينشروا شيئا من مثل ذلك فإنه لا يأتي منه إلا الشر المحقق؛ فالحرص على القلوب التي هي كالزجاج كسره لا يجبر؛ هو سر دوام الأخوة التي هي ضمانة دوام العمل؛ الذي هو وسيلة النجاح، فلا بارك الله في الحرية التي توصل إلى التعيير و الهمز و العيب و الحط؛ بل هي عبودية ، و أنا أيضاً لا أبريء نفسي من أن أكون قد خشنت في موضوع كان الواجب علي فيه اللين و أن أكون قد وقعت فيما نهيت عنه و شفيعي هو الإخلاص والغيرة و حب الصلاح و السداد و أظن أني لا أكون متهماً بالميل إلى أحدِ الجانبين و أنا في هذه الغربة و المكان السحيق والله الهادي إلى أقوم طريق([3]).




محمد تقي الدين الهلالي المغربي.

=====

[1] : هذه الأبيات لابن نباتة المصري .
[2] : ابن معطي الزواوي هو يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي ، زين الدين، يكنى بأبي الحسين، و بأبي زكريا ، أما شهرته في المشرق و المغرب فهي ابن المعطي ويقال أنه لقب بزين الدين ، ولد الإمام ابن معطي في منطقة زواوة ببجاية ، قال عنه الذهبي في السير (22/324) : (العلامة شيخ النحو زين الدين أبو الحسين يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي المغربي النحوي الفقيه الحنفي مولده سنة أربع وستين وخمس مئة وسمع من القاسم بن عساكر وصنف الألفية والفصول وله النظم والنثر وتخرج به أئمة بمصر و دمشق).

[3] : البصائر؛ العدد (29)، السّنة الأولى : 5 جمادى الأولى 1355هــ، 24 جوليت 1936م، (ص:3).


التعديل الأخير تم بواسطة بلال بريغت ; 03 Dec 2013 الساعة 11:28 PM
رد مع اقتباس