عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 26 Nov 2014, 05:33 PM
إبراهيم بويران إبراهيم بويران غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 313
افتراضي

الحمد لله وبعد: بالنسبة لهذا الدعاء ، نصَّ العلامة ابن القيم رحمه الله على جوازه، لانتفاء المحذور المذكور كما في كتابه الفذّ " بدائع الفوائد " (2/676-678) حيث قال: « الرحمة المضافة إلى الله تعالى نوعان:
أحدهما: مضاف إليه إضافة مفعول إلى فاعله .
والثاني: مضاف إليه إضافة صفة إلى الموصوف بها فمن الأول قوله في الحديث الصحيح: « احتجت الجنة والنار » فذكر الحديث وفيه «فقال للجنة: إنما أنت رحمتي أرحم بك من أشاء » رواه مسلم وأحمد .
فهذه رحمة مخلوقة مضافة إليه إضافة المخلوق بالرحمة إلى الخالق تعالى، وسماها رحمة لأنها خلقت بالرحمة وللرحمة وخص بها أهل الرحمة وإنما يدخلها الرحماء ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: « خلق الله الرحمة يوم خلقها مائة رحمة كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض » رواه مسلم والحاكم وروى البخاري نحوه .
ومنه قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الأِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً} ومنه تسميته تعالى للمطر رحمة بقوله: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} .
وعلى هذا فلا يمتنع الدعاء المشهور بين الناس قديما وحديثا وهو قول الداعي: «اللهم اجمعنا في مستقر رحمتك »، وذكره البخاري في كتاب الأدب المفرد له عن بعض السلف، وحكى فيه الكراهة قال: « إن مستقر رحمته ذاته »، وهذا بناء على أن الرحمة صفة، وليس مراد الداعي ذلك، بل مراده الرحمة المخلوقة التي هي الجنة ولكن الذين كرهوا ذلك لهم نظر دقيق جدًّا وهو أنه إذا كان المراد بالرحمة الجنة نفسها لم يحسن إضافة المستقر إليها ولهذا لا يحسن أن يقال اجمعنا في مستقر جنتك فإن الجنة نفسها هي دار القرار وهي المستقر نفسه كما قال:[حسنت مستقرًّا ومقاما]، فكيف يضاف المستقر إليها والمستقر هو المكان الذي يستقر فيه الشيء ولا يصح أن يطلب الداعي الجمع في المكان الذي تستقر فيه الجنة فتأمله، ولهذا قال: « مستقر رحمته ذاته » .
والصواب: أن هذا لا يمتنع حتى ولو قال صريحًا: « اجمعنا في مستقر جنتك» لم يمتنع وذلك أن المستقر أعم من أن يكون رحمة أو عذابا، فإذا أضيف إلى أحد أنواعه أضيف إلى ما يُبيِّنه ويُميِّزه من غيره، كأنه قيل: في المستقر الذي هو رحمتك لا في المستقر الآخر، ونظير هذا أن يقال: اجلس في مستقر المسجد، أي المستقر الذي هو المسجد، والإضافة في مثل ذلك غير ممتنعة ولا مستكرهة، وأيضا فإن الجنة وإن سميت رحمة لم يمتنع أن يسمى ما فيها من أنواع النعيم رحمة ولا ريب أن مستقر ذلك النعيم هو الجنة فالداعي يطلب أن يجمعه الله ومن يحب في المكان الذي تستقر فيه تلك الرحمة المخلوقة في الجنة وهذا ظاهر جدا فلا يمتنع الدعاء بوجه والله أعلم »انتهى .
و هذا الذي رجَّحه العلامة ابن القيم رحمه الله هو اختيار شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية كما تجده في كتاب " الاختيارات الفقهية" (1/615)، وهو الذي نصره بكر أبو زيد في " معجم المناهي اللفظية " (ص599-604) .
وسئل الإمام السيوطي رحمه الله كما في " الحاوي للفتاوي " (1/297): رَجُلٌ قَالَ: اللَّهُمَّ اجْمَعْنَا فِي مُسْتَقَرِّ رَحْمَتِكَ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ شَخْصٌ فَمَنِ الْمُصِيبُ؟ .
فأجاب رحمه الله: « هَذَا الْكَلَامُ أَنْكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَرَدَّ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ مِنْهُمُ النووي وَقَالَ: الصَّوَابُ جَوَازُ ذَلِكَ، وَمُسْتَقَرُّ الرَّحْمَةِ هُوَ الْجَنَّةُ »انتهى.
وسئل العلامة عبد العزيز الراجحي حفظه الله: قال أحد الدعاة في مسجد من المساجد كلمة، وفي آخرها دعا، وكان من ضمن دعائه: اللهم أدخلنا في مستقر رحمتك، فأنكر عليه بعض الحاضرين مثل هذا الدعاء وقال له: إن هذا من باب الحلول، فهل يجوز الدعاء بمثل هذا؟ وهل وفق للصواب من أنكر عليه؟
فأجاب حفظه الله: لا بأس بهذا الدعاء، فقد جاء عن بعض السلف أنه فسر مستقر الرحمة بالجنة، وهذا ليس من باب الحلول، فالجنة هي رحمة الله، والرحمة هي صفة من صفات الله، والمراد بمستقر رحمتك هنا: الرحمة المخلوقة، والجنة من رحمة الله »انتهى.

فالحاصل أن معنى قولهم: « اجمعنا في مستقر رحمتك »، الرحمة المخلوقة، لا الرحمة التي هي صفة من صفات الله تعالى، كما أفاده من ذكرنا من الأئمة، والله أعلم .

رد مع اقتباس