قال أبو القاسم السُّهَيْلِيُّ: «... وممَّا قُدِّم بالفضل قولُه: ﴿وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ [آل عمران: ٤٣]، لأنَّ السجود أفضل، «وَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ».
فإنْ قيل: فالركوعُ قبله بالطبع والزمان والعادة؛ لأنه انتقالٌ من علوٍّ إلى انخفاضٍ، والعلوُّ بالطبع قبل الانخفاض، فهلَّا قُدِّم الركوعُ؟
الجوابُ أن يقال:
انتبِهْ لمعنى الآية من قوله: ﴿وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾، ولم يقلْ: «اسجدي مع الساجدين»،
فإنما عبَّر بالسجود عن الصلاة وأراد صلاتَها في بيتها؛ لأنَّ «صلاة المرأة في بيتها أفضلُ من صلاتِها مع قومها»،
ثمَّ قال لها: «اركعي مع الراكعين»، أي: «صلِّي مع المصلِّين في بيت المقدس»،
ولم يُرِدْ أيضًا الركوعَ وحْدَه دون أجزاء الصلاة، ولكنَّه عبَّر بالركوع عن الصلاة كما تقول: «ركعتُ ركعتين وأربعَ ركعاتٍ»، يريد الصلاةَ لا الركوعَ بمجرَّده،
فصارت الآيةُ متضمِّنةً لصلاتين:
صلاتِها وحْدَها: عبَّر عنها بالسجود؛ لأنَّ السجودَ أفضلُ حالات العبد، وكذلك صلاة المرأة في بيتها أفضلُ لها،
ثمَّ صلاتُها في المسجد: عبَّر عنها بالركوع؛ لأنه في الفضل دون السجود، وكذلك صلاتُها مع المصلِّين دون صلاتها وحْدَها في بيتها ومحرابها»، وهذا نظمٌ بديعٌ وفقهٌ دقيقٌ ...