منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 24 Oct 2014, 07:15 PM
عبد الصمد سليمان عبد الصمد سليمان غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2013
المشاركات: 139
افتراضي الشجرة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق الخلق ونوعه، وأبدع صنع كل شيء فأتقنه، ومن هذه المخلوقات التي خلقها وأبدع صنعها وأتقنها، مخلوق عجيب، وموجود غريب، لا يستغني عنه الإنسان أينما حل وكان؛ ألا وهو الشجر الذي أودع الله فيه من المنافع ما لا يعد ولا يحصى، ولا يمكن أن يستقصى، ولقد نوه الإسلام بالكثير من منافعه، وأشار إلى العديد من فضائله، فمن فضائل الشجرة التي نوه الإسلام بها، ومنافعها التي جاء في الكتاب والسنة ذكرها الآتي:
1- فمن فضائلها: أنها من مخلوقات الله سبحانه التي تسبح بحمده:
- قال الله تعالى:" تُسَبِّحُ لَهُ السَّماوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)" سورة الإسراء.
2- ومن فضائلها: أنها من مخلوقات الله التي تسجد له سبحانه:
- قال الله تعالى:" أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) " سورة الحج.
- قال الله تعالى:" وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)" سورة الرحمن.
- عن أبي سعيد الخدري قال: رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي تَحْتَ شَجَرَةٍ، وَكَأَنَّ الشَّجَرَةَ تَقْرَأُ "ص"، فَلَمَّا أَتَتْ عَلَى السَّجْدَةِ سَجَدَتْ، فَقَالَتْ فِي سُجُودِهَا:" اللهمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا أَجْرًا، وحُطَّ عَنِّي بِهَا وِزْرًا، وَأَحْدِثْ لِي بِهَا شُكْرًا، وَتَقَبَّلَهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَ مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ سَجْدَتَهُ فَغَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: سَجَدْتَ أَنْتَ يَا أَبَا سَعُيدٍ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ: أَنتَ كُنتَ أَحَقَّ بِالسُّجُودِ مِنَ الشَّجَرَةِ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم سورة "ص"، ثُمَّ أَتَى عَلَى السَّجْدَةِ، وَقَالَ فِي سُجُودِهِ مَا قَالَتِ الشَّجَرَةُ فِي سُجُودِهَا" رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى، وَالطَّبَرَانِيُّ رحمهما الله وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 2710.
3- ومن فضائلها: أن سميت سورة من سور القرآن باسم نوع من أنواعها:
وهي السورة الخامسة والتسعون من القرآن الكريم: سورة التين.
4- ومن أعظم فضائلها: أن الله أقسم في القرآن بنوعين من أنواعها:
- قال الله تعالى:" وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1)" سورة التين.
ومما هو معلوم أن لله سبحانه أن يقسم بما شاء من خلقه، وليس لأحد من خلقه أن يقسم إلا به، وأن قسم الله بمخلوق من مخلوقاته إنما يكون للإرشاد إلى بديع صنع الله فيه، وعجائب قدرته في خلقه له؛ ليستدل العبد بعظمة ذلك المخلوق على عظمة من خلقه وأبدعه.
5- ومن فضائلها: أنَّ كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" أعظم كلمة ينطق بها لسان مُثلت بنوع من أنواعها:
- قال الله تعالى:" أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)" سورة إبراهيم.
قال كثير من المفسرين هي: النخلة.
6- ومن فضائلها: أنها بأنواعها من أعظم البراهين على وحدانية الله سبحانه واستحقاقه للعبادة وحده:
- قال الله تعالى:" هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) " سورة النحل.
- قال الإمام الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان: بين جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن إنباته بالماء ما يأكله الناس من الحبوب والثمار، وما تأكله المواشي من المرعى، من أعظم نعمه على بني آدم، ومن أوضح آياته الدالة على أنه المستحق لأن يعبد وحده" اهـ.
- قال الله تعالى:" أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)" سورة النمل.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: وإنما يستحق أن يُفرَدَ بالعبادة مَن هو المتفرد بالخلق والرزق؛ ولهذا قال: { أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ } أي: أإله مع الله يعبد.
7- ومن فضائلها: استخراج آلات العلم وهي الأقلام والألواح والأوراق منها:
- قال الله تعالى:" وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (27)" سورة لقمان.
- قال الله تعالى:" وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145)" سورة الأعراف.
كما أن مصانع لب الورق تحول الكتل منها إلى عجينة خشبية تعتبر المادة الخام الرئيسية لتصنيع الورق.
وإلى اليوم لازالت تستعمل هذه الآلات من الأقلام والألواح المأخوذة من الشجر في كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم، وفي بعض نواحي التعليم النظامي كالصبورات وغيرها، أما بالنسبة للورق فالأمر لا يحتاج إلى بيان فهو من أهم ما تقوم عليه العلوم اليوم.
8- ومن فضائلها: تشبيه النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمن الطيب في ذاته الطائع لربه المحسن لغيره بنوع من أنواعها:
- عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَلَا يَتَحَاتُّ فَقَالَ الْقَوْمُ هِيَ شَجَرَةُ كَذَا هِيَ شَجَرَةُ كَذَا فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ وَأَنَا غُلَامٌ شَابٌّ فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ" رواه البخاري ومسلم رحمهما الله.
9- ومن فضائلها: أن الجنة مليئة بكثير من أنواعها:
- قال الله تعالى:" وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27) فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (30) وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ (31) وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33)" سورة الواقعة.
والمخضود: الذي قد خضد شوكه أي نزع وقطع فلا شوك فيه. والطلح: هو شجر الموز. ذكر هذا الإمام ابن القيم في حادي الأرواح.
- قال الله تعالى:" وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (47) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (48)" سورة الرحمن. والأفنان جمع فنن وهو الغصن. ذكره الإمام ابن القيم في حادي الأرواح.
- قال الله تعالى:" فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (68) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (69)" سورة الرحمن.
إلا أن أشجار الجنة ليست كأشجار الدنيا لا في حقيقتها ولا في الثمار الخارجة منها:
- عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طُوبَى لِمَنْ رَآكَ وَآمَنَ بِكَ قَالَ:" طُوبَى لِمَنْ رَآنِي وَآمَنَ بِي ثُمَّ طُوبَى ثُمَّ طُوبَى ثُمَّ طُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِي وَلَمْ يَرَنِي". قَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَمَا طُوبَى؟. قَالَ:" شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِائَةِ عَامٍ ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا" رواه أحمد وغيره وذكره العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 1985.
- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"مَا فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلا سَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ" رواه الترمذي وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع رقم 5647 و 10584.
10- ومن فضائلها: أن الله نادى موسى عند واحدة منها فارتفع قدرها بذكر الله لها:
- قال الله تعالى:" فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)" سورة القصص.
11- ومن فضائلها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بايعه أصحابه تحت واحدة منها فارتفع قدرها بذكر الله لها وإضافة أفضل خلق الله بعد الأنبياء وهم الصحابة إليها:
- قال الله تعالى:" لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا (18)" سورة الفتح.
- عن أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ « لاَ يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ. الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا ». قَالَتْ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَانْتَهَرَهَا فَقَالَتْ حَفْصَةُ :"وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا" فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم-:" قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" ثُمَّ نُنَجِّى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا"" رواه مسلم.
12- ومن فضائلها: بعض الآيات البينات التي وقعت للنبي صلى الله عليه وسلم مع بعضها:
- شجرة تستجيب لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ذهابا وإيابا:
عن أنس قال جاء جبريل عليه السلام ذات يوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس حزين قد خضب بالدماء قد ضربه بعض أهل مكة فقال ما لك قال فعل بي هؤلاء وفعلوا قال أتحب أن أريك آية قال نعم أرني فنظر إلى شجرة من وراء الوادي قال ادع تلك الشجرة فدعاها فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه قال قل لها فلترجع فقال لها فرجعت حتى عادت إلى مكانها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبي" رواه ابن ماجه وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجه.
- جذع يحب الذكر ويحن إليه ويبكي على فراقه:
فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَوْ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا قَالَ إِنْ شِئْتُمْ فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَصَاحَتْ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ قَالَ كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ الذِّكْرِ عِنْدَهَا" رواه البخاري رحمه الله.
- تسليم الشجر على النبي صلى الله عليه وسلم:
- فعن علي بن أبي طالب قال: كُنْتُ مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم بِمَكَةَ فَخَرَجْنَا فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا فَمَا اسْتَقْبَلَهُ جَبَلٌ وَلَا شَجَرٌ إِلَّا وَهُوَ يَقُولُ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله" رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب وصححه لغيره العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب.
- شجرة تشق الأرض إلى النبي صلى الله عليه وسلم لتسلم عليه:
- عن يعلى بن مرة الثقفي قال ثلاثة أشياء رأيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا نحن نسير معه إذ مررنا ببعير يسنى عليه فلما رآه البعير جرجر فوضع جرانه فوقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال أين صاحب هذا البعير فجاءه فقال بعنيه فقال بل نهبه لك يا رسول الله وإنه لأهل بيت ما لهم معيشة غيره قال أما إذ ذكرت هذا من أمره فإنه شكا كثرة العمل وقلة العلف فأحسنوا إليه قال ثم سرنا فنزلنا منزلا فنام النبي صلى الله عليه وسلم فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ثم رجعت إلى مكانها فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له فقال هي شجرة استأذنت ربها عز وجل أن تسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لها قال ثم سرنا فمررنا بماء فأتته امرأة بابن لها به جنة فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنخره فقال اخرج إني محمد رسول الله قال ثم سرنا فلما رجعنا من سفرنا مررنا بذلك الماء فسألها عن الصبي فقالت والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك" وصححه لشواهده العلامة الألباني في مشكاة المصابيح.
- شجرة تُعلم النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الجن:
- عَنْ مَعْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ سَأَلْتُ مَسْرُوقًا مَنْ آذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِنِّ لَيْلَةَ اسْتَمَعُوا الْقُرْآنَ فَقَالَ حَدَّثَنِي أَبُوكَ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ أَنَّهُ آذَنَتْ بِهِمْ شَجَرَةٌ" رواه البخاري ومسلم رحمهما الله .
قَوْله : ( مَنْ آذَنَ ) بِالْمَدِّ أَيْ أَعْلَم .
13- ومن فضائلها: كثرة المنافع التي أودعها الله فيها:
- فمن منافعها: تنوع الثمار التي تخرج من أكمامها:
قال الله تعالى:" هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) " سورة النحل.
قال الله تعالى:" فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32)" سورة عبس.
- ومن منافعها: الزيت المبارك الذي يخرج من بعضها:
قال الله تعالى:" اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)" سورة النور.
قال الله تعالى:" وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (20)" سورة المؤمنون.
عن أبي أسيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال:" كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ" رواه أحمد وغيره وحسنه لغيره العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 379.
- ومن منافعها: الظل الظليل الذي توفره بأغصانها وأوراقها:
قال الله تعالى:" وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ (81)" سورة النحل.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قال قتادة: يعني: الشجر.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْتَ فِرَاشًا أَوْثَرَ مِنْ هَذَا. فَقَالَ:" مَا لِي وَلِلدُّنْيَا مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا" رواه أحمد وغيره وذكره الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 439.
عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدُّؤَلِيِّ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَدْرَكَتْهُمْ الْقَائِلَةُ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ[1] فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الْعِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ فَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ ثُمَّ نَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي فَقَالَ مَنْ يَمْنَعُكَ قُلْتُ اللَّهُ فَشَامَ السَّيْفَ فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ" رواه البخاري ومسلم رحمهما الله.
- ومن منافعها: النار التي توقد من أغصانها وجذورها وجذعها:
قال الله تعالى:" الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)" سورة يس.
قال الله تعالى:" أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)" سورة الواقعة.
- ومن منافعها: أكل الدواب المستأنسة والوحشية منها بل وتغذي كثير من الحشرات عليها وسكناها فيها:
قال الله تعالى:" هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10)" سورة النحل.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: أي: وأخرج لكم به شجرًا ترعون فيه أنعامكم.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ لَوْ نَزَلْتَ وَادِيًا وَفِيهِ شَجَرَةٌ قَدْ أُكِلَ مِنْهَا وَوَجَدْتَ شَجَرًا لَمْ يُؤْكَلْ مِنْهَا فِي أَيِّهَا كُنْتَ تُرْتِعُ بَعِيرَكَ قَالَ فِي الَّذِي لَمْ يُرْتَعْ مِنْهَا تَعْنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَهَا" رواه البخاري رحمه الله.
- ومن منافعها: منظرها الذي يشرح الصدورَ جمالُه ويفرح النفوسَ بهاؤُه:
- قال الله تعالى:" أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (60)" سورة النمل.
قال الإمام البغوي رحمه الله:"وَأَنزلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً" يعني المطر، "فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ" بساتين ... "ذَاتَ بَهْجَةٍ" أي: منظر حسن، والبهجة: الحُسن يبتهج به من يراه.
- ومن منافع بعضها: أنها زيادة على الطعام الذي يؤخذ منها والظل الذي توفره أوراقها فهي أمان من بعض المؤذيات التي لا تقربها وغير ذلك من منافعها:
قال الله تعالى:" وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146)" سورة الصافات.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قال ابن مسعود، وابن عباس... وغير واحد قالوا كلهم: اليقطين هو القرع.... وذكر بعضهم في القرع فوائد، منها: سرعة نباته، وتظليلُ ورقه لكبره، ونعومته، وأنه لا يقربها الذباب، وجودة أغذية ثمره، وأنه يؤكل نيئا ومطبوخا بلبه وقشره أيضا. وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُحِبّ الدُّبَّاء[2]، ويتتبعه من حَوَاشي الصَّحْفة.
- ومن منافعها: اتخاذ النحل لها بيوتا تأوي إليها لينتفع الناس بعسلها الذي يخرج من بطونها:
قال الله تعالى:" وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (68) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (69)" سورة النحل.
- ومن منافعها: السواك المطهر للفم والذي يجتنى من بعضها:
عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْتَنِي سِوَاكًا مِنْ الْأَرَاكِ وَكَانَ دَقِيق السَّاقَيْنِ فَجَعَلَتْ الرِّيحُ تَكْفَؤُهُ فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّ تَضْحَكُونَ قَالُوا يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ دِقَّةِ سَاقَيْهِ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أُحُدٍ" رواه أحمد وغيره وذكره العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 2750.
وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:"السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ" رواه النسائي وغيره وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب رقم 209.
- ومن منافعها: الصلاة تحتها واتخاذها سترة يصلى المسلم إليها:
عن علي رضي الله عنه قال:"ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح" رواه ابن خزيمة وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب.
وفي لفظ للإمام أحمد: عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا لَيْلَةَ بَدْرٍ وَمَا مِنَّا إِنْسَانٌ إِلَّا نَائِمٌ إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي إِلَى شَجَرَةٍ وَيَدْعُو حَتَّى أَصْبَحَ وَمَا كَانَ مِنَّا فَارِسٌ يَوْمَ بَدْرٍ غَيْرَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ" وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
- ومن منافعها: أن يلوذ الخائف من المؤذي بها:
- عن الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْكِنْدِيِّ حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَقِيتُ كَافِرًا فَاقْتَتَلْنَا فَضَرَبَ يَدِي بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ وَقَالَ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ آقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْتُلْهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُ طَرَحَ إِحْدَى يَدَيَّ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَهَا آقْتُلُهُ قَالَ لَا تَقْتُلْهُ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ" رواه البخاري و مسلم رحمهما الله.
- ومن منافعها: ضرب الأمثلة بها:
عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ كُنْتُ مَعَ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَأَخَذَ مِنْهَا غُصْنًا يَابِسًا فَهَزَّهُ حَتَّى تَحَاتَّ وَرَقُهُ ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا عُثْمَانَ أَلَا تَسْأَلُنِي لِمَ أَفْعَلُ هَذَا قُلْتُ وَلِمَ تَفْعَلُهُ فَقَالَ هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَعَهُ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَأَخَذَ مِنْهَا غُصْنًا يَابِسًا فَهَزَّهُ حَتَّى تَحَاتَّ وَرَقُهُ فَقَالَ يَا سَلْمَانُ أَلَا تَسْأَلُنِي لِمَ أَفْعَلُ هَذَا فَقُلْتُ وَلِمَ تَفْعَلُهُ قَالَ إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ تَحَاتَّتْ خَطَايَاهُ كَمَا يَتَحَاتُّ هَذَا الْوَرَقُ وَقَالَ:" وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ"" رواه أحمد وغيره وحسنه لغيره العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب.
وقد تقدم ضرب الله سبحانه المثال بالشجرة الطيبة للكلمة الطيبة، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثال بها للمؤمن الطائع لربه.
ومن المعلوم أن الأمثلة إنما يقصد من ورائها تقريب المعنى البعيد بالشيء المعلوم القريب.
- ومن منافعها: أن فيها مواد طبية تكون في أوراقها أو بعض أجزائها:
عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً فَعَلَيْكُمْ بِأَلْبَانِ الْبَقَرِ فَإِنَّهَا تَرُمُّ مِنْ كُلِّ الشَّجَرِ" رواه الإمام أحمد وذكره العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 518.
- ومن منافعها: أنها تعين أهل الإيمان على قتال اليهود في آخر الزمان:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ:" لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ. إِلاَّ الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ " رواه مسلم رحمه الله.
- وهناك العديد من منافعها الأخرى التي يعرفها القاصي والداني وينتفع بها في حياته اليومية؛ فتُصنع منها الأبواب والخزانات، والكراسي والطاولات، وسائر ما يستعمله الإنسان من الأثاث، ومن منافعها التي تستخرج منها الفحم النباتي، والفلين، والعقاقير، والصموغ، والمطاط، وحمض التنيك، وغير ذلك من منافعها الغذائية والطبية والبيئية.
- ولأجل هذا كله جاء الإسلام ينوه بفضلها وعظيم منة الله على عباده بخلقها وإيجادها، كما جاء يدعو الناس إلى غرسها في الدنيا لنيل منافعها وفي الآخرة للتنعم بها:
أ - جملة من الأحاديث التي تأمر وترغب في غرس الأشجار في الدنيا:
- عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَى أُمِّ مُبَشِّرٍ الأَنْصَارِيَّةِ فِي نَخْلٍ لَهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم-:" مَنْ غَرَسَ هَذَا النَّخْلَ أَمُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ؟". فَقَالَتْ بَلْ مُسْلِمٌ. فَقَالَ:" لاَ يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا وَلاَ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلاَ دَابَّةٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ" رواه مسلم رحمه الله في صحيحه ورواه البخاري بلفظ آخر عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"سَبْعٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ وَهُوَ فِي قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ أَجْرَى نَهْرًا، أَوْ حَفَرَ بِئْرًا، أَوْ غَرَسَ نَخْلًا، أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ" رواه البزار وأبو نعيم في الحلية وحسنه لغيره العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب.
- عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-:" مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلاَّ كَانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ وَمَا أَكَلَتِ الطَّيْرُ فَهُوَ لَهُ صَدَقَةً وَلاَ يَرْزَؤُهُ أَحَدٌ إِلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ" رواه مسلم رحمه الله في صحيحه.
- عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْها" رواه أحمد وغيره وصحح العلامة الألباني رحمه الله إسناده على شرط مسلم في الصحيحة رقم 9.
ثم قال الألباني رحمه الله بعد تخريجه للحديث: ( الفسيلة ) هي النخلة الصغيرة وهي ( الودية ). ولا أدل على الحض على الاستثمار من هذه الأحاديث الكريمة، لاسيما الحديث الأخير منها فإن فيه ترغيبا عظيما على اغتنام آخر فرصة من الحياة في سبيل زرع ما ينتفع به الناس بعد موته فيجري له أجره وتكتب له صدقته إلى يوم القيامة. وقد ترجم الإمام البخاري لهذا الحديث بقوله " باب اصطناع المال " ثم روى عن الحارث بن لقيط قال: كان الرجل منا تنتج فرسه فينحرها فيقول: أنا أعيش حتى أركب هذه؟ فجاءنا كتاب عمر: أن أصلحوا ما رزقكم الله، فإن في الأمر تنفسا"وسنده صحيح.
وروى أيضا بسند صحيح عن داود قال: قال لي عبد الله بن سلام:" إن سمعت بالدجال قد خرج وأنت على ودية تغرسها، فلا تعجل أن تصلحه، فإن للناس بعد ذلك عيشا" وداود هذا هو ابن أبي داود الأنصاري قال الحافظ فيه:"مقبول".
وروى ابن جرير عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي: ما يمنعك أن تغرس أرضك؟ فقال له أبي: أنا شيخ كبير أموت غدا، فقال له عمر: أعزم عليك لتغرسنها. فلقد رأيت عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي" كذا في "الجامع الكبير" للسيوطي ( 3 / 337 / 2 ).
ولذلك اعتبر بعض الصحابة الرجل يعمل في إصلاح أرضه عاملا من عمال الله عز وجل فروى البخاري في"الأدب المفرد" ( رقم 448 ) عن نافع بن عاصم أنه سمع عبد الله بن عمرو قال لابن أخ له خرج من ( الوهط ): أيعمل عمالك؟ قال: لا
أدري، قال: أما لو كنت ثقفيا لعلمت ما يعمل عمالك، ثم التفت إلينا فقال:" إن الرجل إذا عمل مع عماله في داره ( وقال الراوي مرة: في ماله ) كان عاملا من عمال الله عز وجل" وسنده حسن إن شاء الله تعالى.
و( الوهط ) في اللغة هو البستان وهي أرض عظيمة كانت لعمرو بن العاص بالطائف على ثلاثة أميال من ( وج ) يبدو أنه خلفها لأولاده، وقد روى ابن عساكر في "تاريخه" ( 13 / 264 / 2 ) بسند صحيح عن عمرو بن دينار قال: دخل عمرو بن العاص في حائط له بالطائف يقال له: ( الوهط ) ( فيه ) ألف ألف خشبة[3]، اشترى كل خشبة بدرهم! يعني يقيم بها الأعناب.
هذه بعض ما أثمرته تلك الأحاديث في جملتها من السلف الصالح رضي الله عنهم" انتهى كلامه رحمه الله.
ب - بعض الأحاديث التي ترغب في غرس الأشجار في الآخرة وتبين طريقة ذلك:
- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به وهو يغرس غرسا فقال:" يا أبا هريرة ما الذي تغرس" قلت: غراسا لي. قال:" ألا أدلك على غراس خير لك من هذا؟" قال: بلى يا رسول الله. قال:" قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر يغرس لك بكل واحدة شجرة في الجنة" رواه ابن ماجه وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح ابن ماجه.
- عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أكثروا من غراس الجنة فإنه عذب ماؤها طيب ترابها فأكثروا من غراسها" قالوا: يا رسول الله وما غراسها؟ قال:" ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله" رواه ابن أبي الدنيا والطبراني وحسنه لغيره العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الترغيب والترهيب.
- عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم:" لَقِيتُ إبْرَاهِيمَ صلى اللّه عليه وسلم لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي، فقالَ: يَا مُحَمَّدُ! أَقْرئ أُمَّتَكَ السَّلامَ، وأخْبِرْهُمْ أَنَّ الجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ المَاءِ، وأنها قِيعانٌ، وأنَّ غِرَاسَها: سُبْحَانَ اللَّه، والحَمْدُ لِلَّهِ، ولا إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ " رواه الترمذي وقال: حديث حسن وحسنه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح سنن الترمذي.
- الخلاصة: فاحرصوا رحمكم الله على غرس الأشجار في الغابات وقوارع الطرقات، وعند بيوتكم ومحال إقامتكم؛ فإن فضائل ذلك لا تعد ولا تحصى، وقد تقدم الإشارة إليها، ليتشجع المسلم على الاستكثار منها، فبغرسك الشجر تكثر من وجود مخلوق يسبح الله، ويسجد له سبحانه، ويكون برهانا عليه وعلى وجوب صرف العبادة إليه وحده، ويكون عونا على استيعاب الناس المسائل إذا ضرب المثال به لقربهم منه ومعرفتهم بأحواله، وتعين بغرسك له على توفير آلات العلم لطلابه، كما أنك تعين الناس على التصور النسبي لما أعده الله في جنته للصالحين من عباده، وتنفع بغرسك للشجر الناس وكثيرا من المخلوقات بالمنافع المتعددات والتي سبق ذكرها وبيانها؛ مِنَ الثمار على اختلاف أصنافها، والزيت المبارك الذي يخرج من بعضها حتى ولو كنت ستبيعه لأنك تكون سببا في انتفاع الناس به ولو مع بيعه، والظلال التي لا يستغني الناس عنها، والنار التي توقد منها، والجمال الذي تنشرح له النفوس عند رؤيتها، والسواك الذي يُجتنى من بعضها لتطهر به الأفواه من الفضلات العالقة بها، والصلاة التي تؤدى تحتها، والراحة التي يجدها الناس بين جنباتها، والحصن الذي يستفيده اللائذ بها، ضف إلى هذا كله الأجر العظيم عند الله لمن اجتهد في غرسها، وغير ذلك مما تقدم الكلام عليه وذكر النصوص التي تشير إليه.
فهذه الأمور بأكملها تدعوا العاقل فضلا عن المسلم أن يحرص على الشجرة غرسا لها، ومحافظة عليها.
ولكن مع هذا فيجوز للمسلم أن يقطعها، بل وأن يجتثها من أصلها؛ في حالات ينبغي التذكير بها، والتنبيه عليها، وهي:
- الأولى: إذا افتتن الناس بها بأن صاروا عابدين لها:
- قال الله تعالى:" أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى (20)" سورة النجم.
قال الإمام البغوي في معالم التنزيل: وأما "العزى": قال مجاهد: هي شجرة بغطفان كانوا يعبدونها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقطعها فجعل خالد بن الوليد يضربها بالفأس ويقول:
يا عزّ كفرانَك لا سبحانَك إني رأيت اللهَ قد أهانَك
فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها داعية ويلها واضعة يدها على رأسها.
ويقال: إن خالدًا رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: قد قلعتها، فقال: ما رأيت؟ قال: ما رأيت شيئًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما قلعت، فعاودها فعاد إليها ومعه المعول فقلعها واجتث أصلها فخرجت منها امرأة عريانة، فقتلها ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك، فقال: "تلك العزى ولن تعبد أبدا".
- الثانية: إذا خشي الافتتان بها:
- عن نافع أن الناس كانوا يأتون الشجرة فقطعها عمر رواه ابن وضاح وروى عن شيخه عيسى بن يونس مفتي أهل طرطوس قطعها لأن الناس كانوا يذهبون فيصلون تحتها فخاف عليهم الفتنة" وصحح الأثر العلامة الألباني رحمه الله في تخريج أحاديث فضل الشام ودمشق.
- وذكره أيضا رحمه الله في كتابه تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد قال ص 93: عن نافع قال:" بلغ عمر بن الخطاب أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها، فأمر بها فقطعت"
ثم قال في الحاشية مخرجا: قلت: رواه ابن أبي شيبة ورجاله ثقات كلهم لكنه منقطع بين نافع وعمر فلعل الواسطة بينهما عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
ثم استدركت فقلت: يبعد ذلك كله ما أخرجه البخاري في "صحيحه – الجهاد" من طريق أخرى عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:"رَجَعْنَا مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَمَا اجْتَمَعَ مِنَّا اثْنَانِ عَلَى الشَّجَرَةِ الَّتِي بَايَعْنَا تَحْتَهَا كَانَتْ رَحْمَةً مِنْ اللَّهِ".
قلت: يعني خفاءها عليهم. فهو نص على أن الشجرة لم تبق معروفة المكان حتى يمكن قطعها من عمر، فدل ذلك على ضعف رواية القطع الدال عليه الانقطاع الظاهر فيها نفسها.
ومما يزيدها ضعفا ما روى البخاري في "المغازي" من "صحيحه" عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ الشَّجَرَةَ ثُمَّ أَتَيْتُهَا بَعْدُ فَلَمْ أَعْرِفْهَا".
ومن طريق طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ انْطَلَقْتُ حَاجًّا فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ يُصَلُّونَ قُلْتُ مَا هَذَا الْمَسْجِدُ قَالُوا هَذِهِ الشَّجَرَةُ حَيْثُ بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ سَعِيدٌ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ كَانَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ قَالَ فَلَمَّا خَرَجْنَا مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ نَسِينَاهَا فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَيْهَا فَقَالَ سَعِيدٌ إِنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَعْلَمُوهَا وَعَلِمْتُمُوهَا أَنْتُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ".
أقول: ولئن كنا خسرنا هذه الرواية المنقطعة كشاهد فيما نحن فيه من البحث بعد التأكد من ضعفها، فقد كسبنا ما هو أقوى منها، مما يصلح دليلا لما نحن فيه، وهو حديث المسيب هذا، وحديث ابن عمر، فقد قال الحافظ في شرحه إيَّاه:" والحكمة في ذلك أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير، فلو بقيت لما أمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر، كما نراه الآن مشاهدا فيما هو دونها، وإلى ذلك أشار بن عمر بقوله:" كانت رحمة من الله"، أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة من الله تعالى".
قلت: ومن تلك الأشجار التي أشار إليها الحافظ شجرة كنت رأيتها أكثر من عشر سنين شرقي مقبرة شهداء أحد، خارج سورها، وعليها خرق كثيرة، ثم رأيتها في موسم السنة الماضية (1371) قد استأصلت من أصلها. والحمد لله، وحمى المسلمين من شر غيرها من الشجر وغيره من الطواغيت التي تعبد من دون الله تعالى.
- الثالثة: إذا كانت تؤذي من يمر بها:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ:" لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ كَانَتْ تُؤْذِى النَّاسَ" رواه مسلم رحمه الله في صحيحه.
- الرابعة: عند قتال أعداء الله الكافرين إهانة لهم، وإرهابًا وإرعابًا لقلوبهم:
- عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ"" رواه البخاري ومسلم رحمهما الله.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لقول الله تعالى:"مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ (5)" من سورة الحشر.
قال: ابن جرير: هو جميع النخل. ونقله عن مجاهد: وهو البُوَيرة أيضًا؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حاصرهم أمر بقطع نخيلهم إهانة لهم، وإرهابًا وإرعابًا لقلوبهم.
الخامسة: عند الحاجة إليها وقصد الانتفاع بها:
فمن احتاج إلى شيء من منافعها كحطبها أو جذورها أو غير ذلك مما أودعه الله فيها فقطعها فلا حرج عليه، ولا يؤاخذ على فعله؛ ذلك أن الله أباح لنا كل ما في الأرض سبحانه:
قال الله تعالى:" هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29) " سورة البقرة.
تنبيه مهم:
هذا واعلموا رحمكم الله أن الإسلام الذي رغب المسلمين بالعناية بالأشجار لم يجعل لهم يوما محددا للعناية بها، ولا وقتا معينا لغرسها والقيام عليها، ولذلك لا ينبغي للمسلمين أن يحصروا العناية بالشجرة في يوم واحد من السنة، كما يفعله الكفار الذين أحدثوا يوما وهو 25 من أكتوبر سموه بيوم الشجرة؛ يحتفلون بها فيه، ويتذكرونها عند حلوله، وهذا يجب أن يتنزه المسلمون عنه لأمرين اثنين:
الأمر الأول: أن فيه تشبها بالكفار من المشركين والكتابيين والنبي صلى الله عليه وسلم نهى المسلمين عن التشبه بهم وأمر بمخالفتهم.
فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ" رواه أحمد وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع الصغير رقم 2831.
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ وَفِّرُوا اللِّحَى وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ" وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوْ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ. رواه البخاري ومسلم.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" أَعْفُوا اللِّحَى وَخُذُوا الشَّوَارِبَ وَغَيِّرُوا شَيْبَكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى" رواه الإمام أحمد وصححه العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع الصغير رقم 1067.
الأمر الثاني: أن فيه ابتداعا في الدين؛ بإحداث عيد للمسلمين، لم يشرعه رب العالمين، ولا نبيه الأمين عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، ومن المعلوم أن الله أغنانا بالإسلام فلا نحتاج معه - بعقائده وعباداته وأخلاقه ومعاملاته وتشريعاته - إلى غيره؛ ومن ذلك مسألة الأعياد التي لم يغفلها النبي عليه الصلاة والسلام حيث شرع لأمته عيدين عظيمين هما عيد الفطر وعيد الأضحى زيادة على العيد الأسبوعي وهو يوم الجمعة:
فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ:" إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ" رواه الإمام أحمد وغيره وصحح إسناده العلامة الألباني رحمه الله في الصحيحة رقم 2021.
وإذ الأمر كذلك فلا حاجة لنا إلى أعياد نحدثها، أو نقلد فيها من أحدثها؛ فنقع فيما نُهينا عنه في شريعتنا:
فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم-:" مَنْ أَحْدَثَ فِى أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ" رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم عن عَائِشَةَ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ:" مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ".
فكل عيد لم يشرعه لنا ربنا سبحانه فهو مردود بنص هذا الحديث على محدثه والعامل به ومن ذلك عيد الشجرة الذي نتكلم عليه.
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه وسار على طريقه إلى يوم الدين.
وكتب:
أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان
مغنية:
يوم الجمعة: 30 ذو الحجة 1435 ه/ 24- 10- 2014م

[1]- العضاه: الشجر الذي له شوك.
[2]- الدباء: هو القرع واليقطين.
[3]- يعني مليون خشبة.


التعديل الأخير تم بواسطة عبد الصمد سليمان ; 26 Oct 2014 الساعة 10:56 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 24 Oct 2014, 08:09 PM
أبو إكرام وليد فتحون أبو إكرام وليد فتحون غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: الجزائر
المشاركات: 1,798
افتراضي

ما شاء الله
شكر الله لكم
موضوع متعوب عليه و مجهود كبير
بارك الله فيكم و جزاكم خيرا وأحسن اليكم
ووفقكم الى ما يحب ويرضى
ونفع بكم وبعلمكم
و حفظكم بما يحفظ به عباده الصالحين
و أسعدكم في الدنيا والآخرة

التعديل الأخير تم بواسطة أبو إكرام وليد فتحون ; 24 Oct 2014 الساعة 08:17 PM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25 Oct 2014, 01:23 PM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

الشَّجرة، ما أحسنه من مقال!
الفكرة فيه نادرة، ومادتة زاخرة، والعبارة مبسوطة ناشرة.
شكر الله حسن صنيعك.
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25 Oct 2014, 02:40 PM
أبو عبد الله مصطفى براهمية أبو عبد الله مصطفى براهمية غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2014
المشاركات: 13
افتراضي

السلام عليكم

بارك الله فيك على هذا الطرح المميز ،

أسأل أن يرزقنا وإياك شجرة الإيمان .
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 25 Oct 2014, 02:46 PM
محمد طيب لصوان محمد طيب لصوان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2011
الدولة: الجزائر العاصمة
المشاركات: 219
افتراضي

جزاك الله خيرا على ما جاد به قلمك ، أحسنت جمعا و ترتيبا و صياغة وفقك الله لمزيد من العلم والخير
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 Oct 2014, 05:46 AM
وسيم قاسيمي وسيم قاسيمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: الجزائر
المشاركات: 209
إرسال رسالة عبر Skype إلى وسيم قاسيمي
افتراضي

بارك الله فيك أخي على ما أفدتنا به،
فما أعجبني في الموضوع أن كل ما ذكر مستدل به من الكتاب أو من السنة أو من كليهما.
وفقك الله لما فيه النفع للمسلمين
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26 Oct 2014, 02:32 PM
يوسف صفصاف يوسف صفصاف غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2012
الدولة: اسطاوالي الجزائر العاصمة
المشاركات: 1,199
إرسال رسالة عبر MSN إلى يوسف صفصاف إرسال رسالة عبر Skype إلى يوسف صفصاف
افتراضي

بارك الله فيك و زادك الله علما و عملا.
مقال طيب مفيد ماتع جزاك الله خيرا.
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 27 Oct 2014, 03:38 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

جزاك الله خيرا أخي عبد الصمد على مقالاتك النافعة، زادك الله توفيقا وسدادا.
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 27 Oct 2014, 05:38 PM
يوسف بن عومر يوسف بن عومر غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: الجزائر-ولاية سعيدة
المشاركات: 594
افتراضي

مقال طيب، جزاك الله خيرا أخي عبد الصمد
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 28 Oct 2014, 08:14 AM
حاتم خضراوي حاتم خضراوي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2007
الدولة: بومرداس
المشاركات: 1,115
إرسال رسالة عبر Skype إلى حاتم خضراوي
افتراضي

جزاك الله خيرا ووفقك لكل خير.
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مميز, الشجرة, تزكية, رقائق


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013