منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 01 Dec 2013, 02:29 PM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي إشكال قديمٌ في أصول (سنن التِّرمذي)

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الحمد لله حق حمده، وصلى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا.
أما بعد:


فقد أخرج التِّرمذي في سننه (97) حديث ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة بن شعبة ـ وهو ورَّادٌ، سُمِّيَ في بعض طرق الحديث عند ابن ماجة وغيره ـ عن المغيرة بن شعبة قال: «وضَّأت النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فمسح أعلى الخفَّين وأسفلهما».

وهذا الحديث نصَّ أئمَّة العلل: عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وأبو داود والدَّارقطني وغيرهم على أنَّ ثورًا لم يسمعه من رجاء، لأنَّ ابن المبارك روى عنه ـ أي عن ثورـ أنَّه قال: حدِّثت عن رجاء عن كاتب المغيرة عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ذكر ذلك الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي فيما حكاه الحافظ ابن حجر في التَّلخيص (1/430)، ورواه ابن حزم في المحلَّى بإسناده إلى ابن المبارك (2/114 ـ المنيريَّة).
فالحديث عندهم معلول بعلَّتين: الانقطاع بين ثور ورجاء، والإرسال.
ولمَّا أخرج التِّرمذي هذا الحديث في سننه علَّق عليه بقوله: «وهذا حديثٌ معلول، لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم، وسألت أبا زرعة ومحمَّدا عن هذا الحديث فقالا: «ليس بصحيح، لأنَّ ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء قال: حُدِّثت عن كاتب المغيرة، مرسلٌ عن النَّبي ، ولم يذكر فيه المغيرة».
وهذا النَّقل عنه أبي زرعة والبخاري مشكل، لأنَّ فيه أن محلَّ الانقطاع ليس بين ثور ورجاء، ولكن بين رجاء وكاتب المغيرة.
والظَّاهر أنَّه في الأصول القديمة للسُّنن، ولذلك اعتمد عليه بعض من جاء بعد التِّرمذي فذكر الانقطاع في هذا الموضع الثَّاني أي: بين رجاء وكاتب المغيرة، ومنهم الحافظ أبو علي الطُّوسي (المتوفى سنة 312) صاحب المستخرج على سنن الترمذي المسمَّى بـ"مختصر الأحكام" فإنَّه قال فيه (1/299): "أمَّا ما حدَّث به الوليد بن مسلم عن ثور بن يزيد عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن المغيرة ... فإنَّه يُقال: هذا حديث لا يصحُّ، لأنَّ ابن المبارك روى هذا عن ثور عن رجاء قال: حُدِّثت عن كاتب المغيرة، مرسلٌ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه المغيرة".
وقد بيَّن الحافظ ابن حجر في "النَّكت على ابن الصَّلاح" (1/421) أنَّ من عادة الطوسي أن ينقل عبارة التِّرمذي بعينها، لكنَّه لا ينسبها إليه، ولكن يقول: "يقال كذا" كما صنع هنا، وهذا يدلُّ على أنَّ كلمة التِّرمذي هذه على هذا الوجه قديمة في كتابه، لأنَّ الطُّوسي معاصر للتِّرمذي لكن لمَّا تأخرت رحلته عن رحلته فاته بعض عوالي شيوخه كقتيبة وغيره.
وقد مال الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لسنن التِّرمذي (1/164) إلى توهيم التِّرمذي في حكايته عن أبي زرعة والبخاري وقال: "وأنا أظنُّ أن الترمذي نسي فأخطأ فيما نقله عن البخاري وأبي زرعة".
ويظهر أنَّ الدكتور بشَّار عواد لم يعِ مقصود الشَّيخ أحمد شاكر فحكى كلامه في تحقيقه على السُّنن أيضًا (1/143) وعقَّب عليه بقوله: "إنَّ جهابذة أهل الحديث ـ أبو زرعة والبخاري وأحمد وأبو داود والمصنِّف ـ قد حكموا بانقطاعه وإرساله معا، ولا أدري كيف فهم الشيخ كلامهم على غير هذا، فحينما قال ابن المبارك: "حُدِّثث عن كاتب المغيرة مرسل عن النَّبي صلى الله عليه وسلم"، هو حكم واضح بانقطاعه وإرساله".
وهذا اعتراض من لم يفهم مراد الشَّيخ شاكر رحمه الله فإنَّه يُسلِّم أنَّهم حكموا بانقطاعه وإرساله معا لكن ينبِّه إلى الفرق بين الحكاية عن أبي زرعة والبخاري المثبَتةِ في السُّنن، وبين ما هو ثابت في رواية ابن المبارك وما نصَّ عليه أحمد وأبو داود وغيرهما من موضع الانقطاع، فحكاية التِّرمذي تقتضي أنَّ الانقطاع بين رجاء و كاتب المغيرة، أمَّا كلام غيرهما فعلى أنَّ الانقطاع بين ثور ورجاء، وهو الصَّواب.
نعم، كلام الشَّيخ شاكر في تقوية الحديث مدخول، وقد أحسن الدُّكتور في نقضه، لكنَّه لم يتنبَّه إلى موضع الإشكال في كلام التِّرمذي، والله أعلم
أما أنا فأستبعد أن يكون الخطأ من التِّرمذي، ويظهر لي أن الأقرب أن يكون الخطأ ممَّن بعد التِّرمذي ممَّن روى عنه السُّنن أو ممَّن نسخها، وأنَّ أصل كلام التِّرمذي: "عن ثور قال: حُدِّثت عن رجاء عن كاتب المغيرة، ثمَّ قالا: مرسلٌ عن النَّبي صلى الله عليه وسلم".
والَّذي يدلُّ على أنَّ هذا أقرب الاحتمالين ـ أعني أن يكون الخطأ ممَّن بعدَ التِّرمذي ـ، ويُبعد الوهم عنه أمران:
الأوَّل: كلام التِّرمذي نفسه في كتاب العلل الكبير (برقم: 97ـ ترتيب أبي طالب القاضي) فإنَّه قال: "سألت محمَّدًا عن هذا الحديث فقال: لا يصحُّ هذا, روي عن ابن المبارك عن ثور بن يزيد قال: حُدِّثت عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة عن النَّبي ﷺ مرسلًا، وضعَّف هذا، وسألت أبا زرعة فقال نحوًا ممَّا قال محمَّدُ بن إسماعيل".
وفي هذا النَّقل أنَّ التِّرمذي حكى عن البخاري وأبي زرعة ما هو موافقٌ لتعليل غيرهما من الأئمَّة وما هو مطابق لما رواه ابن المبارك عن ثور.
نعم، يمكن أن يكون التِّرمذي كتبه صوابًا في العلل، وتطرَّق إليه الخطأ حال وضع السُّنن، لكن إذا دار الأمر بين توهيمه على جلالته، وتوهيم من بعده لا سيَّما وقد جاء عنه على الصَّواب فتوهيم من بعده أقرب، اللَّهم إلا إذا اتَّفق رواة السنن كلُّهم أو بعضهم على حكايته عن التِّرمذي على الخطأ فيتعيَّن حينئذ أن يكون الوهم منه، وهذا ما لم أتحقَّقه لأنَّ الَّذي بين أيدينا من روايات الجامع هي رواية المحبوبي، وقد اطَّلعت منها على صورةِ نسخةٍ خطيَّة عتيقة، هي أصحُّ نسخة وصلت إلينا وأوثقها، و هي نسخة الكروخي المحفوظة بالمكتبة الوطنية بباريس، فرأيت ما فيها مطابقًا لما في المطبوع، والله أعلم.
ثم إنِّي رأيت الإمام الحافظ أبا الفتح ابن سيد النَّاس تنبِّه في شرحه على التِّرمذي (خ/ل220/ب) إلى الاختلاف بين ما في السُّنن وما في العلل فقال: "زعم أبو زرعة والبخاري أنَّ "حُدِّثت" سقطت بين رجاء بين حيوة وكاتب المغيرة، كما رواه الترمذي عنهما وهو سقوط غير الأول (يعني غير السقوط بين ثور ورجاء الذي أشار إليه أحمد وأبو داود)، ويمكن سقوطهما معًا، والَّذي وجدته في جامع التِّرمذي كما ذكرته، وفي كتاب العلل له في سؤاله البخاري وأبا زرعة وجوابهما له سقوط "حُدِّثت" بين ثور ورجاء بن حيوة كما هو عند أبي داود وأحمد".

واحتمال كون السَّقط في موضعين يُشكل عليه أنَّ البخاري وأبا زرعة أحالا على رواية ابن المبارك، ورواية ابن المبارك إنَّما فيها السَّقط بين ثور ورجاء مع الإرسال على ما تقدَّمت حكايته عن ابن مهدي ورواية ابن حزم في المحلَّى، فانحصر الحال بين أن يكون وهمًا من التِّرمذي أو من النَّاقل عنه، وتقدَّم أحد أمرين ممَّا يرجح الاحتمال الثَّاني.
الأمر الثَّاني: أنَّ ابن القيم ذكر في "حاشية سنن أبي داود" (1/281ـ مع عون المعبود) أربع علل لهذا الحديث، ولم يذكر من تلك العلل الانقطاع بين رجاء وكاتب المغيرة، بل حكى كلام التِّرمذي ليستدلَّ به على الإرسال، ووقع النصُّ في نقله هكذا: "قال التِّرمذي سألت أبا زرعة ومحمَّدًا عن هذا الحديث فقالا: ليس بصحيح، لأنَّ ابن المبارك روى هذا الحديث عن ثور عن رجاء، قال حُدِّثت عن النَّبي صلى الله عليه وسلم"، فليس فيه عن رجاء قوله: "حُدِّثت عن كاتب المغيرة".
لكنَّه رجع بعد ذلك (1/284) وجعل علَّة الحديث أن ابن المبارك رواه عن ثور عن رجاء قال: "حُدِّثت عن كاتب المغيرة" ، كما هو في سنن الترمذي، ثمَّ حكى عن بعض الحفَّاظ أنه قال: "أخطأ الوليد بن مسلم في هذا الحديث في موضعين: أحدهما أن رجاء لم يسمعه من كاتب المغيرة، وإنَّما قال: حُدِّثت عنه، والثَّاني أنَّ ثورًا لم يسمعه من رجاء".
وهذا لا يكون إلا على اعتبار أن النَّقل عند هذا الحافظ المذكور ـ ولعلَّه يعني أبا محمد ابن حزم ـ كالَّذي عندنا في مطبوعات السُّنن.
هذا، وقد حكى شيخنا يوسف الدَّخيل رحمه الله في كتابه "سؤالات التِّرمذي للبخاري" (1/305) عن شيخه محمد أمين المصري رحمه الله احتمال أن يكون وهمًا من التِّرمذي أو أن يكون النُّساخ مِن بعده أخطأوا، قال: "وقد أشار إلى ذلك ابن الصَّلاح وغيره، وأكَّدوا على كل باحث بأن يُعنى عناية دقيقة بأن تكون النُّسخة الَّتي بين يديه من جامع التِّرمذي مصحَّحة".
قلت: وكلام ابن الصَّلاح في ذلك متعلِّق باختلاف النُّسخ في حكم التِّرمذي على الأحاديث ما بين "حسن صحيح" أو "حسن صحيح غريب" ونحو ذلك من الأحكام، لكن الشَّيخ محمد أمين استشفَّ منه ما هو أكثر من ذلك، فإنَّه إن وقع الخلل في هذه فلا يُستبعد أن يقع في كلامه الآخر كهذا المثال الَّذي نحن فيه.
والله تعالى أعلى وأعلم.


خالد حمُّودة
28/1/1435

التعديل الأخير تم بواسطة أبو البراء ; 05 Dec 2013 الساعة 08:05 AM
رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013