دروس في شرح "الآجرومية"، للمذاكرة، والمدارسة (متجدد إن شاء الله)
بسم الله الرحمن الرحيم
أستعين الله ـ عز وجل ـ اليوم على ذكر دروس مختصرة في شرح (الآجرومية) في النحو، وآثرت اختصار "التحفة السنية" للشيخ محمد محي الدين عبد الحميد ـ رحمه الله ـ، لنفعها الكبير، وانتشارها بين أهل العلم، وطلابه، وزدت عليها أشياء من وحي القلم، ليست بالكثيرة.
وسأنقلها لإخواني الطلاب؛ مذاكرة للعارفين، ومدارسة للمبتدئين، مقسمة على دروس قصيرة، تعين على الفهم.
والله المسئول أن ينفعنا بها، وأن يجعل لصاحب الأصل أجرها، ولشارحه، ولمهذبه، ولقارئه، إنه جواد كريم.
الدرس (1)
مقدمة:
ـ تعريف النحو: له معان منها:
الجِهَةُ: ذَهَبتُ نَحوَ فلاَنٍ، أي: جِهَتَهُ.
الشَّبهُ والمِثلُ: مُحَمَّدٌ نَحوُ عَلِيّ، أي: شِبْهُهُ وَمِثلُهُ.
اصطلاحًا: "العِلمُ بالقَواعِد الَّتي يُعرَف بها أحكامُ أوَاخِرِ الكلِماتِ العَربِيَّة فِي حالِ تركِيبها؛ مِن الإِعراب، والبِناء ومَا يَتبَع ذلِك".
ـ مَوضوعُه: الكلِمات العربيَّةُ مِن حيثُ البحثُ عَن أحوَالها المَذكُورَة.
ـ ثَمرَتُه: صِيَانَةُ اللِّسان عَن الخطأ في الكَلام العَرَبِّي، وَفَهمُ القُرآنِ الكريم، والحَديثِ النَّبوي فَهمًا صحيحًا.
ـ نِسبَتُه: هُو مِن العُلوم العَربِيَّة.
ـ وَاضِعُه: المشهُور أنَّ أوَّل واضِع له: أبو الأَسوَدِ الدُّؤَلِىُّ، بأَمر أمِير المؤمِنين عليِّ بن أبي طالِب ـ رَضِي اللهُ عَنه ـ.
ـ حُكمُه: فَرضٌ كِفايَةٍ، وربما يتَعَيَّنَ على بعضِهم.
قال المصنف ـ رحمه الله ـ: "الكَلاَمُ هُوَ اللَّفظُ المُرَكَّبُ المُفِيدُ بِالوَضعِ".
ـ "الكَلامُ": لغة: مَا تَحصُلُ بسببه فَائِدَةٌ مطلقًا، لفظًا كانَ، أو غيرَه ككتابةٍ أو إشارَةٍ.
اصطلاحا: مَا يجتَمِع فيه أربَعةُ أمورٍ:
ـ "اللفظ": أن يكُون صَوتًا مشتملاً على أحرف هجائيَّة. مثاله: "أَحمَدُ" و"يَكتُبُ" و"سَعِيدٌ".
فالإِشارَة مثلاً لا تسمَّى كلامًا عندَ النَّحوِيِّين، وإن سمِّيت كذلِك عندَ اللُّغويِّين؛ للفائدة بها.
ـ "المركَّبُ": أن يكُون مؤلَّفًا مِن كلِمتَين فأَكثَرَ، نحو: "العِلمُ نَافِعٌ"، و"يَبلُغُ المُجتهِدُ المَجدَ".
فالكلِمة الواحِدةُ لا تُسمَّى كلامًا في النحو إلا إذا انضَمَّ إليها غيرُها: سواءٌ كانَ انضِمامًا حقيقيًّا كالأمثِلة السَّابِقة، أو تقدِيريًّا؛ كمَا لَو سُئِلتَ: مَن أَخُوكَ؟ فتقُول: "مُحَمَّدٌ"، فهذه كلامٌ، لأنَّ التَّقدِير: "مُحَمَّدٌ أَخِي".
ـ "المفيد": أن يَحسُنَ سكوتُ المتَكلِّم عليه؛ بحيث لا يبقى السَّامِعُ منتظرًا لشيءٍ آخَر، فلَو قُلتَ: "إِذَا حَضَرَ الأُستَاذ" لا يسمى ذلِك كلامًا، ولو أَنَّه لفظٌ مركَّبٌ من ثلاث كلِماتٍ؛ لأنَّ المخاطَب ينتَظِر ما تقُوله بعدَ هذَا مِمَّا يَتَرَتَّبُ على حضُور الأستَاذ. فإذا قلتَ: "إذَا حَضَرَ الأُستَاذُ أَنصَتَ التَّلاَمِيذُ" صارت كلامًا لحصُول الفائِدة، وحسنِ سكُوت المتكلِّم علَيها.
ـ "بالوَضعِ": أن تكُون الألفَاظ المستَعملة في الكلاَم ممَّا وَضَعَته العربُ للدِّلالة على معنى ما؛ نحو: "حَضَرَ" كلمَةٌ وضعَها العربُ لمعنى حصُول الحضُورِ في الزَّمان الماضِي.
بخلافِ ما إذَا تكلَّمتَ بكلامٍ ممَّا وضَعه العَجَمُ؛ فإنَّه لا يُسمَّى كلامًا، وإن سمَّاهُ أهلُ اللَّغة الأخرَى كلامًا.
أمثِلة الكلامِ المُستَوفِي للشُّروطِ:
"لاَ إِلهَ إلاَّ الله"، "مُحَمَّدُ رَسُولُ اللهِ"، "الجَوُّ صَحوٌ"، "يُضِيءُ القَمَرُ لَيلاً"، "لاَ يُفلِحُ الكَسُولُ".
وفقني الله وإياكم لما فيه خيرنا.
كتبه: أبو عبد الله حسن بن داود بوقليل ـ عفا الله عنه ـ.
التعديل الأخير تم بواسطة حسن بوقليل ; 23 Mar 2010 الساعة 02:09 PM
دروس في شرح الآجرومية (الدرس الثاني: أنواع الكلام، علامات الاسم)
أنواع الكلام
قال المصنف ـ رحمه الله ـ:
"وأَقسَامُهُ ثَلاَثَةٌ: اسمٌ، وَفِعلٌ، وَحَرفٌ جَاءَ لِمَعْنًى".
وهذا التَّقسيم استِقرائيٌّ، كما ذكر الشَّيخ العلاَّمة أبو عبد الله محمَّد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله ـ (ت: 1421هـ).
1 ـ الاسمُ:
لغةً: ما دلَّ على مُسَمًّى.
اصطلاحًا: كلمةٌ دلَّت عَلَى معنًى في نفسها، ولم تقترن بزمان.
نحو: محمدٌ، عليٌّ، رَجُل، جَمل، ونَهرٌ، تُفَّاحَة، لَيمُونَةٌ، عَصًا.
فكلُّ واحدٍ من هذِه الألفاظ يدلُّ على معنًى، وليس الزَّمان داخِلاً في معناه، فيكون اسمًا.
2 ـ الفِعل:
لغة: الحَدَثُ.
اصطلاحًا: كلمةٌ دلَّت على معنًى في نفسها، واقترنت بأحد الأزمنة الثَّلاثة.
ـ الماضي: ما دَلَّ على حدَثٍ وقَع في الزَّمانِ الَّذي قبل زمان التكلُّم، نحو: "كَتَبَ"؛ فإنَّه كلمةٌ دالَّةٌ على معنى (الكتابة) في زمنٍ وقَع وانقَطع (الماضي).
ـ المُضارِع: مَا دَلَّ على حدَثٍ يقَع في زمان التَّكلُّم أو بعده:
فإن كان يحتَمل الحالَ والاستقبالَ؛ فهو (المُضارِع)، نحو: "يَكتُبُ"؛ فإنَّه دالٌّ على معنى (الكتابة) في زمن الحال أو الاستِقبال.
ـ الأمرُ: ما دلَّ على حدَثٍ يُطلَب حُصوله بعد زمان التَّكلُّم، نحو: "اكتُبْ"؛ فإنه دال على طلب حدث (الكتابة) في الاستقبال.
3 ـ الحَرف:
لغة: الطَّرَفُ. قال تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعبُدُ اللهَ عَلَى حَرفٍ" [الحج: 11].
اصطلاحًا: ما دلَّ على معنًى في غيره؛ نحو: "مِنْ"؛ فإنَّه دلَّ عل معنى (الابتداء)، بإضافته إلى غيره، قال تعالى: "سُبحَانَ الَّذِي أَسرَى بِعَبدِهِ لَيلاً مِنَ المَسجِدِ الحَرَامِ إِلىَ المَسجِدِ الأَقصَى" [الإسراء: 1]، فعَلِمنا أنَّ ابتِداء الإِسراء هو المسجد الحرام.
علامات الاسم
قال المصنف ـ رحمه الله ـ:
"فالاسم يُعرَفُ: بالخَفضِ، وَالتَّنوِينِ، وَدخولِ الألِفِ وَاللاَّمِ، وَحُرُوفِ الخَفضِ، وَهيَ: مِنْ، وَإلى، وَعَنْ، وَعَلَى، وَفي، وَرُبَّ، والبَاءُ، والكافُ، وَاللاَّمُ، وحُرُوفِ القَسَمِ، وهِيَ: الوَاوُ، والبَاءُ، والتَّاءُ".
1 ـ الخَفض:
لغة: ضدُّ الارتفاع.
اصطلاحا: هي الكسرة التي يُحدِثُها العامِل أو ما ناب عنها.
نحو قولك: "من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى"؛ فالكسرة في "المسجدِ" و"الحرامِ" خفض، فهما اسمان.
2 ـ التَّنوين:
لغة: التَّصويت. نحو: "نَوَّنَ الطَّائِرُ" أي: صَوَّتَ.
اصطلاحا: نُونٌ ساكنةٌ تتبَعُ آخِرَ الاسم لفظًا وتفارِقهُ خَطًّا.
نحو: قوله تعالى: "قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ"؛ فالضَّمَّتان في "أحدٌ" تنوين، فهو اسمٌ.
3 ـ دُخول الألِف واللاَّم:
وهي "أَلْ" في أوَّل الكلمة.
نحو: "الرَّجل، الغُلام، الفَرَس، الكِتاب، البَيت، المَدرسة"؛ فهذِه الكلمات، كلُّها أسماءٌ لدخول الألِف واللاَّم في أوَّلها.
4 ـ دُخول حُروفِ الخَفض:
أي واحِدٌ منها.
نحو: "ذَهَبتُ مِنَ البَيت إلى المدرسَةِ"؛ فـ"البَيت" و"المدرَسة" اسمان لدُخول حَرف الخَفض عليهما، ولوُجود "أَلْ" في أَوَّلهما.
وحروف الخفض هِي:
• "مِن" ومن معانيها (الابتداءُ): "سَافَرتُ مِنَ الجَزائِر".
• "إلى" ومن معانيها (الانتهاء): "سَافَرتُ إلى الجَزائِر".
• "عَنْ" ومن معانيها (المُجاوزةُ): "رَمَيتُ السَّهمَ عَنِ القَوسِ".
• "عَلَى" ومن معانيها (الاستعلاءُ): "صَعِد عَلَى الصَّفَا والمَروَة".
• "فِي" ومن معانيها (الظَّرفِية): "المَاءُ في الكُوز"، و(الاستِعلاء): "اللهُ فِي السَّماءِ".
• "رُبَّ" ومن معانيها (التَّقلِيل): "رُبَّ رَجُلٍ كرِيمٍ قَابَلَنِي".
• "البَاءُ" ومن معانيها (التَّعدِية): "مَرَرتُ بالوَادِي".
• "الكَافُ" ومن معانيها (التَّشبِيه): "وُجوهُهُم كالبَدرِ".
• "اللاَّمُ" ومن معانيها (المِلكِ): "إِنَّ الأَرضَ للهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ" [الأعراف: 128].
ومن حروف الخَفض: حُرُوف القَسَمِ:
• "الوَاو" ولا تَدخُلُ إلاَّ على الاِسم الظَّاهر. نحو: "وَالعَصرِ"، "وَاللَّيلِ".
• "البَاءُ" وتدخل على الاِسم الظَّاهر. نحو "بالله لأَجتَهِدَنَّ في حفظ الآجروميَّة"، وعلى الضَّمير؛ نحو: "بكَ لأضرِبَنَّ الكَسُولَ".
• "التَّاءُ" ولا تدخل إلاَّ على لفظ الجَلالة؛ نحو: "قَالُوا تَاللَّهِ لَقَد آثَرَكَ اللَّهُ عَلَينَا" [يوسف: 91].000
كتبه أبو عبد الله حسن بن داود بوقليل ـ عفا الله عنه وعن والديه ـ.
قال: والفِعلُ يُعرَفُ بِـ(قَد)، وَ(السينِ)، و(سَوفَ)، وَ(تَاءِ التأْنيثِ السَّاكِنة).
يَتَميز الفعلُ عن الاسمِ وَالحرفِ بهذه العلامات؛ متى قبِل واحدةً منها عَرَفتَ أَنَّه فِعلٌ: 1 ـ (قَدْ): وتدخل على الماضي، والمضارع.
أ ـ إذا دخَلَت على (الفِعل المَاضِي) دلَّتْ على:
• التَّحقيق: نحو قوله تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ"، وقوله تعالى: "لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ" وقولنا: "قَدْ حَضَر مُحَمَّدٌ"، وقولنا: "قَد سافَرَ خَالِدٌ".
• التقريب: نحو قولك: "قَدْ قَامَتِ الصَّلاَةُ"، وقولك: "قَدْ غَرَبَت الشَّمْسِ".
ب ـ إذا دخلَتْ على (الفِعل المُضارِع) دلَّت على:
• التَّقليل: نحو قولك: "قَدْ يَصْدُقُ الكَذُوبُ"، وقولك: "قَدْ يَجُودُ البَخِيل".
التَّكثير: نحو قولك: "قَدْ يَنَالُ المُجْتَهِدُ بُغيَتَه"، وقولك: "قَدْ يَفْعَلُ التَّقِىُّ الخيرَ".
2 ـ (السِّين): وتدخُل على (الفِعل المُضارع)، فتدُلُّ على التَّنفِيس (الاستِقبال)، إلاَّ أنَّها أقَلُّ استِقبالاً مِن "سَوفَ".
نحو قوله تعالى: "سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النِّاسِ"، وقوله تعالى: "سَيَقُولُ لَكَ المُخَلَّفُونَ".
3 ـ (سَوفَ): وتدخُل على (الفِعل المُضارع)، فتدُلُّ على التَّنفِيس (الاستِقبال) أيضا.
نحو قوله تعالى: "وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى"، وقوله تعالى: "سَوْفَ نُصْلِيهمْ نارًا"، وقوله: "سَوْفَ يَؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ".
4 ـ (تاءُ التأْنيث السَّاكنة): فتدخُل على (الفِعل الماضِي)؛ فتدل على تأنِيث الاسم الَّذي أُسنِد هذَا الفعلُ إليه؛ سواءٌ أَكان فاعلاً، نحو: "قَالَتْ عَائِشَةُ أُمُّ المُؤمِنِينَ"، أم كانَ نائبَ فاعِل، نحو: "فُرِشَتْ دَارُنَا بِالبُسُطِ".
وهِي ساكِنةٌ أصلاً؛ وقَد تتحَرَّك لالتِقاء السَّاكِنَين، نحو قوله تعالى: "وقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ"، وقوله: "إذْ قَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ"، وقوله: "قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ".
تنبيه: قد تركَ المصنف ـ رحمه الله ـ علامة (فِعل الأمر)، وهي دلالته على الطَّلبِ مع قبول ياءَ المخاطبة، أو نُون التَّوكيد، نحو: "قُمْ"، و"اقْعُدْ"، و"اكْتُبْ"، و"انْظُرْ"، فإنَّ هذِه الكلِمات الأربَعَ دَالةٌ على طلَب حصول القِيام، والقُعود، والكِتابة، والنَّظر، مع قَبُولها يَاءَ المُخاطَبَة في نحو: "قُومِي"، و"اقْعُدِي"، أو مع قبُولها نونَ التَّوكِيد في نحو: "اُكتُبَنَّ"، و"انْظُرَنَّ".
يتميّز الحرفُ عن الاسمِ والفعل بأنَّه لا يصِحُّ دخُول علامَةٍ من علامَات الأَسماءِ المتقدِّمة، ولا غيرِها عليه، كما لا يصِحُّ دخولُ علامةٍ من علامَات الأَفعَال الَّتي سبَق بيانُها، ولا غيرِها عليه.
نحو: "مِنْ"، "هَلْ"، "لَـم"، فهذِه حروفٌ؛ لأنَّها لا تقبل "أَلْ"، ولا التَّنوين، ولا الخَفض، ولا يصِح أن تدخُل عليها السِّينُ، ولا "سَوفَ"، ولا "تاءُ التأنيثِ الساكِنةُ"، ولا "قَدْ".
والحمد لله رب العالمين.
كتبه أبو عبد الله حسن بن داود بوقليل ـ عفا الله عنه وعن والديه ـ.
جزاكم الله خيرا، والمقصود عدم الابتعاد عن محور "شرح الآجرومية"، أما الفوائد الأخرى فإنها تذكر في المنتدى العام، أو يخصص لها مقال كما ذكر الأخ أبو معاذ.
فبارك الله في الجميع.
[تعريف الإعراب]
الإِعراب لغة: الإِظهار والإِبانة، تقول: أَعرَبْتُ عَمَّا فِي نَفسِي، إذا أَبَنتَهُ وأَظهَرْتَهُ.
واصطلاحا: ما ذكره المصنف ـ رحمه الله ـ.
[محترزات التعريف]
ـ فقوله: "تَغيِير أَوَاخِرِ الكَلِم": أي أَحوَالُها؛ فإنَّ أواخِر الكَلِم لا يتغيَّر.
وتغيير أحوال أواخر الكلم يَكُون مِن الرَّفع إلى النَّصب أو الجَرِّ: حقِيقةً، أو حُكمًا.
وهذا التَّغيير يكُون في الأَسماء والأَفعال فقَط، أمَّا الحُروف ففِيها البِناءُ، وسيَأتي.
ـ وقوله: "لاِختِلاَفِ العَوامِلِ الدَّاخِلَة علَيهَا": أي عوامل الإعراب؛ من عامل للرفع، وعامل للخفض، وآخر للجر، وسيذكرها المصنف ـ رحمه الله ـ.
1. الاسم: مثلاً: "حَضَرَ مُحَمَّدٌ": فـ"محمَّد" مرفوع؛ لأنَّه معمُولٌ لعامِلٍ يقتَضِي الرَّفعَ، وهو "حضَرَ".
و"رأَيتُ محمَّدًا": فـ"محمَّدًا" منصُوبٌ؛ لأنَّه مَعمولٌ لعامِلٍ يقتَضِي النَّصبَ، وهو "رأيتُ".
و"حَظِيتُ بمحمَّدٍ": فـ"محمَّدٍ" مجرُورٌ؛ لأنَّه مَعمولٌ لعامِلٍ يقتَضِي الجَرَّ، وهو الباء .
فآخِر الكلِمَة (الدَّال من محمَّد) لم يتغيَّر، وإنَّما الَّذي تغيَّر هو أحوالُ آخِرها.
وهذا التَّغيُّر من الرَّفع إلى النَّصب إلى الجرِّ هو الإِعرابُ، وهذِه الحرَكاتُ الثَّلاث هي علامَة الإِعراب.
2. الفِعل: مثلاً: "يُسَافِرُ إبراهيمُ" فـ"يسافِرُ" مَرفوعٌ؛ لتجرُّدِه مِن عامِلٍ يقتَضِي نصبَه أو عامِلٍ يقتَضي جَزمَه.
و"لَنْ يُسَافِرَ إبراهيمُ" فـ"يسافِرَ" مَنصُوبٌ؛ لأنَّه مَعمولٌ لعامِلٍ يقتَضِي النَّصبَ، وهو "لَنْ".
و"لَمْ يُسَافِرْ إبراهيمُ" فـ"يسافِرْ" مَجزومٌ؛لأنَّه مَعمولٌ لعامِلٍ يقتَضِي الجَزمَ، وهو "لَمْ".
ـ وقوله: "إِمَّا لَفظًا أَو تَقدِيرًا": فالتَّغيِير ينقسِمُ إلى قسمَين: لَفظِيٍّ، وتقدِيرِيٍّ.
1. اللَّفظِي: ما لا يمنَعُ مِن النُّطق بِه مانِعٌ؛ كما رأَينَا في الأمثِلة السَّابقة.
2. التَّقدِيرِي: ما يمنَع مِن التَّلفُّظِ بِه مانِعٌ؛ مِن:
تَعَذُّرٍ: ما كان آخره ألفا؛ فيتَعذَّرُ النُّطق بالحَركَاتِ كلِّها علَيها، نحو: "يَدعُو الفَتَى" فـ"يدعو" فِعلٌ مُضارِعٌ مَرفُوعٌ لتَجرُّدِه مِن النَّاصِب والجَازِم، وعلامَةُ رفعِهِ الضَّمةُ المقدَّرَة علَى آخِره منَع مِن ظُهورِها التَّعذُّرُ. و"الفتى" فاعِلٌ مَرفوعٌ بـ"يَدعُو"، وعلاَمةُ رفعِهِ الضَّمةُ المقدَّرَة علَى آخِره منَع مِن ظُهورِها التَّعذُّرُ.
استِثقَالٍ: ما كان آخره واو أو ياء؛ فيثقل النُّطق ببَعض الحَركاتِ (الضَّمة، والكَسرة) عليها، نحو: "يحكُم القاضِي" فـ"القاضي" فاعِلٌ مَرفوعٌ بـ"يَحكم"، وعلاَمةُ رفعِهِ الضَّمةُ المقدَّرَة علَى آخِره منَع مِن ظُهورِها الثِّقَلُ.
مُناسَبَةٍ: ما كان فيه لزوم حركة في آخره لاتصال حرف به تناسبه تلك الحركة، نحو: "هذا غلامي" فـ"غلامي" خبر مرفوع بـ"هذا"، وعلاَمةُ رفعِهِ الضَّمةُ المقدَّرَة علَى آخِره منَع مِن ظُهورِها اشتِغالُ المَحلِّ بحَركةِ المُناسبَة، لأنَّ الياء تُناسِبها الكَسرة، لا الضَّمةُ.
[تعريف البناء]
يقابل الإعرابَ "البِناءُ"، وهُو لغةً: وَضع شيءٍ على شيءٍ على جهَةٍ يُرَادُ بها الثُّبوتُ و اللُّزومُ.
واصطلاحًا: "لُزُومُ آخِر الكلِمة حالةً واحدةً لغير عامِلٍ ولا اعتِلالٍ".
2. النَّصبُ:
في اللَّغة: الاستِواءُ والاستِقَامَة.
واصطلاحًا: "تَغيُّر مَخصوصٌ علاَمتُه الفَتحَةُ وما نَاب عَنها".
ويكونُ في الاِسم والفِعل أيضًا، نحو: "لَنْ أُحِبَّ الكَسَلَ"؛ فـ"أُحِبَّ" فعل مضارع منصوب بـ(لن)، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، و"الكَسَلَ" مفعول به منصوب وعلامتة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
3. الخَفضُ:
في اللُّغة: التَسَفُّلُ.
واصطلاحًا: "تغيُّر مخصوصٌ علامتُه الكَسرَةُ وما نابَ عنها".
ولا يكون إلاَّ في الاِسم، نحو: "تَأَلَّمتُ مِنَ الكَسُولِ"؛ فـ"الكَسولِ" اسم مخفوضُ بـ(مِن) وعلامَةُ خَفضِهِ الكَسرَةُ الظَّاهِرة علَى آخِره.
3. الجَزمُ:
في اللُّغة: القَطعُ.
واصطلاحًا: "تَغيُّرٌ مخصُوصٌ علامتُهُ السُّكونُ وما نَابَ عَنه".
ولا يكونُ إلاَّ في الفِعل المُضارِع، نحو: "لَمْ يَفُزْ مُتَكَاسِلٌ"؛ فـ"يَفُزْ" فعل مضارع مجزوم بـ(لم) وعلامة جزمه السكون الظاهر على آخره.
خلاصة: أنواعُ الإِعراب ثلاثة أقسام:
ـ قسم مشترك بين الأسماء والأفعال؛ وهو الرَّفع والنَّصب.
ـ قسم مختصٌّ بالأسماء؛ وهو الخَفض.
ـ قسم مختصٌّ بالأفعال؛ وهو الجَزم.
كتبه أبو عبد الله حسن بن داود بوقليل ـ عفا الله عنه ـ.
قال ـ رحمه الله ـ: "(بابُ مَعرِفَة علاَماتِ الإِعرَاب): للرفْعِ أَرْبَعُ عَلاَمَاتٍ: الضَّمَّةُ، والوَاوُ، وَالألِفُ، وَالنُّونُ".
تستطيع أن تَعْرِفَ أنَّ الكلِمة مَرفُوعة بوُجود علامَة في آخِرها مِن أربَع علاَماتٍ:
ـ أَصلِيَّة؛ وهي الضَّمة.
ـ فَرعِيةٌ؛ وهي: الواوُ، والألِف، والنُّون.
مَواضِعُ الضَّمةِ
قال ـ رحمه الله ـ: "فَأمَّا الضَّمَّةُ فَتَكُون عَلاَمَةً للرَّفعِ في أربَعَةِ مَوَاضِعَ: الاِسمِ المُفرَدِ، وجَمعِ التَّكسِيرِ، وَجَمعِ المُؤَنَّثِ السَّالِمِ، والفِعل المُضَارِعِ الَّذِي لَم يَتَّصل بآخِره شَيءٌ".
1. الاِسم المُفرَد:
المقصود به: "ما ليسَ مُثَنًّى، ولاَ مجمُوعًا، ولا مُلحَقًا بِهما، ولاَ مِن الأَسماءِ الخَمسَة".
سواءٌ أَكانَ:
ـ مذكَّرًا مثل: محمَّد، وعُمَر، وعُثمَان.
ـ مؤنَّثًا مثل: فاطِمة، وعائِشة، وزَينَب.
وسواءٌ أكانَت الضَّمة:
ـ ظاهِرةً، نحو: "حَضَرَ مُحَمَّدٌ"، و"سافَرَتْ فَاطِمَةُ".
ـ مُقَدَّرَةً، نحو: "حَضَرَ الفَتَى والقَاضِي وَأَخِي".
2. جَمعُ التَّكسِير:
والمُراد به: "مَا دَلَّ علَى أكثَرَ مِن اثنَينِ أَو اثنَتَينِ معَ تَغَيُّرٍ فِي صِيغَة مُفرَدهِ".
ويكُون مرفوعًا بالضَّمة؛ سواءٌ أكان المرادُ مِن لفظِ الجَمع:
ـ مذكَّرًا، نحو: رِجَالٌ، وكُتَّابٌ.
ـ مُؤنَّثًا، نحو: هُنُودٌ، وَزَيَانِبُ.
وسواءٌ أكانت الضَّمة:
ـ ظاهِرةً، كما في هذه الأمثلة.
ـ مقَدَّرةً، نحو: "سُكَارَى، وَجَرحَى"، ونحو: "عَذَارَى، وَحَبَالى".
تكون الألف علامة على رفع الكلمة في موضع واحد، وهو: ـ الاسم المثنى: "كلُّ اسمٍ دَلَّ على اثنَين أو اثنَتَين، بزيادَةٍ في آخِره، أغنَتْ هذِه الزِّيادة عن العاطِف والمَعطُوف"، نحو: "أَقبَلَ العُمَرانِ، والهِندَانِ" فـ"العُمَرانِ": لفظٌ دلَّ على اثنَينِ اسمُ كلِّ واحدٍ منهُما "عُمَرُ"، بسبب وجُود زِيادَةٍ الألِف والنُّون، الَّتي أغنَت عن العَطف في: "حَضَرَ عُمَرُ وَعُمَرُ".
ومثالُه أيضًا:
"حَضَرَ الصّدِيقَانِ"
فـ"الصَّدِيقَانِ" مُثنَّى، وهو مَرفوعٌ لأنَّه فاعِلٌ، وعلامة رَفعِه الألِفُ نِيابَةً عن الضَّمةِ، والنُّون عِوَضٌ عن التَّنوين في الاِسم المُفرَد.
قال المصنِّف ـ رحمه الله ـ: "وَلِلنَّصبِ خَمسُ عَلاَمَاتٍ: الفَتحَةُ، وَالأَلِفُ، وَالكَسرَةُ، وَاليَاءُ، وَحَذفُ النُّونِ".
يمكنُ أن نحكُم على الكلِمة بأنَّها منصوبةٌ إذا وجدنا في آخِرها علامَةً مِن خمسِ علاماتٍ: الفَتحة؛ وهي أصلِيَّةٌ، والألِفُ، والكَسرَةُ، واليَاءُ، وحَذفُ النُّون؛ وهذِه فرعِيَّةٌ.
نِيابَة الألِفِ عن الفَتحَة:
قال ـ رحمه الله ـ: "وَأَمَّا الألِفُ فَتَكُونُ عَلاَمَةً لِلنَّصبِ في الأسمَاءِ الخَمسَةِ، نَحوُ: "رَأَيْتُ أَبَاكَ وَأَخَاكَ"، وَمَا أَشبَهَ ذلِكَ".
سبَق معنا الأسماءُ الخَمسةُ، وشُروط إعرابِها، وهنا يبيِّنُ المصنِّف ـ رحمه الله ـ أنَّ مِن العلامَاتِ الدَّالة على أنَّ إحدَى الكلِمات منصوبَةٌ وجودُ الألِف في آخِرها، نحو: "احتَرِمْ أَبَاكَ"، و"انصُرْ أَخَاكَ"، و"زُورِي حَمَاكِ"، و"نَظِّفْ فَاكَ"، و"لاَ تَحتَرِمْ ذَا المَالِ لِمَالِه"؛ فَكُلٌّ مِن "أباكَ، وأخَاك، وحمَاكِ، وفاكَ، وذا المَال" منصوبٌ؛ لأنَّه وقَع فيها مَفعُولاً بِه، وعلامَةُ نصبِه الألِف نيابَةً عن الفَتحة، وكلٌّ مِنها مُضافٌ، وما بعدَهُ مِن الكاف، و"المَال" مضَافٌ إليه.
ولا تنوبُ الألِفُ عن الفَتحة إلاَّ في الأسماء الخَمسة.
قال ـ رحمه الله ـ: "وَأَمَّا الكَسرَةُ فَتَكُونُ عَلاَمَةً لِلنَصبِ في جَمعِ المُؤَنَّثِ السَّالِمِ".
قَد عرَفنا فيما سبَق جَمعَ المُؤَنَّثِ السَّالم، ويمكِن أن نستدلَّ على نصبِ هذا الجمع بوُجود الكَسرَة في آخِره، نحو: "إِنَّ الفَتَيَاتِ المُهَذَّبَاتِ يُدرِكْنَ المَجدَ"؛ فكُلٌّ مِن "الفَتياتِ"، و"المهذَّباتِ" جمعُ مؤنَّثٍ سالِمٌ، وهما منصُوبانِ؛ لكَون الأوَّل اسمًا لـ(إِنَّ)، ولكَون الثَّاني نعتًا للمنصُوب، وعلامَةُ نصبِهما الكَسرَة نيابَةً عن الفَتحة.
ولا تنوبُ الكَسرةُ عن الفَتحة إلاَّ في هذا المَوضع .
قال ـ رحمه الله ـ: "وَأمَّا اليَاءُ فَتَكُونُ عَلاَمَةً لِلنَّصبِ في التَّثنِيَةِ وَالجَمعِ".
قد عرَفنا المثَنَّى، وجمعَ المذكَّر السَّالم، ويمكِنُنا أن نعرِف نصبَ الواحِد منهُما بوُجودِ اليَاء في آخِره، والفَرق بينَهما: أنَّ الياء في المثنَّى ما قبلَها مفتوحٌ وما بعدها مَكسُورٌ، والياء في جمع المذكَّر ما قبلَها مكسُورٌ وما بعدَها مفتوحٌ.
ـ فمثال المثنَّى: "رأَيتُ عُصفُورَينِ فوقَ الشَّجرة"، و"اشتَرى أبي كِتَابَينِ"؛ فكلٌّ مِن "عُصفورَينِ" و"كتَابَينِ" منصُوبٌ لكونه مفعولاً بِه، وعلامَةُ نصبِه اليَاء المفتُوحُ ما قبلَها المكسُورُ ما بعدَها، لأنَّه مثَنَّى، والنُّون عِوضٌ عَن التَّنوين في الاِسم المُفرَد.
ـ ومثال جمع المذكَّر السَّالم: "إنَّ المُتَّقِينَ لَيكسِبُونَ رِضَا رَبِّهِم"، و"نَصَحْتُ المجتَهدِينَ بالانكِبَابِ عَلَى المُذَاكرةِ"؛ فكُلٌّ مِن "المتَّقِينَ" و"المجتَهدِينَ" منصُوبٌ؛ لكونِه مفعُولا ًبه، وعلامَةُ نصبِه الياءُ المكسور ما قبلَها المفتُوح ما بعدَها؛ لأنَّه جمعُ مذكَّرٍ سالِمٌ، والنُّون عِوضٌ عن التَّنوين في الاِسمِ المُفرَد.
نِيابَةُ حذفِ النُّون عَن الفَتحةِ:
قال ـ رحمه الله ـ: "وَأمَّا حَذفُ النُّونِ فَيَكُون عَلاَمةً لِلنَّصبِ في الأفعَالِ الخَمسَةِ الَّتي رَفعُهَا بثَبَاتِ النُّونِ".
قد عرَفنا ممَّا سبَق الأفعالَ (الأمثِلَة) الخَمسةَ، ويمكِنُنا أن نعرف نَصبَ كلِّ واحِدٍ مِنها إذا وجَدت النُّون الَّتي تكون علامَةً للرَّفعِ مَحذوُفَةً، نحو: "يَسُرُّني أَن تَحفَظُوا درُوسَكُم"، و"أَربَأُ بالطُّلاب أن يُهمِلُوا درُوسَهم"؛ فكلٌّ من "تحفَظُوا" و"يُهمِلُوا" فعلٌ مضارِعٌ منصوبٌ بـ(أنْ)، وعلامَة نصبِه حذفُ النُّون، وواوُ الجماعَة فاعِلٌ مبنِيٌّ على السُّكون في محلِّ رفعٍ.
وكذلِك المتَّصل بألِف الاثنَين، نحو: "يَسُرُّني أَنْ تَنَالاَ رَغَبَاتِكُمَا"، والمتَّصل بياء المخاطَبة، نحو: "يُؤْلِمُنِي أَنْ تُفَرِّطِي في وَاجِبِكِ"، وقَد علِمنا كيفَ نُعرِبُهُما.
كتبه أبو عبد الله حسن بن داود بوقليل ـ عفا الله عنه ـ.
تنبيه: أعتذر عن تأخر الدرس إلى هذا اليوم).