منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 Jul 2014, 02:49 PM
عبد الحميد الهضابي عبد الحميد الهضابي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 300
افتراضي (الحلقة الثانية ) بيان كذب وفجور الجهني الحدادي في تعدّيه على أهل السنة قديما وحديثا في مقاله "نصيحة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فهذه الحلقة الثانية في بيان مافي مقال الجهول الحدادي عبد الحميد الجهني الذي عنونه بـ" " نصيحة الإخوان فيما أثير حول مسائل الإيمان " ،فأحببت أن نقف بعض الوقفات مع صاحبها هداه الله وردّه إلى حظيرة السنة التي طالما وكان يناضل عنها وعن علمائها ثم تبيّن له أنه كان على عقيدة إرجائية باطلة وذلك بلسان حاله لا بمقاله.
فأحببت في هذا المقال أن أناقشه في مسألة عظيمة زلّت فيها أقدام وضلّت فيها أفهام واعتدي فيها على أعلام،ألا وهي مسألة :"تارك العمل".
والتي كان الجهني بسببها يناضل عن الشيخين الفاضلين الألباني وربيع بن هادي المدخلي ولا يقبل من يرميهما بالإرجاء،وينافح ويدافع عنهم ويرمي خصومهم –بحق- بما يستحقّون من الحدادية والسفه والجهل، ثم دخل معهم ليغيّرهم فتغيّر ،فنعوذ بالله من الحور بعد الكور،فأصبح يتكلم بلسانهم ويأصلّ تأصيلاتهم منها ماناقشته في "الحلقة الأولى" في قوله بإجماع تارك الصلاة تهاونا وكسلا لا جحودا ، ويرمي من لم ير بكفره كما عليه الأئمة الأربعة[1] وغيرهم بالإرجاء-أخرس الله لسانه-.
فنسأله وننتظر منه جوابا كافيا شافيا بدون لفّ ولا دوران ؟
لعلّ الجهني الجديد تغيّر .
ولعلّ الدين تغيّر.
ولعلّ أئمة الإسلام الذين يرون أن تارك الصلاة تهاونا وكسلا لا جحودا مسلما عاصيا مستحقا للعقوبة وهو تحت مشيئة الله ،وأخذوا بقول من قال بأن من أتى بالشهادتين واعتقاد القلب وترك أعمال الجوارح مجرم فاسق ناقص الإيمان مستحق للعقوبة الشديدة كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف كما سنذكر أقوالهم مع مصادرها كانوا على انحراف وضلال وكان عندهم إرجاء حتى هيّأ الله لهذه الأمة المحمدية صاحب كتاب "ظاهرة الإرجاء" –الخارجي-،فنبّههم فانتبهوا.
وأحلى الجواب مرّ ، ولا يكون جوابه إلا الأول بلا شكّ ولا ريب وهو الذي ندين الله به وهو الواقع ماله من دافع.
فأقول مستعينا بالله تعالى :
قال عبد الحميد الجهني الحدادي الجهول :"ذهبت المرجئة المعاصرة إلى قول ملفق من قول السلف وقول المرجئة القديمة فقالوا:
الإيمان قول وعمل, فوافقوا السلف في هذا القول مواقفة لفظية.
ثم إنهم صححوا الإيمان من غير عمل ! فخالفوا السلف في هذا, وقد تقدم إجماع السلف على أن الإيمان لا يصح بدون عمل.
أما موافقة المرجئة المعاصرة للمرجئة القديمة فهو في اتفاقهم أن الإيمان يصح من غير عمل, فيصبح الخلاف بين الطائفتين خلافاً لفظيا, إذ الجميع متفق على صحة الإيمان من غير عمل, بيد أن المرجئة القديمة تجعله إيمانا مطلقا ( كاملا ) والمرجئة المعاصرة تجعله : مطلق إيمان.
وسواء أكان إيمانا مطلقا على قول المرجئة القديمة أو مطلق إيمان عند المرجئة المعاصرة , فهو - عند الطائفتين - صحيح ومقبول عند الله وينجِّى من الخلود في النار.
أما السلف الصالح فهم على خلاف قول هاتين الطائفتين فلا نجاة عندهم يوم القيامة إلا بالعمل.
و عليه: فإن قول المرجئة المعاصرة إن الإيمان قول وعمل, هو موافقة لفظية للسلف وليست حقيقية لأنهم يصححون الإيمان من غير عمل, والسلف لا يصححونه, كما تقدم نقل إجماعهم على هذا. فمخالفة هؤلاء المرجئة المعاصرين للسلف في باب الإيمان هي مخالفة حقيقية ....
و بهذا يتبين موافقة أصحاب القول الرابع ( المرجئة العصرية ) لقول المرجئة القديمة , وأنَّ مَن رَدَّ عليهم وحذَّر من أقوالهم لم يكن يتكلم جِزافاً أو من غير عِرْفة.
وهؤلاء المرجئة المعاصرون, كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مرجئة الفقهاء: لهم حجج شرعية بسببها اشتبه الأمر عليهم . ( مجموع الفتاوى 7/194).
هذا؛ ومن أعظم هذه الحجج الشرعية - التي هي في حقيقتها شبهٌ - : حديث الشفاعة الذي ورد فيه أنه يخرج من النار أقوام لم يعملوا خيرا قط.
فاحتج هؤلاء المرجئة المعاصرون بهذه الكلمة و بنوا عليها أن الإيمان يصح من غير عمل وأن العمل الظاهر شرط كمال في الإيمان....
ومن الشبه كذلك التي يثيرها هؤلاء المرجئة المعاصرون في تأييد قولهم : الخلافُ الحاصل بين العلماء في حكم تارك الصلاة تهاوناً وكسلا .
فيقول هؤلاء إنه على قول من يقول إن تارك الصلاة لا يكفر؛ تكون الأعمال كلها شرط كمال, وأن الإيمان يصح من غير عمل.
ومسألة الخلاف في ترك الصلاة هذه , كنت قد بينت في مقالتي ( كشف الخفاء ) أنها مسألة حادثة بعد القرون المفضَّلة , ليست من مسائل الخلاف عند الصحابة والتابعين , فلا حجة فيها للتشغيب على إجماعهم في باب الإيمان , فهم قد أجمعوا على أن الإيمان قول وعمل . وأجمعوا على أن تارك الصلاة كافر . فهذان إجماعان صحيحان ثابتان عن السلف من الصحابة والتابعين . فكما أنه لا يجوز نقض الإجماع الأول بخلاف متأخر , كذلك لا يجوز نقض الإجماع الثاني بخلاف متأخر.
وهذان الإجماعان متناسبان متلازمان , يُكَمِّلُ أحدُهما الآخر, فمن وافق الإجماع الثاني ( على كفر تارك الصلاة ) لزمه ولابد القول بالإجماع الأول ( الإيمان قول وعمل ) , ومن وافق الإجماع الأول لزمه القول بالإجماع الثاني وإلا دخل عليه الاضطراب في هذه المسألة . ولذلك كان أئمة السنة والحديث يذكرون مسألة ترك الصلاة في كتاب الإيمان للتلازم بينهما , كما بينته في مقالي ( كشف الخفاء )
والمقصود أنه ليس للمرجئة أن تشغِّب على مذهب السلف الصالح في باب الإيمان بمسألة ليست من مذهبهم وقولهم , فإنما يُلزم الشخص بمذهبه وقوله" .

1 ـ أقول : لماذا يا جهني وجّهت سمامك المسمومة الحدادية إلى الشيخ ربيع بن هادي حفظه الله فقط وذلك في رميه بالإرجاء بل تصفه بأنه خطيبهم في ذلك،لأنه يقول بأن أنه من أتى بالشهادتين واعتقاد القلب وترك أعمال الجوارح مجرم فاسق ناقص الإيمان مستحق للعقوبة الشديدة كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ؟
إذا كان قصدك نصرة دين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم هاهو أمير المؤمنين في الحديث في هذا العصر -بلا منازع معتبر- يقول هذا القول وينصره، فلماذا لم تصرّح بضلاله وانحرافه وإرجائيته ؟
وذلك لأن المخالفة هي المخالفة ، فالشيخ ربيع قال بعقيدة الإرجاء ، ووسمته بأنه مرجئ ، والألباني يلزمك أن تعامله وتصفه بمثل ماعاملت ووسمت به الشيخ ربيع لأن هذا خالف وهذا خالف –في نظرك وجهلك-.
فننتظر منك –خاصة- الجواب الصريح الشافي الكافي ؟
وما أظنك تفعل لأنك ذكي الحدادية وبعض المغرر بهم لو يسمعونك أجهزت على الشيخ الألباني نفضوا أيديهم منك وعرفوا منهجك وحقيقتك أكثر وأكثر.
وبناء على أن الشيخ ربيع حفظه الله خالف عقيدة السلف في الإيمان ورميته بالعظائم ، كذلك هذا القول قد قال به أئمة أعلام من أهل السنة كما سنبينه -من أقوالهم مع ذكر مصادرها-
من ذلك أنه رواية عن إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل وبه قال ابن رجب وغيره ،وقد نقل شيخ الإسلام خلاف أهل السنة في ذلك.
الشاهد : فبناء على أن الشيخ ربيع حفظه الله مرجئ لأنه أخذ بحديث أبي سعيد الخدري وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهم وغير ذلك من النصوص الشرعية التي تبين وتدل على هذا القول وأخذ ولم ينفرد بهذا القول بل قد سبقه إلى ذلك علماء أجلاء -كما سنبين ذلك-
فعلى مذهبك يلزمك أن ترميهم بالإرجاء بل وتصفهم بأئمة الإرجاء وليس خطباء فحسب.
ننتظر منك مواقفك اتجاههم ومحاربتهم ؟
وإن لم تجب على أسئلتي المحرجة لأنك في موقف لا تحسد عليه فأجيبك بلسان مقالك.
قال عبد الحميد الجهني االسلفي القديم:" التي استغلت هذه القضية هي طائفة الحدادية، الحدادية المعاصرين اليوم استغلوا هذه القضية في ضرب الشيخ ربيع المدخلي ومن معه، فأصبحوا الآن يتهمون الشيخ ربيع بأنه مرجئ، فانظروا إلى الاصطياد في الماء العكر؛
فننتبه لأولئك الذين المفتونين الأولين الذين أرادوا إسقاط الألباني وهم يحاولون إسقاط جبل، وهيهات!
وننتبه أيضا لمن جاء بعدهم الحدادية اليوم الذين ما يتركون أحدا في حاله، الآن يحاولون استغلال هذه القضية في ضرب الشيخ ربيع، وفي إسقاطه وإسقاط جهاده العظيم ضد أعداء السنة والمخالفين لمنهج السلف؛
فنحن ننكر على الأولين وننكر على الآخِرين...
فننتبه لهذه المسألة، لأن المسائل الآن أصبحت يدخلها الهوى والعياذ بالله، يدخلها الهوى وتصفية الحسابات.
- التكفيريون فرحوا فرحاً عظيما لمّا قام بعض العلماء وخطئوا الشيخ الألباني في مسائل في باب الإيمان هذا، فرحوا بذلك خطفوه خطفا وطاروا به في كل مكان، وقالوا: الألباني مرجئ! الألباني مرجئ! لماذا؟ يريدون إسقاط هذه المدرسة السلفية أصلا، التي كانت شوكة في حلوقهم ولا زالت؛ وكذلك اليوم أيضا الحدادية اليوم نفس الأسلوب -والعياذ بالله- نفس الأسلوب الذي مارسه التكفيريون مع الشيخ الألباني اليوم يمارسونه مع الشيخ ربيع، ولا حول ولا قوة إلا بالله؛ فننتبه لهاتين الفتنتين؛ ".اهـ

وأنا أشاطرك في هذا الكلام السلفي الذي نسأل الله جلّ وعزّ أن يؤاجرك ويثيبك عليه، وأزيدعليه أن هذه الطائفة الفاجرة -ومنها الجهني الجديد الذي هو منهم لا محالة- ما يريدون نصرة الإسلام وذلك بالقرائن الظاهرة التي يطول ذكرها وهذا ليس موضعها ،وقد كفيت عنا المؤونة حيث قلت :" لأن المسائل الآن أصبحت يدخلها الهوى والعياذ بالله، يدخلها الهوى وتصفية الحسابات."
وآخرا وليس أخيرا ماعسانا إلا ندعو عليهم ،فأنت تدعوا -على الذين يحاربون الشيخين الفاضلين الألباني وربيع بن هادي ويرمونهما بالإرجاء- والسلفيون في مشارق الأرض ومغاربها يؤمنون وراءك حيث قلت في دعائك على الجهني الحدادي الجديد وشلّته :" ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمع قلوب السلفيين وأن يجمع أهل السنة على الحقّ والهدى وأن يقيَهم شرّ المغرضين والمصطادين في الماء العكر الذين يريدون تفريق الصف والتشكيك بين أهل السنة ويريدون إفساد القلوب".
وأنا أوّلهم وأقولها بملئ فيّ "آمين".
وصدق في الجهني المتعالم الحدادي الجديد قول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه :(إن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر وتنكر ما كنت تعرف) نعوذ بالله من الحور بعد الكور وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ثانيا :
فيا أيها الجهني الجاهل بمذهب السلف ،هل الذي لم يكفر تارك عمل الجوارح بعد إقراره بالتوحيد بقلبه ولسانه من المرجئة أو أن قوله من أقوال المرجئة؟
وهل تستطيع أن تثبت لنا أن أحدا من المرجئة قديما أو حديثا يقول :
1 ـ أن الإيمان قول وعمل[2] كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟
2 ـ أو أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية [3] كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟
3 ـ أو أن أعمال الجوارح من مسمّى الإيمان لا من ثمراته كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟؟
4 ـ أو أن الناس يتفاضولون فيه حقيقة كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟؟
5 ـ أو أن الإيمان يقبل التبعيض وإذا زال بعضه لم يلزم منه زواله بالكليّة وأنّه على شعب ودرجات أعلاها كلمة لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق [4] كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟ ؟
6 ـ أو أن الشخص الواحد قد يجتمع فيه مع الإيمان شعبة من شعب الكفر الأصغر أو النفاق الأصغر كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟؟
7 ـ أو أنه يصح الإسثناء في الإيمان من غير شك[5] كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟؟
8 ـ أو أن التكفير يقع بالاعتقاد والقول والفعل وليس منحصرا في التكذيب والجحود، كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟؟
9 ـ أو أنه من أتى بالشهادتين واعتقاد القلب وترك أعمال الجوارح مجرم فاسق ناقص الإيمان مستحق للعقوبة الشديدة كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟؟
10 ـ وأن مجرد القول ليس بإيمان دون عمل القلب وكذلك تصديق القلب لا يصح دون الإقرار كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟؟
11 ـ وأن الذنوب تضر الإيمان كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟؟
12 ـ وأن المعرفة المجردة ليست بإيمان كما هو مقرر عن جمع من السلف والخلف ممن لم يكفروا تارك العمل ؟؟؟
فإن لم تجد ؟
فنقول لك على مهلك ورسلك، لقد ارتقيت مرتقا صعبا ياصحيب ينبع ، وخضت في أشياء لا تحسنها واعط القوس لباريها ،ورحم الله امرء عرف قدر نفسه ، ومن تكلم كأمثالك فيما هو أكبر حجما منه أتى بالعظائم والمدلهمات وضلّ وأضّل.
وعليك أن تتعلم قبل أن تتكلم فضلا أن تجابه كبار أهل العلم -الذين شابت رؤوسهم في تعليم العقيدة السلفية- فضلا أن ترميهم بعظائم الأمور مثل الإرجاء والبدعة وتسفههم وتجهلهم ونحو ذلك .
وقد أجاد من قال :
كناطح صخرة يوماً ليوهنها * * * فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
ولله در من قال ايضاً:ً
يا ناطح الصخرة الصماء توهنها * أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل
فهذه يا أيها الجهول هي المفارقات بين أهل السنة السلفيين ممن لم يكفروا تارك العمل وبين طائفة المرجئة الضلال ،وهو الفيصل الذي جعله السلف أساسا في البراءة من الإرجاء وأهله .
عن إسماعيل بن سعيد قال: سألت أحمد عن من قال: الإيمان يزيد وينقص فقال: هذا بريء من الإرجاء .[6]
وكما قال الإمام البربهاري رحمه الله: ومن قال الإيمان قول وعمل يزيد ينقص فقد خرج من الإرجاء أوّله وآخره.[7]
ثالثا :
ذكرنا في الحلقة الأولى أن جماهير أهل العلم لا يكفرون تارك الصلاة التي يتركها تهاونا وكسلا لا جحودا ،-فلتراجع- ويلزم من هذا أن من لم يكفّر بتارك الصلاة من باب أولى لا يكفّر من ترك باقي المباني التي هي من أركان الإسلام دون الشهادتين،و إذا كان الخلاف في تارك العمل واقع بين السلف فمنهم من كفر ومنهم من كفّ ، والإلزام أقرّه الجهني الحدادي الجديد حيث قال:" نظر هؤلاء المتلبسون بالإرجاء فرأوا أن الخلاف في تارك الصلاة هو المتنفس الوحيد لهم لإنعاش ما هم عليه من الإرجاء , فأجلبوا بخيلهم ورجلهم على قول السلف , ونصروا قول الخلف في هذه المسألة , ليسلم لهم مذهبهم الإرجائي . وليلبسوا على صغار الطلاب بأن مذهبهم في الإيمان مذهب معتبر ذهب إليه بعض علماء السلف .
وذلك أن السني إذا سلّم للمرجئة بصحة الخلاف في تارك الصلاة , وأنه خلاف واقع بين أئمة السلف , قالوا له :فمن لا يكفر تارك الصلاة من الأئمة لا يكفر تارك العمل .
وهذا اللازم صحيح . فحينئذ يقع السني في مأزق بسبب تسليمه للمرجئة بصحة الخلاف في حكم تارك الصلاة , فإما أن يرمي هؤلاء العلماء الذين لا يكفرون تارك الصلاة بالإرجاء لكونهم لا يكفرون تارك العمل , وحينئذ يصيح به المرجئة صيحتهم المعروفة في التشنيع والتقريع , وأنه يجب احترام الأئمة , ويعقدون له فصلا في ثناء الشافعي على أحمد , وفصلا في ثناء أحمد على الشافعي !).
فلما استقر في أذهان كثير من الشباب السلفيين أن تارك الصلاة مسلم , دخل عليهم الإرجاء من أوسع أبوابه , وهم معذرون في ذلك , لأنهم يقولون إذا كان ترك الصلاة ليس كفرا فما بقي من الأعمال من باب أولى .
إلى أن قال: (وفي الختام أقول لطلاب العلم من أهل السنة : إن بقيتم تنظرون إلى الخلاف في حكم تارك الصلاة إلى أنه خلاف معتبر , وأن القول بإسلام تارك الصلاة قول سلفي معتبر , فقد أنعشتم الإرجاء"اهـ

أقول :كثيرمن العوام فضلا عن طلاب العلم فضلا عن العلماء يعرفون عن سلفهم الصالح أنهم قد اختلفوا في حكم تارك الصلاة تهاونا وكسلا لا جحودا بل أكثرهم على إسلامه ،
وأذكر الجهني القديم لما سأل هو نفسه الشيخ صالح السحيمي حفظه الله عن الذين يرمون الشيخ الألباني بالإرجاء وبين الشيخ صالح أن هؤلاء الفجار الذين يرمون الألباني بالإرجاء بسبب أنه لا يكفر تارك الصلاة تهاونا وكسلا لا جحودا أو أن الأعمال شرط كمال قد سبقه في ذلك أئمة .

وأجاب الشيخ صالح حفظه الله عبد الحميد الجهني الحدادي بأن الألباني لما قال بأن الأعمال شرط كمال أو أن تارك الصلاة تهاونا لا جحودا لا يكفر قد سبقه علماء أجلاء
قال الشيخ صالح حفظه الله :"هناك إطلاق عند شيخناالشيخ ناصر و هو مسبوق إليه....
المسألة الثانية : التي ربما البعض يأخذها على الشيخ :(عدم تكفيره لتارك الصلاة ) و هذه المسألة هو مسبوق إليها ،فمن ترك الصلاة تهاونا - في الحقيقة أنا أعتقد أن النصوص الشرعية واضحة في كفر تارك الصلاة و لو تهاونا -و مع هذا كله فقد قال بعض الأئمة الجهابذة مثل مالك و الشافعي وأبي حنيفة و رواية عند أحمد أن تارك الصلاة تهاونا لا يكفر ، بل هو عاص من العصاة، و الشيخ وافقهم في هذا ، فإذا قلنا إنه مرجيء بناء على هذه المسألة فيلزمنا القول بأن مالكا و الشافعي و أبا حنيفة وأحمد في إحدى روايتيه كلهم يعتبرون مرجئة .و هذالم يقل به أحد من أهل العلم".
رابعا :
سأذكر بعض الأدلة على عدم كفر تارك العمل وأنه لا ينفى عنه الإيمان المطلق وهو مستحق للعقوبة الشديدة من الله تعالى وإليك أخي القارئ المسدد الموفق بعض الأدلة على هذه المسألة التي طالما والحدادية الفجرة يحاربون بها علماء السنة السلفيين وأخص بالذكر منهم العلامة الألباني وربيع بن هادي المدخلي :
الدليل الأول :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم -في حديث طويل سبق ذكر المرور على الصراط ثم قال : حتى إذا خلص المؤمنون من النار فوالذى نفسى بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله فى استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين فى النار يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون. فيقال لهم أخرجوا من عرفتم. فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقى فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا. ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا. ثم يقول ارجعوا فمن وجدتم فى قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه. فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا ».
وكان أبو سعيد الخدرى يقول إن لم تصدقونى بهذا الحديث فاقرءوا إن شئتم (إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) « فيقول الله عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما فيلقيهم فى نهر فى أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة فى حميل السيل ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض ». فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعى بالبادية قال « فيخرجون كاللؤلؤ فى رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه ثم يقول ادخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم.
فيقولون ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين. فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا أي شيء أفضل من هذا. فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا[8].
وفي لفظ :"
فهذا الحديث العظيم وغيره من أحاديث الشفاعة التي لا يرفعون بها رأسا خوارج العصر ويؤولونه حلى حسب أهوائهم والدلالة منه واضحة لمن لم تنتكس فطرته بالأهواء المضلة وهو على النحو التالي :
القسم الأول :
قوم كانوا في حياتهم الدنيا أهل صلاة وصلاة وزكاة ونحو ذلك من الأعمال الصالحة الظاهرة، لكن أوبقتهم ذنوبهم في النار فشفع فيهم إخوانهم من أهل الإيمان بإذن الله تعالى.
القسم الثاني :
قوم لا يعرفهم إخوانهم بهذه الأعمال العظيمة الظاهرة في الحياة الدنيا ،ولكنه سبحانه جلّ وعز أعلمهم بما في قلوبهم من أصل الإيمان ،فيشفعون فيهم بإذن الله تعالى ويخرجونهم من النار وذلك من كان في قلبه مثقال دينار ، ثم نصف دينار، ثم ذرة، ثم أدنى ذرة، ثم أدنى أدنى أدنى ذرة.
القسم الثالث:
يبقى أقوام في النار -أجارني الله وإياكم منها- لا يعلم بهم إلا خالقهم وليس عندهم إلا أصل الإيمان ولم يكن لهم أيّ قدر زائد على ذلك الأصل ،وهم الذين لم يعملوا خيرا قط وذلك بغير عمل عملوه ولا خير قدّموه ،فيخرجهم الله برحمته وفضله وكرمه وجوده وإحسانه –وإن رغمت أنوف الحدادية الخوارج -.
فوجه الشاهد من هذا الحديث العظيم هو: أنه صلى الله عليه وسلم بين أنهم لم يقيموا شعيرة الصلاة ولا شعيرة الزكاة ولا شعيرة الصيام ولا شعيرة الحج ولا نحو ذلك من الأعمال الصالحة مع ذلك كله يخرجهم الله برحمته وفضله من النار.
ـ وقوله صلى الله عليه وسلم :" فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط"،كما ثبت كذلك في حديث "البطاقة" وحديث "المسرف على نفسه" ،فوجه الشاهد منه أنه ترك الأعمال مع إقراره ونطقه بكلمة التوحيد ونجى برحمة رب العالمين ،ولو كان كافرا لما أخرجه الله من النار فهذه الرواية الصحيحة الصريحة من النبي صلى الله عليه وسلم تمنع من التكفير والتخليد وتوجب الرجاء له ما يرجى لسائر أهل الكبائر وذلك لأن الخروج من النار يكون على ثلاثة أصناف ومن ذلك ما يكون بأصل الإيمان لا بعمل الجوارح.
ولفظة :"بغير عمل عملوه ولا خير قدموه"صريح بأن هؤلاء الخراجين بشفاعة رب العالمين لم يأتوا بشيء من العمل سوى توحيدهم بالله تعالى، فلو كان لهم صلاة وزكاة وصيام وحج ونحو ذلك من الأعمال الصالحة لما صح لأهل الجنة أن ينفوا عنهم ذلك ،بل رسول الله صلى الله عليه وسلم نفى عنهم العمل فقال :"لم يعملوا خيرا قط"، ثم هؤلاء لو كان لهم من الأعمال الصالحة كالصلاة ونحوها فما الذي ميّزهم عن غيرهم ممن دخلوا الجنة؟
فدل هذا الحديث العظيم الذي يدل على سعة رحمة رب العالمين -والذي نسأله جل وعلا أن يحرمه الذي حجّره على أناس معينين كفعل الحدادية المكّفرين للمسلمين- .
قال ابن حزم رحمه الله في "الفصل"(4/90): قد بين عليه السلام ذلك بأنه يخرج من النار من في قلبه مثقال حبة من شعير من خير ثم من في قلبه مثقال برة من خير ثم من في قلبه مثقال حبة من خردل ثم من في قلبه مثقال ذرة إلى أدني أدني أدنى من ذلك ثم من لم يعمل خيرا قط إلا شهادة السلام فوجب الوقوف عند هذه النصوص كلها المفسرة للنص المجمل.اهـ
ولفظة:"خيرا"نكرة في سياق النفي تفيد العموم كما هو مقرر فيكون المعنى : لم يعملوا أي عمل خير سوى إتيانهم بالشهادتين مع الإيمان بها .
ولفظة :"قط" لإثبات أن النفي على حقيقته،والأصل إبقاء الكلام على حقيقته دون تأويل ولا تحريف لمعانيه،وهذا الحديث العظيم من النصوص المحكمات الذي تقلته الأمة بالقبول وآمنوا وصدقوا بما جاء فيه من الأخبار ولم ينقل عن أحد من السلف أنه قال في مثل هذه النصوص أنها من المتشابهات.
الدليل الثاني :
ويدل على ذلك أيضا حديث البطاقة ،فعن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يستخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئا أظلمك كتبتي الحافظون فيقول لا يا رب فيقول أفلك عذر فقال لا يا رب فيقول الله تعالى بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقول احضر وزنك فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فقال فإنك لا تظلم فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء[9].
الدليل الثالث :
ومن الأحاديث الصحيحة الصريحة التي تدل على أن تارك عمل الجوارح لا يكفر وأنه مسلم عاص إذا أتى باعتقاد القلب وقول اللسان ما ثبت من حديث عن أبي هريرة مرفوعا قال :
كان رجل ممن كان قبلكم لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد فلما احتضر قال لأهله أنظروا إذا أنا مت أن يحرقوه حتى يدعوه حمما ثم اطحنوه ثم أذروه في يوم ريح فلما مات فعلوا ذلك به فإذا هو في قبضة الله فقال الله عز وجل يا ابن آدم ما حملك على ما فعلت قال أي رب من مخافتك قال فغفر له بها ولم يعمل خيرا قط إلا التوحيد[10].
الدليل الرابع :
عن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها فقال له صلة ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة فأعرض عنه حذيفة ثم ردها عليه ثلاثا كل ذلك يعرض عنه حذيفة ثم أقبل عليه في الثالثة فقال يا صلة تنجيهم من النار ثلاثا[11].
الدليل الخامس :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره أصابه قبل ذلك ما أصابه[12].
والأحاديث في ذلك كثيرة لا تعد ولا تحصى التي تبين فضل كلمة التوحيد وأن صاحبها تحت مشيئة الله ولو أتى ما أتى من الذنوب والموبقات ماخلا الشرك بالله تعالى .
خامسا :
أقوال أهل العلم في تارك العمل :

1 ـ الإمام أحمد رحمه الله :
قال الخلال في "السنة" (1/588): "أخبرنا محمد بن علي قال ثنا صالح قال سألت أبي ما زيادته ونقصانه قال زيادته العمل ونقصانه ترك العمل مثل تركه الصلاة والزكاة والحج وأداء الفرائض فهذا ينقص ويزيد بالعمل وقال إن كان قبل زيادته تاما فكيف يزيد التام فكما يزيد كذا ينقص وقد كان وكيع قال ترى إيمان الحجاج مثل إيمان أبي بكر وعمر رحمهما الله".
وقال رحمه الله في رسالته المشهورة لمسدد بن مسرهد : "والإيمان قول وعمل يزيد وينقص زيادته إذا أحسنت ونقصانه إذا أسأت ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام ولا يخرجه من الإسلام شيء إلا الشرك بالله العظيم أو يرد فريضة من فرائض الله عز وجل جاحدا بها فإن تركها كسلا أو تهاونا كان في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه[13]".
2 ـ الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله.
قال رحمه الله -عن طائفة ثانية من أهل الحديث تفرق بين الإسلام والإيمان- في كتابه "تعظيم قدر الصلاة" (2/519-520)-وهو يحكي مذهب طائفة من أهل الحديث ممن يفرقون بين الإيمان والإسلام- :
" ولكنا نقول للإيمان أصل وفرع وضد الإيمان الكفر في كل معنى .
فأصل الإيمان الإقرار والتصديق, وفرعه إكمال العمل بالقلب والبدن، فضد الإقرار والتصديق الذي هو أصل الإيمان الكفر بالله وبما قال وترك التصديق به وله .
وضد الإيمان الذي هو عمل وليس هو إقرار كفر ليس بكفر بالله ينقل عن الملة ولكن كفر يضيع العمل كما كان العمل إيمانا, وليس هو الإيمان الذي هو إقرار كان من ترك الإيمان الذي هو إقرار بالله كافرا يستتاب، ومن ترك الإيمان الذي هو عمل مثل الزكاة والحج والصوم أو ترك الورع عن شرب الخمر والزنا فقد زال عنه بعض الإيمان ولا يجب أن يستتاب عندنا ولا عند من خالفنا من أهل السنة وأهل البدع ممن قال إن الإيمان تصديق وعمل إلا الخوارج وحدها .
فكذلك لا يجب بقولنا كافر من جهة تضييع العمل أن يستتاب ولا يزول عنه الحدود وكما لم يكن بزوال الإيمان الذي هو عمل استتابته ولا إزالة الحدود عنه إذ لم يزل أصل الإيمان عنه, فكذلك لا يجب علينا استتابته وإزالة الحدود والأحكام عنه بإثباتنا له اسم الكفر من قبل العمل إذ لم يأت بأصل الكفر الذي هو جحد بالله أو بما قال .
قالوا: ولما كان العلم بالله إيمانا والجهل به كفرا, وكان العمل بالفرائض إيمانا والجهل بها قبل نزولها ليس بكفر وبعد نزولها من لم يعملها ليس بكفر، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقروا بالله في أول ما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم إليهم ولم يعملوا الفرائض التي افترضت عليهم بعد ذلك فلم يكن جهلهم ذلك كفرا ثم أنزل الله عليهم هذه الفرائض فكان إقرارهم بها والقيام بها, إيمانا وإنما يكفر من جحدها لتكذيبه خبر الله, ولو لم يأت خبر من الله ما كان بجهلها كافرا, وبعد مجيء الخبر من لم يسمع بالخبر من المسلمين لم يكن بجهلها كافرا والجهل بالله في كل حال كفر قبل الخبر وبعد الخبر .
قالوا: فمن ثم قلنا إن ترك التصديق بالله كفر به, وأن ترك الفرائض مع تصديق الله أنه أوجبها كفر ليس بكفر بالله، إنما هو كفر من جهة ترك الحق كما يقول القائل كفرتني حقي ونعمتي يريد ضيعت حقي وضيعت شكر نعمتي .
قالوا: ولنا في هذا قدوة بمن روى عنهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين إذ جعلوا للكفر فروعا دون أصله لا تنقل صاحبه عن ملة الإسلام كما ثبتوا للإيمان من جهة العمل فرعا للأصل لا ينقل تركه عن ملة الإسلام ".
ثم قال رحمه الله كما في (2/513) : " قال : ثم أوجب الله النار على الكبائر، فدل بذلك على أن اسم الإيمان زائل عن من أتى كبيرة، قالوا: ولم نجد الله أوجب الجنة باسم الإسلام فثبت أن اسم الإسلام له ثابت على حاله، واسم الإيمان زائل عنه .
فإن قيل لهم في قولهم هذا: ليس الإيمان ضد الكفر .
قالوا: الكفر ضد لأصل الإيمان لأن للإيمان أصلا وفرعا فلا يثبت الكفر حتى يزول أصل الإيمان الذي هو ضد الكفر " . اهـ
وقال رحمه الله أيضا في "تعظيم قدر الصلاة" (2/712-713) وهو يرد على المرجئة :
" ثم حَدَّ الإيمان في قلوب أهل النار من المؤمنين؛ فأخبر عن الله عز وجل أنه يقول: (أخرجوا من في قلبه مثقال دينار من إيمان، مثقال نصف دينار، مثقال شعيرة، مثقال ذرة، مثقال خردلة ) فمن زعم أن ما كان في قلوبهم من الإيمان مستويا في الوزن فقد عارض قول النبي صلى الله عليه وسلم بالرد، ومن قال: الذي في قلبه مثقال ذرة ليس بمؤمن ولا مسلم فقد رد على الله وعلى رسوله إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة مؤمنة) فقد حرم الله الجنة على الكافرين وقد جزأ النبي صلى الله عليه وسلم ما في قلوبهم من الإيمان بالقلة والكثرة ثم أخبر أن أقلهم إيمانا قد أدخل الجنة فثبت له بذلك اسم الإيمان، فإذا كان أقلهم إيمانا يستحق الاسم والآخرون أكثر منه إيمانا دل ذلك أن له أصلا وفرعا يستحق اسمه من يأتي بأصله، ويتأولون في الزيادة بعد أصله فتركوا أن يضربوا النخلة مثلا للإيمان مثلا كما ضربه الله عز وجل ويجعل الإيمان له شعبا كما جعله الرسول صلى الله عليه وسلم فيشهدوا بالأصل وبالفروع ويشهدوا بالزيادة إذا أتى بالأعمال كما أن النخلة فروعها وشعبها أكمل لها وهي مزدادة بعد ما ثبت الأصل شعبا وفرعا، فقد كان يحق عليهم أن ينزلوا المؤمن بهذه المنزلة؛ فيشهدوا له بالإيمان إذ أتى بالإقرار بالقلب واللسان، ويشهدوا له بالزيادة كلما ازداد عملا من الأعمال التي سماها النبي صلى الله عليه وسلم شعبا للإيمان وكان كلما ضيع منها شعبة علموا أنه من الكمال أنقص من غيره ممن قام بها فلا يزيلوا عنه اسم الإيمان حتى يزول الأصل.اهـ
3 ـ الإمام أبو بكر بن خزيمة رحمه الله .
- قال رحمه الله تعالى في كتابه التوحيد (2/696) في باب من أبواب الإيمان :
" باب ذكر البيان أن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع للشاهد لله بالتوحيد الموحد لله بلسانه إذا كان مخلصا ومصدقا بذلك بقلبه لا لمن تكون شهادته بذلك منفردة عن تصديق القلب " وساق دليله .
وقال رحمه الله أيضا في (2/693) :
" باب ذكر خبر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في إخراج شاهد أن لا إله إلا الله من النار أفرق أن يسمع به بعض الجهال فيتوهم أن قائله بلسانه من غير تصديق قلب يخرج من النار، جهلا وقلة معرفة بدين الله وأحكامه، ولجهلة بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم مختصرها ومتقصّاها، وإِنّا لِتَوَهُّم بعض الجهال أنَّ شاهد لا إله إلا الله، من غير أن يشهد أن لله رسلا وكتبا وجنة ونارا وبعثا وحسابا يدخل الجنة: أشدُّ فرقا؛ إذ أكثر أهل زماننا لا يفهمون هذه الصناعة ولا يميزون بين الخبر المتقصِّي وغيره، وربما خفي عليهم الخبر المتقصي، فيحتجون بالخبر المختصر، يترأسون قبل التعلم، قد حرموا الصبر على طلب العلم، ولا يصبروا حتى يستحقوا الرئاسة فيبلغوا منازل العلماء " .
وقال رحمه الله في (2/699) : " باب ذكر خبر دال على صحة ما تأولت إنما يخرج من النار شاهد أن لا إله إلا الله إذا كان مصدقا بقلبه بما شهد به لسانه إلا أنه كنى عن التصديق بالقلب بالخير فعاند بعض أهل الجهل والعناد، وادعى أن ذكر الخير في هذا الخبر ليس بإيمان قلة علم بدين الله وجرأة على الله في تسمية المنافقين مؤمنين " .
وقال رحمه الله في (2/702-703) : " باب ذكر الأخبار المصرحة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: إنما يخرج من النار من كان في قلبه في الدنيا إيمان دون من لم يكن في قلبه في الدنيا إيمان ممن كان يقر بلسانه بالتوحيد خاليا قلبه من الإيمان مع البيان الواضح أن الناس يتفاضلون في إيمان القلب، ضد قول من زعم من غالية المرجئة أن الإيمان لا يكون في القلب، وخلاف قول من زعم من غير المرجئة أن الناس إنما يتفاضلون في إيمان الجوارح الذي هو كسب الأبدان؛ فإنهم زعموا أنهم متساوون في إيمان القلب الذي هو التصديق وإيمان اللسان الذي هو الإقرار، مع البيان أن للنبي صلى الله عليه وسلم شفاعات يوم القيامة على ما قد بينت قبل لا أن له شفاعة واحدة فقط " .
4 ـ الإمام أبو محمد الحسن بن علي البربهاري رحمه الله.
قال رحمه الله في "شرح السنة" (ص41 ):" ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئا من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يذبح لغير الله، أو يصلي لغير الله، وإذا فعل شيئا من ذلك فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام، فإذا لم يفعل شيئا من ذلك فهو مؤمن ومسلم بالاسم لا بالحقيقة " .
5 ـ الإمام ابن بطة العكبري رحمه الله .
قال رحمه الله في "الإبانة الكبرى"(1/286): فقد علم العقلاء من المؤمنين ومن شرح الله صدره ، ففهم هذا الخطاب من نص الكتاب وصحيح الرواية بالسنة أن كمال الدين وتمام الإيمان إنما هو بأداء الفرائض ، والعمل بالجوارح مثل : الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والجهاد مع القول باللسان ، والتصديق بالقلب.اهـ
وقال رحمه الله في "الإبانة الصغرى" (ص183) : "ويخرج الرجل من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام إلا الشرك بالله العظيم، أو برد فريضة من فرائض الله جاحدا بها، فإن تركها تهاونا أو كسلا كان في مشيئة الله " .
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "شرح العمدة"(4/72) عن الإمام ابن بطة رحمه الله تعالى الأدلة التي استدلَّ بها على عدم كفر تارك الصلاة؛ ثم نقل عنه قوله: ولأنَّ الصلاة عمل من أعمال الجوارح: فلم يكفر بتركه كسائر الأعمال المفروضة، ولأنَّ من أصول أهل السنة: أنَّهم لا يُكفِّرون أحداً من أهل السنة بذنب، ولا يُخرجونه من الإسلام بعمل؛ بخلاف ما عليه الخوارج، وإنما الكفر بالاعتقادات))
6 ـ الحافظ البيهقي رحمه الله.
قال رحمه الله تعالى في كتابه "الاعتقاد"[14] (ص191-192): "ذهب أكثر أصحاب الحديث إلى أن اسم الإيمان يجمع الطاعات فرضها ونفلها وأنها على ثلاثة أقسام:
1- فقسم يكفر بتركه وهو اعتقاد ما يجب اعتقاده والإقرار بما اعتقده .
2 - وقسم يفسق بتركه أو يعصي ولا يكفر به إذا لم يجحده وهو مفروض الطاعات كالصلاة والزكاة والصيام والحج واجتناب المحارم .
3 - وقسم يكون بتركه مخطئا للأفضل غير فاسق ولا كافر وهو ما يكون من العبادات تطوعا ".
أقول : الحافظ البيهقي رحمه الله يحكي مذهب أكثر أهل الحديث في أن اسم الإيمان يجمع الطاعات فرضها ونفلها، وأن المؤمن لا يكفر إلا بترك ما يجب اعتقاده والإقرار به، وأنه يفسق بتركه الطاعات ولا يكفر إلا إذا كان جاحدا لوجوب هذه الطاعات .
وقوله هذا يوافق ما قرره ونقله الإمامان ابن نصر وابن عبد البر رحم الله الجميع. اهـ
- وقال رحمه الله في كتابه شعب الإيمان (1/92) (طبعة دار الرشد. ت: د/عبد العلي): "باب الدليل على أن التصديق بالقلب والإقرار باللسان أصل الإيمان وأن كليهما شرط في النقل عن الكفر عند عدم العجز.
قال الله تعالى : {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق...} الآية، فأمر المؤمنين أن يقولوا آمنا بالله، وقال الله عز وجل: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم } فأخبر أن القول العاري عن الاعتقاد ليس بإيمان وأنه لو كان في قلوبهم إيمان لكانوا مؤمنين لجمعهم بين التصديق بالقلب والقول باللسان ودلت السنة على مثل ما دل عليه الكتاب .
- وقال رحمه الله في الكتاب نفسه (1/109) تحت باب : الدليل على أن الطاعات كلّها إيمان، وبعد أن ذكر الأدلة من الكتاب والسنة على أن العمل من الإيمان: " وأما قول الله عز وجل : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات ...} فأفرد العمل الصالح بالذكر، وقد قال أيضا : { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر } فأفرد التواصي بالحق والتواصي بالصبر بالذكر، ولم يدل ذلك على أنهما ليسا من الأعمال الصالحة .
فكذلك قوله : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات } لا يدل على أن عمل الصالحات ليس بإيمان، وإنما معناه أن الذين آمنوا أقلّ الإيمان -وهو الناقل عن الكفر- ثم لم يقتصروا عليه، ولكنهم ضموا إليه الصالحات، فعملوها حتى ارتقى إيمانهم من درجة الأقل إلى الأكمل " .
7 ـ الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر رحمه الله .
قال رحمه الله في "التمهيد" (4/186) -في شرح حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه (خمس صلوات كتبهن الله..)- : " وفيه دليل على أن من لم يصل من المسلمين في مشيئة الله، إذا كان موحدا مؤمنا بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مصدقا مقرا وإن لم يعمل، وهذا يرد قول المعتزلة والخوارج بأسرها .
ألا ترى أن المقر بالإسلام في حين دخوله فيه يكون مسلما قبل الدخول في عمل الصلاة وصوم رمضان بإقراره واعتقاده وعقدة نيته؛ فمن جهة النظر لا يجب أن يكون كافرا إلا برفع ما كان به مسلما وهو الجحود لما كان قد أقر به واعتقده والله أعلم " .
وقال رحمه الله في (6/344-345) -معلقا على حديث المسرف على نفسه-:" روي من حديث أبي رافع عن أبي هريرة في هذا الحديث أنه قال: (قال رجل لم يعمل خيرا قط إلا التوحيد) وهذه اللفظة إن صحت رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل وإن لم تصح من جهة النقل فهي صحيحة من جهة المعنى .
والأصول كلها تعضدها والنظر يوجبها؛ لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار؛ لأن الله عز وجل قد أخبر أنه لا يغفر أن يشرك به لمن مات كافرا، وهذا ما لا مدفع له ولا خلاف فيه بين أهل القبلة .
وفي هذا الأصل ما يدلك على أن قوله في هذا الحديث: (لم يعمل حسنة قط) أو (لم يعمل خيرا قط )لم يعنِ به إلا ما عدا التوحيد من الحسنات والخير، وهذا شائع في لسان العرب جائز في لغتها أن يؤتى بلفظ الكل والمراد البعض " .
8 ـ الإمام ابن البناء رحمه الله .
قال رحمه الله في "الرد على المبتدعة" (ص 195):
"فصل وشفاعة نبينا -صلى الله عليه وسلم- في أهل الكبائر من أمته؛ خلافاً للقدرية في قولهم: (ليس له شفاعة).
ومن دخل النار عقوبة خرج منها عندنا؛ بشفاعته، وشفاعة غيره، ورحمة الله عز وجل؛ حتى لا يبقى في النار واحد قال مرة واحدة في دار الدنيا: لا إله إلا الله مخلصاً، وآمن به، وإن لم يفعل الطاعات بعد ذلك".
9 ـ العلامة أبو محمد اليمني رحمه الله[15].
قال رحمه الله في كتابه "عقائد الثلاث وسبعين فرقة" (1/313): "وأما مقالة الفرقة السابعة التي هي أهل السنة والجماعة؛ فإنهم قالوا: الإيمان إقرار باللسان ومعرفة بالقلب وعمل بالجوارح، وكل خصلة من خصال الطاعات المفروضة إيمان، فعلى هذا الإيمان عندهم التصديق، وموضعه القلب والمعبر عنه باللسان، وظاهر الدليل عليه بعد الإقرار شهادة الأركان، وهي ثلاثة أشياء : شهادة، واعتقاد، وعمل .
فالشهادة تحقن الدم وتمنع المال وتوجب أحكام الله .
والعمل يوجب الديانة والعدالة، وهذان ظاهران يوجبان الظاهرة الشريعة.
فأما العقيدة فإنها تظهرها الآخرة؛ لأنها خفية لا يعلمها إلا الله .
فمن ترك العقيدة بالقلب وأظهر الشهادة فهو منافق، ومن اعتقدها بقلبه وعبّر عنها لسانه وترك العمل بالفرائض عصياناً منه فهو فاسق غير خارج بذلك عن إيمانه، لكنه يكون ناقصا، وتجري عليه أحكام المسلمين، اللهم إلا إن تركها وهو جاحد بوجوبها فهو كافر حلال الدم ويجب قتله "
10 ـ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
قال رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (7/610-611) بعد تكفيره لجاحد هذه الفرائض، أو استحلاله المحرمات الظاهرة المتواتر تحريمها- حيث قال :
وأما مع الإقرار بالوجوب إذا ترك شيئا من هذه الأركان الأربعة ففي التكفير أقوال للعلماء هي روايات عن أحمد :
أحدها : أنه يكفر بترك واحد من الأربعة حتى الحج، وإن كان في جواز تأخيره نزاع بين العلماء فمتى عزم على تركه بالكلية كفر، وهذا قول طائفة من السلف، وهي إحدى الروايات عن أحمد إختارها أبو بكر
والثاني : أنه لا يكفر بترك شيء من ذلك مع الاقرار بالوجوب، وهذا هو المشهور عند كثير من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وهو إحدى الروايات عن أحمد اختارها ابن بطة وغيره .
والثالث : لا يكفر إلا بترك الصلاة، وهي الرواية الثالثة عن أحمد وقول كثير من
السلف، وطائفة من أصحاب مالك، والشافعى، وطائفة من أصحاب أحمد .
والرابع : يكفر بتركها وترك الزكاة فقط .
والخامس : بتركها، وترك الزكاة إذا قاتل الإمام عليها دون ترك الصيام والحج.اهـ
وقال رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (7/302)): وقد اتفق المسلمون على أن من لم يأت بالشهادتين؛ فهو كافر، وأما الأعمال الأربعة، فاختلفوا في تكفير تاركها، ونحن إذا قلنا: أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب؛ فإنما نريد به المعاصي، كالزنا والشرب، وأما هذه المباني، ففي تكفير تاركها نزاع مشهور، وعن أحمد في ذلك نزاع، وإحدى الروايات عنه: أنه يكفر من ترك واحدة منها، وهو اختيار أبي بكر وطائفة من أصحاب مالك، كابن حبيب، وعنه رواية ثانية: لا يكفر إلا بترك الصلاة والزكاة فقط، ورواية ثالثة: لا يكفر إلا بترك الصلاة والزكاة، إذا قاتل الإمام عليها، ورابعة: لا يكفر إلا بترك الصلاة، وخامسة: لا يكفر بترك شيء منهن، وهذه أقوال معروفة للسلف.اهـ
وقال رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (7/637): "ثم هو في الكتاب بمعنيين‏:‏ أصل وفرع واجب، فالأصل الذي في القلب وراء العمل؛ فلهذا يفرق بينهما بقوله‏:‏ ‏{‏آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}‏ ‏[‏البينة‏:‏7‏]‏ والذي يجمعهما كما في قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏2‏]‏، و ‏{‏لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏44‏]‏‏.‏ وحديث الحياء، ووفد عبد القيس .
وهو مركب من أصل لا يتم بدونه، ومن واجب ينقص بفواته نقصًا يستحق صاحبه العقوبة، ومن مستحب يفوت بفواته علو الدرجة، فالناس فيه ظالم لنفسه ومقتصد وسابق، كالحج وكالبدن والمسجد وغيرهما من الأعيان، والأعمال والصفات .
فمن سواء أجزائه ما إذا ذهب نقص عن الأكمل، ومنه ما نقص عن الكمال، وهو ترك الواجبات أو فعل المحرمات، ومنه ما نقص ركنه وهو ترك الاعتقاد والقول، الذي يزعم المرجئة والجهمية أنه مسمى فقط، وبهذا تزول شبهات الفرق، وأصله القلب وكماله العمل الظاهر، بخلاف الإسلام فإن أصله الظاهر، وكماله القلب‏ـ " . اهــ
فهذه النقولات عن شيخ الإسلام وغيره توضح وضوحا جليا لا يحتمل التأويل أن تارك عمل الجوارح بعد إيمان القلب وإقرار اللسان أن صاحبه مسلم عاص يستحق العذاب وليس بكافر وهو قول من أقوال السلف الصالح وهو رواية عن إمام أهل السنة أحمد رحمه الله، ومن قال به فهو آخذ بقول من أقوال السلف فليس هو من المرجئة وليس من الإرجاء في شيء.
فإن قال عبد الحميد الجهني الحدادي أن شيخ الإسلام قد ردّ هذا القول بأدلة من الوحيين ؟
قلنا له : نعم شيخ الإسلام يكفر تارك العمل لأدلة قامت عنده على ذلك لكنه يثبت أن هذا القول من أقوال السلف فهل انتهيتم إلى من انتهى إليه ؟
وهل رمى من قال به بالإرجاء كما هو صنيعكم المشين مع الشيخين الألباني و ربيع وغيرهما من أهل السنة ؟
وليس البحث معكم في هذه المسألة من حيث الراجح من المرجوح من أقوال السلف المتقدمة التي ذكرها شيخ الإسلام.
وإنما البحث معكم يا أيها الحدادية فيما يلي : هل القول أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ومن ترك عمل الجوارح بعد الإقرار باللسان وإيمان القلب وعدم تكفيره يعد قائل ذلك مرجئا؟؟
وهل قوله موافق لقول المرجئة ؟؟
وهل قوله مخالف لإجماع السلف الصالح؟؟
وهل المرجئة تقول بهذا القول ؟؟
وبهذا يتبن أن هذا القول ليس أصحابه من المرجئة ولا وافقوا المرجئة كيف و الإمام أحمد يوافقهم في رواية من رواياته ؟
11 ـ شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله :
قال –رحمه الله- في كتابه "حادي الأرواح" (ص272-273):
"الوجه العشرون انه قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري في حديث الشفاعة فيقول عز وجل شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما، فيلقيها في نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل فيقول أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه و لا خير قدموه، فهؤلاء أحرقتهم النار جميعهم فلم يبق في بدن أحدهم موضع لم تمسه النار بحيث صاروا حمما وهو الفحم المحترق بالنار وظاهر السياق أنه لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير، فإن لفظ الحديث هكذا فيقول: "ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيرا فيقول الله عز و جل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض الله قبضة من نار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط"، فهذا السياق يدل على أن هؤلاء لم يكن في قلوبهم مثقال ذرة من خير ومع هذا فأخرجتهم الرحمة.
ومن هذا رحمته سبحانه وتعالى للذي أوصى أهله أن يحرقوه بالنار ويذروه في البر والبحر زعما منه بأنه يفوت الله سبحانه وتعالى فهذا قد شك في المعاد والقدرة ولم يعمل خيرا قط ومع هذا فقال له ما حملك على ما صنعت؟ قال خشيتك وأنت تعلم فما تلافاه أن رحمه الله، فلله سبحانه وتعالى في خلقه حكم لا تبلغه عقول البشر وقد ثبت في حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله قال: (يقول الله عز و جل أخرجوا من النار من ذكرني يوما أو خافني في مقام)".
12 ـ- الإمام أبو الفداء إسماعيل بن كثير رحمه الله.
قال رحمه الله -عند تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ. خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} (هود: 106-107)-: "وقد اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء على أقوال كثيرة حكاها الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في كتابه (زاد المسير) وغيره من علماء التفسير، ونقل كثيرا منها الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله في كتابه، واختار هو ما نقله عن خالد بن معدان والضحاك وقتادة وابن سنان، ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أيضا: أن الاستثناء عائد على العصاة من أهل التوحيد ممن يخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين من الملائكة والنبيين والمؤمنين حتى يشفعون في أصحاب الكبائر ثم تأتي رحمة أرحم الراحمين فتخرج من النار من لم يعمل خيرا قط وقال يوما من الدهر لا إله إلا الله كما وردت بذلك الأخبار الصحيحة المستفيضة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمضمون ذلك من حديث أنس وجابر وأبي سعيد وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها ولا محيد له عنها وهذا الذي عليه كثير من العلماء قديما وحديثا في تفسير هذه الآية الكريمة " .
13 ـ الإمام ابن رجب رحمه الله .
قال رحمه الله كما في "في فتح الباري (1/285) -بعد ذكر حديث أبي سعيد في الشفاعة-: و المراد بقوله : "لم يعملوا خيرا قط " من أعمال الجوارح و إن كان أصل التوحيد معهم و لهذا جاء في حديث الذي أمر أهله أن يحرقوه بعد موته بالنار إنه لم يعمل خيرا قط غير التوحيد خرجه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا و من حديث ابن مسعود موقوفا
و يشهد لهذا ما في " حديث أنس عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم في حديث الشفاعة قال : فأقول : يا رب ائذن لي فيمن يقول لا إله إلا الله فيقول : و عزتي و جلالي و كبريائي و عظمتي لأخرجن من النار من قال : لا إله إلا الله " خرجاه في الصحيحين و عند مسلم : "فيقول : ليس ذلك لك أو ليس ذلك إليك " وهذا يدل على أن الذين يخرجهم الله برحمته من غير شفاعة مخلوق هم أهل كلمة التوحيد الذين لم يعملوا معها خيرا قط بجوارحهم .اهـ
وقال أيضا في (1/112) : " ومعلوم أن الجنة إنما يستحق دخولها بالتصديق بالقلب مع شهادة اللسان، وبهما يخرج من يخرج من أهل النار فيدخل الجنة، كما سبق ذكره " .
14 ـ العلامة محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني رحمه الله :
قال رحمه الله في كتابه "رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار" (ص132): "وهذا الحديث فيه الإخبار بأن الملائكة قالت: (لم نذر فيها خيرا) أي: أحدا فيه خير والمراد ما علموه بإعلام الله. ويجوز أن يقال: لم يعلمهم بكل من في قلبه خير وأنه بقي من أخرجهم بقبضته ويدل له أن لفظ الحديث ( أنه أخرج بالقبضة من لم يعملوا خيرا قط ) فنفى العمل ولم ينف الاعتقاد وفي حديث الشفاعة تصريح بإخراج قوم لم يعملوا خيرا قط ويفيد مفهومه أن في قلوبهم خيرا . ثم سياق الحديث يدل على أنه أريد بهم أهل التوحيد لأنه تعالى ذكر الشفاعة للملائكة والأنبياء والمؤمنين ومعلوم أن هؤلاء يشفعون بعصاة أهل التوحيد " .
15 ـ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله :
قال رحمه الله كما في "الدرر السنية" (1/102 ـ 104): في جوابه عمّا يقاتل عليه، وعما يكفر الرجل به؟
فأجاب بقوله : أركان الإسلام الخمسة، أولها الشهادتان، ثم الأركان الأربعة ؛ فالأربعة : إذا أقر بها، وتركها تهاوناً، فنحن وإن قاتلناه على فعلها، فلا نكفره بتركها ؛ والعلماء : اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود ؛ ولا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان
وأيضاً : نكفره بعد التعريف إذا عرف وأنكر، فنقول : أعداؤنا معنا على أنواع .
النوع الأول : من عرف أن التوحيد دين الله ورسوله الذي أظهرناه للناس وأقر أيضاً : أن هذه الاعتقادات في الحجر والشجر والبشر الذي هو دين غالب الناس : أنه الشرك بالله الذي بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم ينهي عنه ويقاتل أهله ليكون الدين كله لله ومع ذلك : لم يلتفت إلى التوحيد ولا تعلمه ولا دخل فيه ولا ترك الشرك فهو كافر نقاتله بكفره لأنه عرف دين الرسول، فلم يتبعه وعرف الشرك فلم يتركه مع أنه لا يبغض دين الرسول ولا من دخل فيه ولا يمدح الشرك ولا يزينه للناس .
النوع الثاني : من عرف ذلك ولكنه تبين في سب دين الرسول مع ادعائه أنه عامل به وتبين في مدح، من عبد يوسف والأشقر ومن عبد أبا علي والخضر من أهل الكويت وفضلهم على من وحد الله وترك الشرك فهذا أعظم من الأول وفيه قوله تعالى : ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) [البقرة:89] وهو ممن قال الله فيه : ( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ) [التوبة:12] .
النوع الثالث : من عرف التوحيد، وأحبه، واتبعه، وعرف الشرك، وتركه، ولكن : يكره من دخل في التوحيد، ويحب من بقي على الشرك، فهذا أيضاً : كافر، فيه قوله تعالى : ( ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ) [محمد:9].
النوع الرابع : من سلم من هذا كله ولكن أهل بلده : يصرحون بعداوة أهل التوحيد واتباع أهل الشرك وساعين في قتالهم، ويتعذر : أن ترك وطنه يشق عليه، فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده، ويجاهد بماله ونفسه فهذا أيضاً : كافر فإنهم لو يأمرونه بترك صوم رمضان ولا يمكنه الصيام إلا بفراقهم، فعل ولو يأمرونه بتزوج امرأة أبيه ولا يمكنه ذلك إلا بفراقهم فعل وموافقتهم على الجهاد معهم.
بنفسه وماله مع أنهم يريدون بذلك قطع دين الله ورسوله : أكبر من ذلك بكثير كثير ؛ فهذا أيضاً : كافر وهو ممن قال الله فيهم : ( ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم - إلى قوله - سلطاناً مبيناً ) [النساء:91] فهذا الذي نقول .
وأما الكذب والبهتان فمثل قولهم : إنا نكفر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه وإنا نكفر من لم يكفر ومن لم يقاتل، ومثل هذا وأضعاف أضعافه فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله .
وإذا كنا : لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم، فكيف نكفّر من لم يشرك بالله ؟! إذا لم يهاجر إلينا، أو لم يكفر ويقاتل ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) [النور:16]
بل نكفر تلك الأنواع الأربعة لأجل محادتهم لله ورسوله فرحم الله امرءاً نظر نفسه وعرف أنه ملاق الله الذي عنده الجنة والنار وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .اهـ
16 ـ الإمام عبد الرحمن بن حسن رحمه الله :
قال كما في "الدرر السنية" (1/317): "سألني الشريف عما نقاتل عليه، وما نكفّر به؟ فقال في الجواب: إنا لا نقاتل إلا على ما أجمع عليه العلماء كلهم، وهو الشهادتان بعد التعريف، إذا عرف ثم أنكر فنقول: أعداؤنا معنا على أنواع ثم ذكر هذه الأنواع... "
17 ـ الإمام عبداللطيف بن عبد الرحمن رحمه الله :
قال رحمه الله كما في "الدرر السنية" ": ( 1 / 479 ) أن الإيمان مركب، من قول وعمل، والقول قسمان: قول القلب، وهو: اعتقاده; وقول اللسان، وهو: التكلم بكلمة الإسلام; والعمل قسمان: عمل القلب، وهو: قصده، واختياره، ومحبته، ورضاه، وتصديقه; وعمل الجوارح، كالصلاة، والزكاة، والحج، والجهاد، ونحو ذلك من الأعمال الظاهرة; فإذا زال تصديق القلب، ورضاه، ومحبته لله، وصدقه، زال الإيمان بالكلية; وإذا زال شيء من الأعمال، كالصلاة، والحج، والجهاد، مع بقاء تصديق القلب، وقبوله، فهذا محل خلاف، هل يزول الإيمان بالكلية، إذا ترك أحد الأركان الإسلامية، كالصلاة، والحج، والزكاة، والصيام، أو لا يزول؟ وهل يكفر تاركه أو لا يكفر؟ وهل يفرق بين الصلاة، وغيرها، أو لا يفرق؟
فأهل السنة مجمعون على أنه لا بد من عمل القلب، الذي هو: محبته، ورضاه، وانقياده; والمرجئة، تقول: يكفي التصديق فقط، ويكون به مؤمنا; والخلاف، في أعمال الجوارح، هل يكفر، أو لا يكفر؟ واقع بين أهل السنة; والمعروف عند السلف: تكفير من ترك أحد المباني الإسلامية، كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج; والقول الثاني: أنه لا يكفر إلا من جحدها.اهـ
18 ـ العلامة سليمان بن سحمان رحمه الله :
وقال رحمه الله في كتابه (الضياء الشارق) (ص35) مطابع الرياض و(ص82) دار العاصمة : " فمن أنكر التكفير جملة فهو محجوج بالكتاب والسنة ومن فرق بين ما فرق الله ورسوله من الذنوب ودان بحكم الكتاب والسنة وإجماع الأمة في الفرق بين الذنوب والكفر فقد أنصف ووافق أهل السنة والجماعة .
ونحن لم نكفر أحداً بذنب دون الشرك الأكبر الذي أجمعت الأمة على كفر فاعله إذا قامت عليه الحجة وقد حكى الإجماع على ذلك غير واحد كما حكاه في الإعلام لابن حجر الشافعي..."
19 ـ العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
قال رحمه الله في "بهجة قلوب الأبرار" ( ص 55 :( واعلم أن من أصول أهل السنة والجماعة: أنه قد يجتمع في العبد خصال خير وخصال شر، وخصال إيمان وخصال كفر أو نفاق. ويستحق من الثواب والعقاب بحسب ما قام به من موجبات ذلك وقد دلّ على هذا الأصل نصوص كثيرة من الكتاب والسنة. فيجب العمل بكل النصوص، وتصديقها كلها. وعلينا أن نتبرأ من مذهب الخوارج الذين يدفعون ما جاءت به النصوص: من بقاء الإيمان وبقاء الدين، ولو فعل الإنسان من المعاصي ما فعل، إذا لم يفعل شيئاً من المنكرات التي تخرج صاحبها من الإيمان. فالخوارج يدفعون ذلك كله، ويرون من فعل شيئاً من الكبائر ومن خصال الكفر أو خصال النفاق خارجاً من الدين، مخلداً في النار. وهذا مذهب باطل بالكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة.اهـ
20 ـ اللجنة الدائمة للإفتاء :
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء كما في "مجموع فتاوى اللجنة الدائمة ( 2 / 39 – 40)" مانصه: :
يقول رجل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ولا يقوم بالأركان الأربعة: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، ولا يقوم بالأعمال الأخرى المطلوبة في الشريعة الإسلامية، هل يستحق هذا الرجل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، بحيث لا يدخل النار ولو لوقت محدود؟
الجواب:
من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله وترك الصلاة والزكاة والحج جاحداً لوجوب هذه الأركان الأربعة أو لواحد منها بعد البلاغ فهو مرتد عن الإسلام يستتاب، فإن تاب قبلت توبته، وكان أهلاً للشفاعة يوم القيامة إن مات على الإيمان.
وإن أصر على إنكاره قتله ولي الأمر لكفره وردته، ولا حظ له في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره يوم القيامة.
وإن ترك الصلاة وحدها كسلاً وفتوراً فهو كافر كفراً يخرج به من ملة الإسلام في أصح قولي العلماء، فكيف إذا جمع إلى تركها ترك الزكاة والصيام وحج بيت الله الحرام؟!
وعلى هذا لا يكون أهلاً لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره إن مات على ذلك.
ومن قال من العلماء: إنه كافر كفراً عملياً لا يخرجه عن حظيرة الإسلام بتركه لهذه الأركان يرى أنه أهل للشفاعة فيه، وإن كان مرتكباً لما هو من الكبائر إن مات مؤمناً.اهـ
قلت : انظر إلى علماء اللجنة الدائمة كيف حكوا قولين للعلماء ورجّحوا أحد القولين ولم يطعنوا في أهل القول الثاني ،ولا شك أن أهل القول الثاني يرجّحون ما ذهبوا إليه وكل طرف يحترم الآخر وهذا يخالف منهج الحدادية الذي فارقوا به أهل السنة.
21 ـ الإمام ابن باز رحمه الله :
هذه بعض الأسئلة وجهت للشيخ العلامة عبدا لعزيز بن باز – رحمه الله – نشرتها مجلة الفرقان في العدد(94 السنة العاشرة شوال 1418هـ ص/ 11))
وهذا نص السؤال وجواب الشيخ رحمه الله :
س1 : هل العلماء الذين قالوا بعدم كفر من ترك أعمال الجوارح مع تلفظه بالشهادتين ووجود أصل الإيمان القلبي. هل هم من المرجئة؟
سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله: لا؛ هذا من أهل السنة والجماعة[16]من قال بعدم كفر تارك الصيام ، أو الزكاة ، أو الحج هذا ليس بكافر، لكن أتى بكبيرة عظيمة، وهو كافر عند بعض العلماء، لكن الصواب لا يكفر كفراً أكبر .
أما تارك الصلاة فالأرجح أنه كفر أكبر إذا تعمد تركها، وأما إذا ترك الزكاة والصيام والحج، فهذا كفر دون كفر،معصية كبيرة من الكبائر، والدليل على هذا أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم - قال عمَّن منع الزكاة: يؤتى به يوم القيامة ويعذب بماله؛ كما دل عليه القرآن: (يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة:35)
أخبر النبي – صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أنه يعذب بماله، بإبله وبقره وغنمه وذهبه وفضته، ثم يرى سبيله بعد هذا إلى الجنة أو إلى النار. دل على أنه لم يكفر، وأنه يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار ، دل على توعده ، قد يدخل النار وقد يكتفي بعذاب البرزخ ولا يدخل النار ، وقد يكون إلى الجنة بعد العذاب الذي في البرزخ.اهـ .
س2 : شيخنا بالنسبة للإجابة على السؤال الأول فهم البعض من كلامك أن الإنسان إذا نطق بالشهادتين ولم يعمل فإنه ناقص الإيمـان ، هل هذا الفهم صحيح ؟
سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: نعم؛ فمن وحد الله وأخلص له العبادة ، وصدق رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، لكنه ما أدى الزكاة ، أو ما صام رمضان ، أو ما حج مم الاستطاعة يكون عاصياً ، أتـى كبيرة عظيمة ، و يتوعد بالنار ، لكن لا يكفر على الصحيح ، أما من ترك الصلاة عمداً فإنه يكفر على الصحيح .
س13: أعمال الجوارح تعتبر شرط كمال في الإيمـان ، أم شرط صحة للإيمـان ؟
سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: أعمال الجوارح منها ما هو كمال ، ومنها ما ينافي الإيمان ، فالصوم يكمل الإيمان ، والصدقة والزكاة من كمال الإيمـان ، وتركها نقص فـي الإيمـان ، وضعف فـي الإيمـان ، ومعصية ، أما الصلاة فالصواب أن تركها كفر – نسأل الله العافية – كفر أكبر ، وهكذا فالإنسان يأتـي بالأعمال الصالحات ، فهذا من كمال الإيمـان أن يكثر من الصلاة ، ومن صوم التطوع ، ومن الصدقات ، فهذا من كمال الإيمـان الذي يقوي به إيمانه." اهـ..
وجاء في "فتاوى نور على الدرب" للإمام ابن باز ( 1 / 27 - 30) : (س : تسأل الأخت وتقول: هل الإيمان بالقلب يكفي لأن يكون الإنسان مسلما بعيدا عن الصلاة والصوم والزكاة؟
فأجاب بقوله :
الإيمان بالقلب لا يكفي عن الصلاة وغيرها، بل يجب أن يؤمن بقلبه وأن الله واحد لا شريك له، وأنه ربه وخالقه، ويجب أن يخصه بالعبادة سبحانه وتعالى، ويؤمن بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه رسول الله حقا إلى جميع الثقلين، كل هذا لا بد منه، فهذا أصل الدين وأساسه كما يجب على المكلف أن يؤمن بكل ما أخبر الله به ورسوله من أمر الجنة والنار والصراط والميزان وغير ذلك مما دل عليه القرآن الكريم والسنة الصحيحة المطهرة، ولابد مع ذلك من النطق بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله كما أنه لابد من الصلاة وبقية أمور الدين، فإذا صلى فقد أدى ما عليه، وإن لم يصل كفر، لأن ترك الصلاة كفر.
أما الزكاة والصيام والحج وبقية الأمور الواجبة إذا اعتقدها وأنها واجبة، ولكن تساهل فلا يكفر بذلك، بل يكون عاصياً، ويكون إيمانه ضعيفاً ناقصاً؛ لأن الإيمان يزيد وينقص، يزيد الإيمان بالطاعات والأعمال الصالحات، وينقص بالمعاصي عند أهل السنة والجماعة.
أما الصلاة وحدها خاصة فإن تركها كفر عند كثير من أهل العلم وإن لم يجحد وجوبها، وهو أصح قولي العلماء، بخلاف بقية أمور العبادات، من الزكاة والصوم والحج ونحو ذلك، فإن تركها ليس بكفر أكبر على الصحيح، ولكن نقص في الإيمان، وضعف في الإيمان، وكبيرة عظيمة من كبائر الذنوب، فترك الزكاة كبيرة عظيمة، وترك الصيام كبيرة عظيمة، وترك الحج مع الاستطاعة كبيرة عظيمة، ولكن لا يكون كفرا أكبر إذا كان مؤمنا بأن الزكاة حق، وأن الصيام حق، وأن الحج لمن استطاع إليه سبيلا حق، ما كذب بذلك ولا أنكر وجوب ذلك، ولكنه تساهل في الفعل، فلا يكون كافرا بذلك على الصحيح.
أما الصلاة فإنه إذا تركها يكفر في أصح قولي العلماء كفرا أكبر والعياذ بالله وإن لم يجحد وجوبها كما تقدم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : « بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة » أخرجه مسلم في صحيحه،
وقوله صلى الله عليه وسلم : « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر » (3) أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة بإسناد صحيح ، والمرأة مثل الرجل في ذلك. نسأل الله العافية والسلامة.
وسئل رحمه الله مانصه :
وتقول السائلة: إن هناك شيئا يتردد بين أوساط الناس حيث يقولون: إن الصلاة يشترط لها الإسلام، والحج يشترط له الإسلام، فالإنسان قد يكون مسلما ولو لم يأت ببقية أركان الإسلام. فنريد تجلية هذا الموضوع. بارك الله فيكم؟
الجواب: نعم. هو مسلم بالشهادتين، فمتى أقر بالشهادتين ووحد الله عز وجل وصدق رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم دخل في الإسلام، ثم ينظر فإن صلى تم إسلامه، وإن لم يصل صار مرتدا، وهكذا لو أنكر الصلاة بعد ذلك صار مرتدا، أو أنكر صيام شهر رمضان صار مرتدا، أو قال الزكاة غير واجبة صار مرتدا، أو قال الحج مع الاستطاعة غير واجب، صار مرتدا، أو استهزأ بالدين أو سب الله أو سب الرسول صار مرتدا.
فهذا الأمر ينبغي أن يكون واضحا، فإذا دخل في الإسلام بالشهادتين حكم له بالإسلام، ثم ينظر بعد ذلك في بقية الأمور فإن استقام على الحق تم إسلامه، وإذا وجد منه ما ينقض الإسلام؛ من سب الدين، أو من تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم، أو من جحد لما أوجبه الله سبحانه وتعالى من صلاة وصوم، أو جحد لما حرم الله كما لو قال: الزنا حلال، فإنه يرتد عن الإسلام بهذا، ولو صلى وصام، ولو قال أشهد أن لا إله إلا الله،
وأن محمدا رسول الله.
فلو قال: إن الزنا حلال، وهو يعلم الأدلة وقد أقيمت عليه الحجة، يكون كافرا بالله كفرا أكبر والعياذ بالله، أو قال: الخمر حلال، وقد بينت له الأدلة ووضحت له الأدلة ثم أصر يقول: إن الخمر حلال، يكون ذلك كفرا أكبر، عن الإسلام والعياذ بالله، أو قال مثلا: إن العقوق حلال، يكون ردة عن الإسلام والعياذ بالله، أو قال إن شهادة الزور حلال، يكون هذا ردة عن الإسلام بعد أن تبين له الأدلة الشرعية.
كذلك إذا قال: الصلاة غير واجبة، أو الزكاة غير واجبة، أو صيام رمضان غير واجب، أو الحج مع الاستطاعة غير واجب، كل هذه نواقض من نواقض الإسلام يكون بها كافرا والعياذ بالله.
إنما الخلاف إذا قال: إن الصلاة واجبة، ولكن أنا أتساهل ولا أصلي، فجمهور الفقهاء يقولون: لا يكفر ويكون عاصيا يستتاب فإن تاب وإلا قتل حدا.
وذهب آخرون من أهل العلم وهو المنقول عن الصحابة رضي الله عنهم أنه يكفر بذلك كفرا أكبر، فيستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا؛ لقول الله جل وعلا: { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } [التوبة: 5] ، فدل ذلك على أن الذي لا يقيم الصلاة لا يخلى سبيله ، بل يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وقال سبحانه: { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين } (2) [التوبة: 11] ، فدل ذلك على أن الذي لا يقيم الصلاة ولا يصلي ليس بأخ في الدين.اهـ
22 ـ العلامة المحدث عبيد الله الرحماني المباركفوري رحمه الله :
قال رحمه الله في (مرعاة المفاتيح) (1/36-37) : " وقال السلف من الأئمة الثلاثة؛ مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من أصحاب الحديث : هو اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالأركان؛ فالإيمان عندهم مركب ذو أجزاء، والأعمال داخلة في حقيقة الإيمان، ومن هاهنا نشأ لهم القول بالزيادة والنقصان –بحسب الكمية- ... قيل : وهو مذهب المعتزلة والخوارج؛ إلا أن السلف لم يجعلوا أجزاء الإيمان متساوية الأقدام، فالأعمال عندهم كواجبات الصلاة، لا كأركانها، فلا ينعدم الإيمان بانتفاء الأعمال، بل يبقى مع انتفائها، ويكون تارك الأعمال –وكذا صاحب الكبيرة- مؤمنا فاسقا لا كافرا، بخلاف جزءيه : التصديق والإقرار؛ فإن فاقد التصديق وحده منافق، والمخل بالإقرار وحده كافر، وأما المخل بالعمل وحده ففاسق؛ ينجو من الخلود في النار ويدخل الجنة.اهـ
23 ـ العلامة محمد أمان الجامي رحمه الله :
قال رحمه الله في "شرح الأصول الثلاثة" -عند قول الإمام المجدد رحمه الله: "وأدناها إما طة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان"- : "وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، إماطة الأذى عن الطريق عملٌ من أعمال الجوارح ، جعل النبي عليه الصلاة والسلام ذلك من الإيمان ومن تمام إيمانك أن تحب لأخيك المسلم ما تحبه لنفسك وأن تكره لأخيك المسلم ما تكره لنفسك.
(أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان)، وبين أعلاها وأدناها شعب تتفاوت، الصلاة شعبة من الإيمان ، الجهاد شعبة من الإيمان ، الزكاة شعبة من الإيمان ، وطلب العلم شعبة من الإيمان ، إذاً الإيمان يتألف من شعب كثيرة ، وليس مجرد التصديق وليس مجرد الإقرار لذلك فلنسمع هذا التعريف الشارح الذي شرح الإيمان من كلام ابن القيم قال رحمه الله:"الإيمان هو حقيقةٌ مركبةٌ من معرفة ما جاء به الرسول علماً وتصديقاً عقداً والإقرار به نطقاً والانقياد له محبة وخضوعاً ، والعمل به ظاهراً وباطناً وتمثيله والدعوة إليه بحسب الإمكان وكماله في الحب في الله وفي البغض في الله ، والعطاء لله والمنع لله وأن يكون الله وحده إلهه ومعبودة والطريق إليه تجريد المتابعة للرسول ظاهراً وباطناً وتغميض عين القلب عن الالتفات [عمَّا ] سوى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم".
وهذا هو الإيمان ، الإيمان مركب ومما ينتقد على علماء الكلام ،
أهل السنة يقولون كيف يكون الإيمان مركباً ؟ لأن المركب إذا أزيل بعض أجزائه زال كله ، وهذا غير صحيح ما الذي يُرد على هذا ؟ يرد عليه الحديث السابق الذكر"الإيمان بضع وستون شعبة " لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الشُعب متفاوتة الشعبة الأولى هي التي يزول الإيمان بزوالها إذا زالت الشعبة الأولى شعبة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله زال الإيمان كله لا يبقى شيء ، وهل إذا ترك الشعبة الأخيرة مر الإنسان في الطريق على الأذى فلم يزله ، هل يزول إيمانه ؟ لا ، ينقص الشُعب الأخرى غير الشعبة الأولى بزوالها ينقص الإيمان بقدر ما يترك الإنسان شعبة من الشُعب وبقدر ما يرتكب من المحرمات والمعاصي ينقص إيمانه ولا يزول ، وإنما يزول بزوال كلمة التوحيد والكفر بها والإتيان بما يناقضها" .اهـ
ومما ينبه عليه أيضا في هذا المقام أن الجهني الحدادي ينقل الإجماع على كفر تارك العمل أو على كفر تارك الصلاة تهاونا وكسلا من غير جحود وهذا ليس بصحيح البتة وهو مجرد دعوى لا برهان عليه وقد بينا عن غير واحد من السلف يحكي الخلاف في ذلك منهم الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهما.
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل كما في "مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله" ( ص: 438-439
سمعت أبي يقول : ما يدعي الرجل فيه الإجماع هذا الكذب من ادعى الإجماع فهو كذب لعل الناس قد اختلفوا ..اهـ
فبعد هذه الأدلة والنقولات السلفية قد بان لكل منصف أنه من يقول بعدم تكفير تارك عمل الجوارح أو قال بأن تارك الصلاة تهاونا وكسلا لا يكفر لا يجوز أن يقال فيه أنه مرجئ بل هو من أهل السنة والذي يقول أنه مرجئ فإنما يطعن في أئمة كبار من أئمة الإسلام والسنة والتوحيد ،وهذا الرامي بالإرجاء إنما يدور في فلك الخوارج شر الخلق والخليقة.
فأيها الجهني الحدادي الجهول لقد قال بهذا القول طائفة كثيرة من أهل السنة والجماعة قديما وحديثا وهو الذي ندين الله به ،والرزية كل الرزية أن يأتي غرّ لئيم مثلك ويرمي علماء السنة السلفيين بالعظائم كما سبق نقله من كلامه.
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه : عبد الحميد الهضابي.
23 / 09 / 1435


الحواشي :
[1] ـ وفي رواية لأحمد أنه يرى بكفره.
[2] ـقال الفضيل بن عياض رحمه الله : " أهل الإرجاء يقولون : الإيمان قول بلا عمل, وتقول الجهمية : الإيمان المعرفة بلا قول ولا عمل, ويقول أهل السنة : الإيمان المعرفة والقول والعمل " . انظر (السنة) للإمام عبد الله بن الإمام أحمد (ص347) .
[3] ـ قال شيخ الإسلام رحمه الله كمافي "مجموع الفتاوى" (12/471) : " وقابلتهم المرجئة والجهمية ومن اتبعهم من الأشعرية والكرامية, فقالوا: ليس من الإيمان فعل الأعمال الواجبة ولا ترك المحظورات البدنية, والإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان بل هو شيء واحد يستوي فيه جميع المؤمنين من الملائكة والنبيين والمقربين والمقتصدين والظالمين " .
[4] ـقال شيخ الإسلام رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" (7/393-394) : " أحمد وأبو ثور وغيرهما من الأئمة كانوا قد عرفوا أصل قول المرجئة وهو: أن الإيمان لا يذهب بعضه ويبقى بعضه فلا يكون إلا شيئا واحدا؛ فلا يكون ذا عدد اثنين أو ثلاثة؛ فإنه إذا كان له عدد أمكن ذهاب بعضه وبقاء بعضه, بل لا يكون إلا شيئا واحدا, ولهذا قالت الجهمية: أنه شيء واحد في القلب, وقالت الكرامية: أنه شيء واحد على اللسان؛ كل ذلك فرارا من تبعض الإيمان وتعدده فلهذا صاروا يناظرونهم بما يدل على أنه ليس شيئا واحدا " .
وقال رحمه الله كمافي "مجموع الفتاوى" (18/270) : " وأصلهم -أي أهل السنة- : أن الإيمان يتبعض فيذهب بعضه ويبقى بعضه, كما في قوله عليه الصلاة والسلام (يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان) ولهذا مذهبهم أن الإيمان يتفاضل ويتبعض؛ هذا مذهب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم " .

[5] ـ قال شيخ الإسلام رحمه الله كمافي "مجموع الفتاوى" (7/429): "وأما الاستثناء في الإيمان؛ بقول الرجل: أنا مؤمن إن شاء الله, فالناس فيه على ثلاثة أقوال: منهم من يوجبه, ومنهم من يحرمه, ومنهم من يجوز الأمرين باعتبارين, وهذا أصح الأقوال؛ فالذين يحرمونه هم المرجئة والجهمية ونحوهم ممن يجعل الإيمان شيئا واحدا يعلمه الإنسان من نفسه كالتصديق بالرب ونحو ذلك مما في قلبه؛ فيقول أحدهم: أنا أعلم أني مؤمن كما أعلم أني تكلمت بالشهادتين, وكما اعلم أني قرأت الفاتحة, وكما أعلم أني أحب رسول الله وأني أبغض اليهود والنصارى...وكما أنه لا يجوز أن يقال: أنا قرأت الفاتحة إن شاء الله كذلك لا يقول: أنا مؤمن إن شاء الله, لكن إذا كان يشك في ذلك فيقول: فعلته إن شاء الله, قالوا: فمن استثنى في إيمانه فهو شاك فيه وسموهم الشكاكة" .
[6] ـ ـ "صفة المنافق" (ص74)
[7] ــ انظر "شرح السنة" (ص57)
[8] ـ ـ أخرجه البخاري (7439)، ومسلم (183) واللفظ له.
[9] ـ ـ أخرجه الترمذي (2639)،وابن ماجه (4300) ، والحاكم (1937) وقال : صحيح الإسناد . وأخرجه أيضًا : الترمذى (2639) وصححه الألباني في "الصحيحة"(135).
[10] ــ أخرجه البخاري (7506)،ومسلم ( 2766 )،وأحمد (5/297) واللفظ له.
[11] ـ ـ أخرجه ابن ماجه (4049) قال البوصيرى (4/94) : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات . والحاكم (8460) وقال : صحيح على شرط مسلم . والبيهقى فى شعب الإيمان (2028) .، وصححه الألباني في "الصحيحة"(87).
[12] ـأخرجه البزار كما فى "مجمع الزوائد" (1/17) ، والطبرانى فى "الأوسط" (4/12 ، رقم 3486) ، قال الهيثمى (1/17) : رجاله رجال الصحيح . وأبو نعيم فى "الحلية" (7/126) ، والبيهقى فى "شعب الإيمان" (1/109 ، رقم 97) . وأخرجه أيضًا : الديلمى (3/474 ، رقم 5467) ،وصححه الألأباني في "الصحيحة"(1932)،وفي "صحيح الجامع"(6434).
[13] ـ ـ انظر:"طبقات الحنابلة" (1/343)،
قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في "المجموع" (5/396): " وأما رسالة أحمد بن حنبل إلى مسدد بن مسرهد فهي مشهورة عند أهل الحديث والسنة من أصحاب أحمد وغيرهم تلقوها بالقبول وقد ذكرها أبو عبد الله بن بطة في كتاب الإبانة واعتمد عليها غير واحد كالقاضي أبى يعلى وكتبها بخطه".
[14] ـ وكتاب الاعتقاد هذا من مطبوعات رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، وقد طبع بطلب من سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى .
قال محقق الكتاب (ص5) : " فقد أحال إليّ سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس العام ...كتاب الاعتقاد للإمام الحافظ البيهقي برقم (1277/خ وتاريخ 14/11/1406هـ) يطلب مني القيام بتخريج أحاديثه، والتنبيه على المسائل المخالفة لمذهب السلف الصالح مما أورد المؤلف فيه".
ثم قال المحقق في هامش (ص7) : " تنبيه : بعد تخريج أحاديث الكتاب والتعليق عليه طلب سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله من فضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي مراجعته والإفادة عماّ يلاحظه عليه . فأجابه بأنه قرأ الكتاب من أوله إلى آخره .. وأنه لاحظ أنه فيه مواضع تحتاج إلى تعليق .. ثم علق عليها . وعددها ثمان تعليقات .. وعند ذلك أمر سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله بطبع الكتاب " .
[15] ـ قال محقق الكتاب الدكتور محمد بن عبد الله الغامدي في (1/4) وهو يتحدث عن عقيدة المؤلف : " ينفرد أبو محمد اليمني رحمه الله تعالى عمّن سبقه ممن كتب في الفرق بأنه سلفي العقيدة، وهذا ظاهر في كتابه؛ في ردوده على الفرق المخالفة لأهل السنة والجماعة، وعرضه لعقيدتهم، ثم ختم كتابه ببيان عقيدة أهل السنة والجماعة ...وتتضح عقيدته السلفية في تفاصيل كتابه؛ مبيناً لعقيدة السلف وناصراً لها ومدافعاً عنها، وراداً على خصومها " .
[16] ـ الشاهد من قوله في الإجابة على هذا السؤال هو:"لا هذا من أهل السنة"،مع أنه رحمه الله يكفّر تارك الصلاة ،فكم الفرق بين منهج هذا الإمام وبين منهج الحدادية الخوارج الجهلة.


التعديل الأخير تم بواسطة عبد الحميد الهضابي ; 22 Jul 2014 الساعة 09:28 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23 Jul 2014, 08:26 PM
عبد الحميد الهضابي عبد الحميد الهضابي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 300
افتراضي

وصدق في الجهني المتعالم الحدادي الجديد قول حذيفة بن اليمان رضي الله عنه :(إن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر وتنكر ما كنت تعرف) نعوذ بالله من الحور بعد الكور وإنا لله وإنا إليه راجعون.
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25 Jul 2014, 02:14 AM
أبو عبد الله طارق أبو عبد الله طارق غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 123
افتراضي

بارك الله فيك أخى عبد الحميد على حرصك و دفاعك على أهل السنة و الجما عة
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05 Jan 2016, 08:34 AM
عبد الحميد الهضابي عبد الحميد الهضابي غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Dec 2013
المشاركات: 300
افتراضي

يرفع للفائدة
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 06 Jan 2016, 09:56 PM
إبراهيم بويران إبراهيم بويران غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 313
افتراضي

رفع الله قدرك أخي عبد الحميد رد قوي مفحم، زادك الله من فضله .
رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
منهج, مميز, ردود

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013