قال سفيان الثوري -رحمه الله-: (تعجلوا بركة العلم، ليفد بعضكم بعضا، فإنكم لعلكم لا تبلغون ما تؤمِّلون) (الآداب الشرعية 2/ 161)
وقال ابن المبارك -رحمه الله-: (من بخل بالعلم ابتلي بثلاث: إما أن يموت فيذهب علمه أو ينساه أو يتبع السلطان). (الآداب الشرعية 2/ 161)
فهذا الأثر وغيره من آثار السلف هو مدعاة لبذل نفيس ما يحتجره صدر الداعية إلى الله، من كنوز يختزنها من غير وجه حق
ولقد لفت نظري قطعة من حديث أم زرع المشهور، عن عائشة رضي الله عنها قالت: (جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئا)
والشاهد منه: (قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النِّجاد، عظيم الرَّماد، قريب البيت من النَّاد)(البخاري: 5189) و(مسلم: 2448)
وموضع الفائدة هو: (قريب البيت من الناد)
قال الإمام النووي (شرح مسلم 15 / 215): (هكذا هو في النسخ النادي بالياء وهو الفصيح في العربية لكن المشهور في الرواية حذفها ليتم السجع)
قال القاض عياض (المشارق 2/ 7): (هُوَ مجْلِس الْقَوْم ومجتمعهم وَهُوَ المنتدى أَيْضا)
وقد جاء في (مختار الصحاح 307): (و(الندي) على فعيل مجلس القوم ومتحدثهم، وكذا (الندوة) و(النادي) و(المنتدى))
ومنه يتوصل لمعرفة معنى (المنتدى) و(المنتديات)
قال الإمام النووي (شرح مسلم 15 / 216): (وَصَفَتْهُ بالكرم والسؤدد لأنه لا يقرب البيت من النادي إلا من هذه صفته لأن الضيفان يقصدون النادي ولأن أصحاب النادي يأخذون ما يحتاجون إليه في مجلسهم من بيت قريب النادي واللئام يتباعدون من النادي)
قال الحافظ رحمه الله (الفتح 9/ 265): (ويحتمل أن تريد أن أهل النادي إذا أتوه لم يصعب عليهم لقاؤه لكونه لا يحتجب عنهم ولا يتباعد منهم بل يقرب ويتلقاهم ويبادر لاكرامهم وضده من يتوارى بأطراف الحلل وأغوار المنازل ويبعد عن سمت الضيف لئلا يهتدوا إلى مكانه فإذا استبعدوا موضعه صدوا عنه ومالوا إلى غيره)
فهذا نداء لكلّ كريم فرضت عليه زكاة العلم، أن يتقرب من (المنتدى) قصد (التصفية والتربية)، وأن يظهر مكانه حتى يقصده المحتاجون لعلمه، ولا يبتعد عن مجالسهم ومنتداهم فذاك من صنائع البخلاء
وفق الله الجميع