منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 19 Jul 2014, 01:10 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي المقتضب في النهي عن سيرة "ليرضَ أو يغضب"

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه.

أمَّا بعد:

فهذه نصيحةٌ وتذكرةٌ وتنبيهٌ لنفسي أولا، ولمن أراد الله عزَّ وجل نفعه من إخواني المسلمين، جمعت فيها ما يتعلَّق بإعانة المسلم إخوانه على دفع ما قد يعلق بقلوبهم من وساوس وشكوك تؤدي إلى زلزلة أركان الإخوَّة الإيمانية إذا اجتمعت وتواردت على القلب بما يدل أنَّه من كمال الخلق وهدي النَّبي صلى الله عليه وسلم، لا كما يتصوَّره بعضهم أنه مما لا يعني وأنه غير مطالب به، وقد ينقلب فكر بعضهم فيظن أنه من تمام الرُّجولة وكمالها! وفيه من بنى سيرته ومبدأه عليها شعاره في معاملاته «ليرض أو يغضب»!.

وقد بنيت المقال رأسًا على ما ذكره العلامة الفقيه محمد بن صالح العثيمين –رحمه الله- في "تعليقه على اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم"[الشريط الخامس دقيقة 38 وما بعدها] بعد أن أورد ابن تيمية –رحمه الله-:

حديث أنس رضي الله عنه: «أنَّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها في البيوت. فسأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: ﴿ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض﴾[البقرة: 222]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«اصنعوا كل شيء إلا النِّكاح». فبلغ اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه، فجاء أسيد بن حضير، وعباد بن بشر، فقالا: «يا رسول الله إن اليهود تقول كذا وكذا، لا نجامعهن؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلَّم حتى ظننا أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلهما هدية من لبن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل في آثارهما فسقاهما فعرفنا أنَّه لم يجد عليهما»["صحيح مسلم" (302)].

فقال الشيخ –رحمه الله-:

«وهذا الحديث يدلُّ أيضًا على كمال خلق النبي عليه الصَّلاة والسَّلام، لأنه لما تغير وجهه بسؤالهما ثم خرجا فلا شك أن هذا سيكون فيه تأثير على نفوسهما وقلوبهما، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يمحق هذا حين بعث إليهما وأعطاهما من هذه الهديَّة، وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان خاف أنَّ أخاه وجد شيئا في قلبه أن يفعل ما يزيل ما في قلبه، سواء كان يتعلق بالإنسان نفسه أو يتعلق بصاحبه، لأن هذا من كمال الخلق.

أما بعض الناس يقول: «خلوه يزعل أو يرضى» وما أشبه ذلك، هذه فيها نظر، سيرة فيها نظر، بل كلما حصل أن تزيل ما في قلب أخيك فهذا هدي النبي صلى الله عليه وسلم» اهـ.

فلما كان كلامه النوَّاة الأولى ورائد الفكرة، رأيت من البرِّ به ومن حقِّه عليَّ أن أجعله الأصل.

فأقول: أمَّا قول الشَّيخ ابن عثيمين –رحمه الله- «فيه نَظرٌ» فهذه العبارة إنَّما يستعملها العلماء فيما كان الفساد فيه لائحا، ولا تقال في كلام مقطوع بصحَّته ولا بفساده كما أشار إليه الطوفيُّ –رحمه الله- في "شرح مختصر الروضة"(1/152-153).

وأما ما ذكره الشَّيخ –رحمه الله- من كونه «هدي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلَّم» فمن الأحاديث الدالَّة ذلك –إضافة للحديث المتقدِّم- قوله صلى الله عليه وسلم لما سأله الرَّجل: «أين أبي؟» قال: «في النَّار» فلما قفى دعاه فقال: «إن أبي وأباك في النَّار»[مسلم (203)].

فقد قال القاضي عياض –رحمه الله- في «إكمال المعلم بفوائد مسلم»(1/591):

«قوله صلى الله عليه وسلم للذي سأله: «أين أبي؟»، «فقال: في النَّار»، فلما قفَا دَعاهُ فقال: «إنَّ أبى وأباكَ في النار» من أعظم حسن الخلق والمعاشرة والتسلية؛ لأنه لما أخبره بما أخبره بما أخبر ورآه عظم عليه أخبره أنَّ مصيبته بذلك كمصيبته، ليتأسى به.» اهـ.

قلت: وهذا فيما لا مدخل للنَّبي صلى الله عليه وسلَّم فيه، وإنمَّا هو إخبار له بواقع الحال الذي سأل عنه، فكيف بمن يكون سببًا في إدخال مثل هذا الهمِّ والغمِّ على المسلمين، ولا يعتذر ولا يدفع ما يقع بل ربما تجرَّأ وصرَّح له وأعلن أن «افعل ما شئت» أو «افهمها كما أردت وأحببت» فأين هذا من ذاك؟!

ومن ذلك ما أخرجه البخاري في "صحيحه"(373) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف، قال: «اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتونى بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي».

فقد قال ابن بطال –رحمه الله- في "شرح صحيح البخاري"(2/36) مشيرا إلى ما نحن بصدده:

«وفيه: أنَّ النَّبيَّ آنس أبا جهم ردها إليه بأن سأله ثوبا مكانها يعلمه أنه لم يرد عليه هديته استخفافا به، ولا كراهة لكسبه».

ومما قد يدلُّ عليه كذلك من الأحاديث وظهر لي أنَّها شاهدة لما صرَّح به الشَّيخ ابن عثيمين –رحمه الله- وأكَّده القاضي عياض –رحمه الله- من كونه هدي النبي صلى الله عليه وسلم ما ورد:

1-عن عبد الله بن عباس، عن الصَّعب بن جثَّامة الليثي، أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا، وهو بالأبواء، أو بودان، فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قال: «إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم»[البخاري (1825) و(2573) مسلم (1193)].

2-عن المهاجر بن قنفذ، أنه أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال: «إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر أو قال: على طهارة»[أبو داود (17) وصححه الألباني –رحمه الله-].

فكلا الحديثين يدلُّ على أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلَّم دفع ما قد يقع في قلبهما من كونه صلى الله عليه وسلم رد هدية ذاك، ولم يردَّ السلام على هذا، فبيَّن النَّبي صلى الله عليه وسلم العلَّة في كليهما حرصا على سلامة صدريهما.

فتبين بهذه الأحاديث أنه هدي النَّبي صلى الله عليه وسلَّم فكان الاقتداء به في ذلك حسنا مستحسنا، فخير الهدي هديه صلى الله عليه وسلَّم.

زد على ذلك أن هذه الوساوس والشُّكوك مما يلقيه الشَّيطان في قلب ابن آدم كما جاء في الحديث -وإن كان درء الشُّبهة عن النَّفس والبراءة لها فيه أبرز-:

1- عن صفيَّة بنت حيي رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفا فأتيته أزوره ليلا، فحدثته ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «على رسلكما إنها صفية بنت حيي» فقالا: «سبحان الله يا رسول الله» قال: «إنَّ الشَّيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءا، أو قال: شيئا»[البخاري (3281) ومسلم (2175)].

فتأمَّل كيفَ خشي النبي صلى الله عليه وسلَّم عليهما أن يقذف الشيطان في قلوبهما شيئا، وكيف ساعدهما على نفسيهما ولم يعن الشيطان عليهما إذ هو النَّاهي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: «لا تكونوا عون الشَّيطان على أخيكم»[البخاري (6781]، فأين هذا ممن يعين الشَّيطان على إخوانه ويتركهم في هواجس الوساوس غارقين وبإمكانه أن يساهم ولو بنصيب حتى يدفع عنهم ما قد يقع، فاحرص يا رعاك الله أن لا تكون عون الشيطان على إخوانك، ولتساهم في دفع ما قد يعرض لهم فيعكر صفو الأخوَّة ويوغر الصُّدور فالوقاية خير من العلاج والدفع أولى وأيسر من الرَّفع.

وإذ قد جاء في الحديث: «وليأت إلى النَّاس الَّذي يحبُّ أن يؤتى إليه»[مسلم (1843)] أوما تحبُّ أن يعينك إخوانُك على دفع ما يرد عليك من شكوك وساوس بالتَّصريح بالمقصود وبيان المراد والاعتذار حتى لا تذهب فيما يلقيه عليك الشَّيطان السَّاعي سعيًا حثيثا في إفساد أواصر الأخوَّة الإيمانيَّة ما وجد إلى ذلك مدخلا سبيلا، فإن أحببته لنفسك فأحب لإخوانك ما تحب لنفسك، وعاملهم بما تحت أن يعاملوك به وإن لم يعاملوك به! فأدِّ ما عليك ولا تنتظر ما لك!

فعلى المسلمين أن يحرصوا على أن تبقى القلوب سليمة نقيَّة طاهرة، وأن يسعوا في بذل الأسباب التي تدفع سوء الظَّنِّ والتُّهمة، وإن حصل سوء تفاهم فليسارع باستدراكه بالاعتذار أو بيان المراد كما فعل أبو بكر رضي الله عنه لما عرض عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنته حفصة رضي الله عنها وكان قد سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها فصمت فوجد عليه عمر رضي الله عنه في نفسه إذ لم يردَّ عليه، فلقيه أبو بكر رضي الله عنه بعد فقال: «لعلك وجدت عليَّ حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم، قال: فإنَّه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها»[البخاري (4005)].

فظهر بهذا أنَّ من كمال خسن خلق المسلم أن يسعى في إعانة إخوانه على أنفسهم وعلى الشَّيطان -إبقاء للموَّدة وطلبا للسَّلامة- ببيان الأسباب والعلل وتوضيحها حتى تفهم على وجهها، وليس من الصَّائب ولا من المروءة في شيءٍ أن يدع أخاه دون إيضاح أو بيان إن احتاج المقام إلى ذلك كل هذا سعيا في المحافظة على الألفة والاجتماع والابتعاد عن كل ما يهدم هذا الأصل أو ينقصه.

وهذا ما يسَّر الله جمعه، فاللهم إنَّا نسألك أن ترزقنا حسن الخلق وسلامة الصَّدر ورحابته، وأن تؤلف بين قلوبنا، ونعوذ بك من الفرقة والاختلاف.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدِّين.


فتحي إدريس
21/رمضان/1435هـ
رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013