أما بعد , فقد قالت عائشة رضي الله عنها : " لقد قف شعري مما قلت , أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب , من حدثك أن محمدا صلى الله عليه و سلم رأى ربه فقد كذب , ثم قرأت { لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و هو اللطيف الخبير} الأنعام , الحديث أخرجه البخاري
و قال الحافظ بن حجر في فتح الباري " جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة و أخرى مقيدة , فيجب حمل مطلقها على مقيدها , فمن ذلك : ما أخرجه النسائي بإسناد صحيح , و صححه الحاكم أيضا من طريق عكرمة عن ابن عباس , قال : " أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم , و الكلام لموسى , و الرؤية لمحمد ؟ "
و أخرجه ابن خزيمة بلفظ " إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة , و محمدا بالرؤية " الحديث
و أخرج بن إسحاق من طريق عبد الله بن أبي سلمة , أن بن عمر أرسل إلى ابن عباس : هل رأى محمد ربه ؟ فأرسل إليه : أن نعم "
و منها ما أخره مسلم من طريق أبي العالية عن ابن عباس , في قوله تعالى { ما كذب الفؤاد ما رأى } النجم , { ولقد رآه نزلة أخرى } قال : " رأى ربه بفؤاده مرتين"
و له من طريق عطاء عن ابن عباس قال: " رآه بقلبه "
و أصرح من ذلك ما أخرجه الطبراني , من طريق عطاء أيضا عن ابن عباس قال : " لم يره رسول الله صلى الله عليه و سلم بعينه إنما رآه بقلبه "
و على هذا فيمكن الجمع بين إثبات ابن عباس و نفي عائشة بأن يحمل نفيها على رؤية البصر و إثباته على رؤية القلب "
انتهى كلام ابن حجر رحمه الله نقلا من كتاب " تحذير أولي الألباب " للشيخ عبيد الجابري حفظه الله و رعاه
أقول : أحببت نقل هذا الكلام حتى يتبين الصواب في هذه المسألة , و حتى يعلم أنه لا خلاف فيها بين الصحابة , فقد تمسح بعض السفهاء بهذه المسألة لإثبات و جود الخلاف بين الصحابة في العقيدة , فإذا تقرر هذا فإنه يصبح لا إنكار على من خالف في العقيدة لأنها محل اجتهاد و الكل مأجور
سئل الشيخ صالح اللحيدان حفظه الله : " أحسن الله إليكم سماحة الشيخ , هنالك من يقرر و يقول : أن الصحابة اختلفوا في العقيدة , فما حكم ذلك أفتونا مأجورين ؟
الشيخ : أستغفر الله هذا لا يقوله إلا مبتدع ضال , يقول الصحابة اختلفوا , الصحابة أهل عقيدة , إذا وجد الخلاف بينهم فإنما هو في بعض الأمور الاجتهادية في الأعمال , أما في أمور العقيدة , بأن الله واحد أحد أنه السميع البصير أنه فعال لما يريد أنه الخلاق أنه خالق كل شيء المطلع على كل شيء , لا , لم يختلفوا و لا يثير هذا الأمر ألا داعية فتنة , إنما يتستر في ادعائه أنه من أهل الخير , قد يكون عرف خيرا و صار يتحدث بالخير الذي يعرفه ليوهم به الناس و ليجرهم إلى الباطل الذي يجنح إليه و يحرص على إشاعته , إن كان من المغترين فليستغفر الله و ليتب , و ليرجع إلى أهل العلم يسألهم , و إن كان ممن يحب أن يخفي المقاصد و يغطي أهدافه فليفضح ليتوق الناس شره " من محاضرة بعنوان : صفات الفرقة الناجية و الطائفة المنصورة , و هذا الكلام نقلته من المصدر السابق
و صلى الله على نبينا و على أله و صحبه و سلم تسليما كثيرا