والجواب :
لا يخفى على كل مسلم له أدنى بصيرة أن أهم أركان دين الإسلام الحنيف شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله .
ومقتضى شهادة أن لا إله إلا الله أن لا يعبد إلا الله وحده ، ومقتضى شهادة أن محمداً رسول الله ، أن لا يعبد الله سبحانه إلا بما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وزكاة الفطر عبادة بإجماع المسلمين ، والعبادات الأصل فيها التوقيف ، فلا يجوز لأحد أن يتعبد بأي عبادة إلا بما ثبت عن المشرع الحكيم عليه صلوات الله وسلامه ، الذي قال عنه ربه تبارك وتعالى:
وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [1] ، وقال هو في ذلك : ((
من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )) [2] ، ((
من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ))[3] .
وقد بيَّن هو صلوات الله وسلامه عليه زكاة الفطر بما ثبت عنه في الأحاديث الصحيحة : صاعاً من طعام ، أو صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير ، أو صاعاً من زبيب ، أو صاعاً من إقط .
فقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله ، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : ((
فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة )) [4] .
وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : ( ك
نا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب ) ، وفي رواية ((
أو صاعاً من إقط ))[5] متفق على صحته .
فهذه سنة محمد صلى الله عليه وسلم في زكاة الفطر .
ومعلوم أن وقت هذا التشريع وهذا الإخراج يوجد بيد المسلمين وخاصة في مجتمع المدينة الدينار والدرهم اللذان هما العملة السائدة آنذاك ولم يذكرهما صلوات الله وسلامه عليه في زكاة الفطر ، فلو كان شيء يجزئ في زكاة الفطر منهما لأبانه صلوات الله وسلامه عليه ؛ إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ،ولو فعل ذلك لنقله أصحابه رضي الله عنهم .
وما ورد في زكاة السائمة من الجبران المعروف مشروط بعدم وجود ما يجب إخراجه ، وخاص بما ورد فيه ، كما سبق أن الأصل في العبادات التوقيف ،
ولا نعلم أن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أخرج النقود في زكاة الفطر ، وهم أعلم الناس بسنته صلى الله عليه وسلم وأحرص الناس على العمل بها ، ولو وقع منهم شيء من ذلك لنقل كما نقل غيره من أقوالهم وأفعالهم المتعلقة بالأمور الشرعية ، وقد قال الله سبحانه :
لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [6] ، وقال عز وجل : "
وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[7] .
ومما ذكرنا يتضح لصاحب الحق
أن إخراج النقود في زكاة الفطر لا يجوز ولا يجزئ عمن أخرجه ؛ لكونه مخالفاً لما ذكر من الأدلة الشرعية .
وأسأل الله أن يوفقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه ، والثبات عليه والحذر من كل ما يخالف شرعه ، إنه جواد كريم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوةوالإرشاد
عبد العزيز بن عبد الله بن باز