فضائح الصوفية (قصيدة)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد:
فهذا هو الجزء الخامس من منظومتي النونية المسماة بـ " الشافية الكافية في الانتصار لعقائد الفرقة الناجية " يسر الله اتمامها
فضائح الصوفية
فَصْلٌ فِي
التَّسْمِيَةِ وَالنَّشْأَة
هَذَا وَإِنْ أَخَّرْتُ لَسْتُ بِغَافِلٍ ---- عَنْ نَبْتَةٍ زُرِعَتْ بِكُلِّ مَكَانِ
رُبِطَ اسْمُهَا ِفي النَّاسِ بِالزَّمَنِ الّذِي ---- بَلَغَ السَّلاَمُ بِهِ لِكُلِّ هَوَانِ
أَعْنِي بِهِ الصُّوفِيَّ ذَاكَ المُفْتَرِي ---- وَسَلِيلَ أَهْلِ الدِّيرِ وَالرُّهْبَانِ
سُمُّوا بِلِبْسِ الصُّوفِ زُهْدًا فِي الّذِي ---- لَبِسَ العِبَادُ بِهَا مِنَ الكِتَّانِ
وَكَذَا كِسَاءُ الفَاسِقِينَ وَمَنْ بَغَى ---- لِبْسَ الحَرِيرِ كَمَعْشَرِ النِّسْوَانِ
إِذْ كَانَ أوَّلُهُمْ بِحَقٍّ زَاهِدًا ---- وَمُقَدَّمًا بِالدِّينِ وَالإِيمَانِ
سَمْحُ الكَلَامِ مُحَقِّقُّ التَّوْحِيدِ بَلْ ---- صَافِي العُلُومِ وَبَالِغَ العِرْفَانِ
رَجُلٌ تَفَرَّغَ لِلْعِبَادَةِ وَالتُّقَى ---- وَرَمَى حُظُوظَ النَّفْسِ بِالنُّكْرَانِ
مِثْلُ الجُنَيْدِ وَبِشْرِهِمْ وَكَمَالِكٍ ---- أَهْلِ الهُدَى وَطَرَائِقِ الإِحْسَانِ
هَذَا وَلَا يَخْلُو كَبِيرٌ مِنْهُمُ ----عَنْ شطْحَةٍ أَوْ مِنْ سُقُوطِ لِسَانِ
فَلَهُمْ كَلَامٌ فِي الحَقِيقَةِ وَالهَوَى ---- وَالكَشْفِ أَوْ كَخَوَارِقِ الأَكْوَانِ
لَكِنَّهَا نَزْرٌ قَلِيلٌ فِي الّذِي ---- قَالَ المُتَابِعُ آخِرَ الأَزْمَانِ
وَكَذَا اعْتِزَالُ النَّاسِ كُرْهًا لِلَّذِي ---- رَكِبُوا مِنَ الآفَاتِ وَالعِصْيَانِ
فَكَأَنَّهُمْ فَتَحُوا بهِاَ بَابًا لِمَنْ ---- غَالَى فَأَفْسَدَ بَعْدُ فِي الأَدْيَانِ
مِنْ بَعْدِهِمْ وَرِثَ الطَّرِيقَةَ أُمَّةٌ ---- مِنْ أَهْلِ فَارِسَ مَوْطِنُ الفَتَّانِ
وَغَرَاسُ كَلِّ المُحْدَثَاتِ وَأَرْضُهَا ---- وَسَمَاؤُهَا مِنْ سَائِرِ البُلْدَانِ
كَأَبِي سَعِيدٍ وَ الحَكِيمِ التِّرْمِذِي ---- وَأَبِي اليَزِيدِ وَسَائِرِ الخِلاَّنِ
ذِي النُّونِ وَالشِّبْلِيِّ قَوْمٌ كُلُّهُمْ ---- وَضَعُوا أَسَاسَ البَيْتِ وَالبُنْيَانِ
عَنْهُمْ قَدِ اِشْتَهَرَ التَّصَوُّفُ فِي الوَرَى ---- وَسَرَى كَمِلْحٍ ذَابَ فِي الخِلْجَانِ
وَبِوَقْتِهِمْ مُزِجَ الكَلَامُ بِدِينِهِمْ ---- فَتَنَاقَلُوا شَرْعًا عَنِ اليُونَانِ
وَغَدَى الكَلَامُ لَدَيْهِمُ أَصْلٌ وَقَدْ ---- رَجَعَ السُّلُوكُ إِلَى المَقَامِ الثَّانِي
وَبِعَصْرِهِمْ عُرِفَ اجْتِمَاعُهُمُ عَلَى ---- غَيْرِ الهُدَى وَشَرَائِعِ القُرْآنِ
وَبَدَتْ لَهُمْ تِلْكَ الأُصُولُ وَفَرْعُهَا ---- وَبَدَتْ بَوَاطِنُهُمْ عَلَى الأَعْيَانِ
وَلَقَدْ تَحَمَّلَ كِبْرَهَا عِلْجٌ لَهُمْ ---- فَأَبَانَ قَوْلَ الإِفْكِ وَالبُهْتَانِ
حَلاَّجُهُمْ ذَاكَ البَغِيُّ المُفْتَرِي ---- رَأْسُ الفُجُورِ وَمُفْسِدُ الأَدْيَانِ
مِنْ بَعْدِهِ سَهُلَ الطَّرِيقِ لَدَيْهِمُ ---- وَفَشَا قَبِيحُ القَوْلِ بِالعُمْيَانِ
فَأَتَى ابْنُ فَارِضَ وَابْنُ سَبْعِينٍ كَذَا---- وَالسَّهْرَدُورِي مَنْبِتُ الكُفْرَانِ
وَلَعَلَّ أَشْهَرَ مَنْ تَجَاسَرَ مِنْهُمُ ---- بِالكُفْرِ مُحْيِ الدِّينِ ذُو العِصْيَانِ
وَمَعَ انْحِطَاطِ المُسْلِمِينَ بِدِينِهِمْ ---- وَعُمُومِ جَهْلِ النِّاسِ بِالفُرْقَانِ
طَلَبَ الزَّعَامَةَ فِي البُغَاثِ جَمَاعَةٌ ---- دَعْوَاهُمُ نَسَبٌ إِلَى العَدْنَانِي
فَغَدَى لِكُلِّ المُفْتَرِينَ طَرِيقَةٌ ---- بِعَدِيدِ حَبِّ طَلَائِعِ الرُّمَّانِ
كَالشَّاذِلِيِّ وَنَسْلِهِ البَدَوِيِّ أَوْ ---- جَمْعِ الرَّفَاعِيِّ الحَقِيرِ الدَّانِي
وَكَذَا البَهَاءُ النَّقْشَبَنْدِيُّ الدَّنِي ---- وَجَلَالُهُمْ مِنْ خِلْفَةِ الرُّومَانِ
وَلَعَلَّ أَقْبَحَ مَنْ تَرَاءَى مِنْهُمُ ---- مِنْ غَرْبِنَا فِي آخِرِ الأَزْمَانِ
رَجُلٌ غَدَا بِالكُفْرِ يَنْضَحُ فِي الوَرَى ---- أَعْنِي الخَبِيثَ المَارِدَ التِّيجَانِي
فَإِلَيْهِ قَدْ بَلَغَ التَّصَوُّفُ مُنْتَهًى ---- بِالشِّرْكِ لَمْ يَبْلُغْ لَهُ النَّصْرَانِي
لَكِنْ بِحَمْدِ اللهِ مَا بَلَغَ العُلَا ---- شَيْءٌ مِنَ الأَهْوَاءِ وَالأَدْرَانِ
إِلاَّ وَأُتْبِعَ بِالسُّقُوطِ إِلَى الرَّدَى ---- قَدَرُ العَلِيمِ وَحِكْمَةُ الدَّيَّانِ
فَصْلٌ
فِي مُخَالَفَاتِ الصُّوفِيَّةِ لِتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّة
كَمْ قَرَّرَ الغَاوُونَ مِنْكُمْ غَيْرَ مَا ---- يُرْضَى مِنَ التَّوْحِيدِ لِلرَّحْمَنِ
مِنْ قَائِلٍ بِحُلُولِ رَبِّي فِي الدُّنُا ---- أُوْ بِاتِّحَادِ الخَلْقِ بِالدَّيَّانِ
أَوْ فَاسِقٍ جَعَلَ الخَلَائِقَ عَيْنَهَا ---- رَبًّا فَلَاذَ بِجُمْلَةِ الأَوْثَانِ
أَوْ مُنْكِرٍ لِعُلُوِّهِ عَنْ عَرْشِهِ ---- فَهُوَ الوُجُودُ إِذًا بِغَيْرِ مَكَانِ
أَوْ مَنْ رَأَى رَبَّ العِبَادِ بِدَارِهِ ---- أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ سَائِرِ البُنْيَانِ
أَوْ مَنْ تَنَكَّرَ لِلرَّحِيمِ صِفَاتَهُ ---- وَفِعَالَهُ مِنْ مَعْشَرِ العُمْيَانِ
وَلَرُبَّمَا نَسَبُوا القَبِيحَ مِنَ الرَّدَى ---- لِفِعَالِ رَبِّ الجِنِّ وَالإِنْسَانِ
أَوْ مَنْ تَحَامَلَ فِي انْتِقَاصِ اللهِ مَعْ ---- سُوءِ المَقَالِ بِحَضْرَةِ المَنَّانِ
مِمَّنْ يُخَاطِبُ رَبَّهُ "يَا أَنْتَ" أَوْ ---- مَنْ يُبْدِهَا "يَا هُو" بِلَا تِبْيَانِ
مَعْ مَا قَضَوْا لِلهِ مِنْ أَنْدَادِهِمْ ---- فِي خَلْقِهِ أَوْ رِزْقِ ذِي الحِرْمَانِ
وَلَرُبَّمَا نَسَبُوا لَهُمْ تَصْرِيفَ مَا ---- يُجْرِي الإِلَهُ بِهَذِهِ الأَكْوَانِ
مِنْ بُرْءِ مَوْبُوءٍ وَفِكْرَةِ عَالِمٍ ---- أَوْ مَنْعِ مَحْرُومٍ مِنَ الوِلْدَانِ
أَوْ مِنْ شَفِيعٍ دُونَ إِذْنِ اللهِ أَوْ ---- مِنْ غَافِرٍ لِبَوَائِقِ العِصْيَانِ
أَوْ مَنْ يَنُوبُ عَنِ الإِلَهِ بِزَعْمِهِمْ ---- كَنِيَابَةِ الوَالِي عَنِ السُّلْطَانِ
أَوْ مَنْ يُشَرِّعُ غَيْرَ شَرْعِ اللهِ بَلْ ---- مَنْ يَرْفَعُ التَّكْلِيفَ بِالإِنْسَانِ
أَوْ مَنْ رَضُوهُ مُبَارَكًا دُونَ الوَرَى ---- كَذِبًا بِلَا نَصٍّ وَلَا بُرْهَانِ
فَصْلٌ
فِي مُخَالَفَاتِ الصُّوفِيَّةِ لِتَوْحِيدِ الأُلُوهِيَّة
وَلَكُمْ بِشِرْكِ الغَابِرِينَ وَسِيلُةٌ ---- وَطَرِيقَةٌ مَعْلُومَةُ الأَرْكَانِ
عَظَّمْتُمُ مَا عَظَّمُوا مِنْ سَالِفٍ ---- كَقُبُورِ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالعِرْفَانِ
وَمَسَاجِدِ المَاضِينَ مِثْلُ مَزَارِهِمْ ---- وَمَآثِرُ المَوْتَى بِلَا نُكْرَانِ
شَيَّدْتُمُ تِلْكَ المَشَاهِدَ فَوْقَهَا ---- وَرَفَعْتُمُ لِلْقَبْرِ بِالبُنْيَانِ
وَلَقَدْ تَأَلَّهْتُمْ بِهَا وَلِأَهْلِهَا ---- وَأَتَيْتُمُ بِالشِّرْكِ وَالعِصْيَانِ
فَصَرَفْتُمُ لِلْخَلْقِ دَعْوَةَ جَاِئرٍ ---- وَنَذَرْتُمُ وَذَبَحْتُمُ بِمَكَانِ
وَرَهِبْتُمُ فِي السِّرِّ عَبْدًا قَدْ قَضَى ---- وَرَجَوْتُمُ المَقْبُورَ كُلَّ أَوَانِ
وَأَنَبْتُمُ لِلْعَالَمِينَ تَضَرُّعًا ---- وَتَقَرُّبًا لِوِلَايَةِ الشَّيْطَانِ
وَكَمِ اِسْتَعَانَ فَرِيقُكُمْ بِالجِنِّ أَوْ ---- بِالسِّحْرِ أَوْ بِطَرَائِقِ الكُهَّانِ
وَتَتَبُّعُ الأَنْوَاءِ تَنْجِيمًا وَقَدْ ---- يَتَعَبَّدُ المِسْكِينُ لِلْأَكْوَانِ
فَجَعَلْتُمُ الشِّرْكَ الصَّرِيحَ كَرَامَةً ---- وَدَلِيلَ صِدْقِ الحُبِّ وَالإِيمَانِ
وَطَلَبْتُمُ بَرَكَاتِ مَنْ شِئْتُمْ وَمَنْ ---- أَفْضَى لِغَيْرِ مَنَازِلِ الحَيَوَانِ
كَمْ رُقْيَةٍ بِدْعِيَّةٍ أَحْدَثْتُمُ ---- مَجْهُولَةٍ تُتْلَى بِغَيْرِ مَعَانِ
عَلَّقْتُمُ تِلْكَ التَّمَائِمَ أُسْوَةً ---- بِالكَافِرِينَ وَعُصْبَةِ النِّيرَانِ
وَحَلَفْتُمُ بِوَلِيِّكُمْ وَرَضِيتُمُ ---- حِنْثَ اليَمِينِ تَكُونُ لِلرَّحْمَنِ
دُونَ الّتِي أَجْرَيْتُمُ لِإِلَهِكُمْ --- سُبْحَانَ رَبِّ النَّاسِ ذِي السُّلْطَانِ
وَرَقَمْتُمُ تِلْكَ التَّصَاوِيرَ الّتِي ---- كَانَتْ بَرِيدَ القَوْمِ لِلْكُفْرَانِ
فَصْلٌ
فِي مَصَادِرِ التَّلَقِّي عِنْدَ الصُّوفِيَّة
أَحْدَثْتُمُ الكَشْفَ الذِي شَابَهْتُمُ ---- بِصَنِيعِهِ لِمَعَاشِرِ الكُهَّانِ
بَلْ أَنْتُمُ تَبَعٌ بِهِ لِمُسَيْلِمٍ ---- وَسَجَاحِهِمْ وَلِأَسْوَدِ البُهْتَانِ
وَلِكُلِّ مَنْ زَعَمَ النُّبُوَّةَ وَادَّعَى ---- وَصْلَ الرَّحِيمِ وَقَالَ بِالكُفْرَانِ
فَالكُلُّ يُخْبِرُ عَنْ إِلَهِ العَرْشِ مَا ---- يَبْغِي بِغَيْرِ تَثَبُّتٍ وَبَيَانِ
زَعَمُوهُ هُمْ وَحْيًا وَقُلْتُمْ أَنْتُمُ ---- إِلْهَامُ نَفْسٍ فَاضَ بِالإِنْسَانِ
فَلَكَمْ تَنَزَّلَ رَبُّنَا فِي إِفْكِكُمْ ---- فَيْضًا عَلَى الأَرْوَاحِ وَالأَبْدَانِ
وَلَرُبَّمَا عَرَجَتْ إِلَيْهِ نُفُوسُكُمْ ---- فَغَدَتْ بِصَيْدِ العِلْمِ وَالإِيمَانِ
وَلَرُبَّمَا تَسْرِي إِلَيْهِ بِأَرْضِنَا ---- فَهُوَ الوُجُودُ جَرَى بِكُلِّ مَكَانِ
وَلَرُبَّمَا سَمِعَتْ هُتَافًا بِالدُّجَى ---- بِمَنَامِهَا وَبِسَكْرَةِ اليَقْظَانِ
وَلَرُبَّمَا سَمَّيْتُمُوهُ فَرَاسَةً ---- أَوْ قُلْتُمُ إِلْهَامَ ذِي الغُفْرَانِ
وَلَكُمْ مَرَاتِبُ دُونَ ذِي مِنْ إِفْكِكُمْ ---- كَمَدَارِجِ الإِلْحَادِ وَالكُفْرَانِ
فَالبَعْضُ يَنْظُرُ بِالمَنَامِ مُحَمَّدًا ---- وَالبَعْضُ أَهْلَ الزُّهْدِ وَالعِرْفَانِ
وَالبَعْضُ يُبْصِرُهُمْ عَيَانًا دُونَمَا ---- حُجُبٍ كَذَاكَ مَنَاظِرُ العُمْيَانِ
وَالبَعْضُ يَلْقَى الخِضْرَ مِنْ وَلَهٍ وَمَنْ ---- يَلْقَى شُيُوخَ الغَيِّ وَالطُّغْيَانِ
وَمَلَائِكَ الرَّحْمَنِ أَيْضًا قَدْ رَأَوْا ---- وَالمُرْسَلِينَ وَصَالِحَ الإِخْوَانِ
وَالأَكْثَرُونَ رَوَوْا بِحَقٍّ مَا رَأَوْا ---- مِنْ صُورَةِ الجِنِّيِّ وَالشَّيْطَانِ
فَهُوَ الّذِي يُلْقِي إِلَيْهِمْ شَرَّ مَا ---- يَبْغِي مِنَ الأَنْجَاسِ بِالأَذْهَانِ
وَجَمِيعُهُمْ يَبْنِي الشِّرَائِعَ بِالّذِي ---- يُلْقِي إِلَيْهِ مُخَرِّبُ الأَدْيَانِ
وَيُحَمِّلُ القُرْآنَ فَهْمًا بَاطِنًا ---- وَحَدِيثَ خَيْرِ الخَلْقِ مَعْنًى ثَانِ
فَصْلٌ
فِي العِبَادَةِ عِنْدَ الصُّوفِيَّة
أَهْلُ العِبَادَةِ ذَا شِعَارٌ لَمْ يَزَلْ ---- بِالزُّورِ يَخْرِقُ مَسْمَعَ الطَّرْشَانِ
فَكَأَنَّ غَيْرَكُمُ لِرَبِّي قَدْ نَسِي ---- وَذَكَرْتُمُوهُ بِغَايَةِ العِرْفَانِ
كَلاَّ فَذِي دَعْوَاكُمُ زُورًا وَلِي ---- عَنْ إِفْكِكُمْ بِالحَقِّ قَوْلٌ ثَانِ
إِنَّ العِبَادَةَ فِي الوَرَى قَدْ شُرِّعَتْ ---- بِشُرُوطِهَا وَبِجُمْلَةِ الأَرْكَانِ
فَمَتَى انْتَفَى شَرْطٌ لَهَا لَمْ يُنْتَفَعْ ---- بِسُلُوكِهَا يَوْمًا مِنَ الأَزْمَانِ
فَهِيَ الّتِي لَا تُرْتَجَى إِلَّا مَتَى ---- طَلَبَ العِبَادُ بِهَا رِضَى الرَّحْمَنِ
وَكَذَاكَ مَا تَبِعَ المُرِيدُ بِوَصْفِهَا ---- لِنَبِيِّنَا المَبْعُوثِ مِنْ عَدْنَانِ
هَذَا وَلَيْسَ الطَّعْنُ فِي النِّيَّاتِ إِذْ ---- هِيَ فِي الغُيُوبِ بِمَنْزِلٍ وَمَكَانِ
لَكِنَّنِي بِالحَقِّ أَسْأَلُ هَلْ لَكُمْ ---- حَظٌّ بِسُنَّةِ سَيِّدِ الأَكْوَانِ
أَنَّى وَقَدْ زَهَّدتُّمُ فِي العِلْمِ بَلْ ---- عَانَدْتُمُ لِشَرَائِعِ القُرْآنِ
وَتَبِعْتُمُ فِي الدِّينِ رَأْيًا دُونَمَا ---- شَرَعَ الإِلَهُ الحَقَّ بِالبُرْهَانِ
كَمْ مِنْ صَلَاةٍ عِنْدَكُمْ غَيْرَ الّتِي ---- صَلَّى بَنُو الإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ
أَوْ وِرْدِ ذِكْرٍ قَدْ طَغَى بِلِسَانِكُمْ ---- مِنْ غَيْرِ فَضْلٍ جَاءَ بِالفُرْقَانِ
بَل رُبَّمَا فَضَّلْتُمُوهُ عَلَى الّذِي ---- شَرَعَ الرَّحِيمُ بِظَاهِرِ البُهْتَانِ
وَصِيَامُكُمْ بِالصَّمْتِ فِعْلُ المُقْتَفِي ---- لِمَآثِرِ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ
وَكَذَاكَ حَجُّكُمُ لِغَيْرِ البَيْتِ بَلْ ---- لِمَعَالِمِ الإِشْرَاكِ وَالطُّغْيَانِ
وَعِبَادَةُ الخَلاَّقِ بِالرَّقْصِ الّذِي ---- هُوَ عِنْدَنَا لِأَرَاذِلِ النِّسْوَانِ
وَغِنَاءِ أَهْلِ الفِسْقِ وَالغَزَلِ الّذِي ---- أَنْشَأْتُمُوهُ لِقُرْبَةِ الدَّيَّانِ
وَكَذَا اخْتِلَاطُ الحُمْرِ فِي أَعْيَادِكُمْ ---- فِسْقًا وَهَتْكَ العِرْضِ وَالأَدْيَانِ
وَبَلِيَّةُ الغَاوِينَ مِنْ أَهْلِ الهَوَى ---- وَعَمَى القُلُوبِ بِفِتْنَةِ المُرْدَانِ
تَعْذِيبُ أَنْفُسِكُمْ وَقَهْرُ جُسُومِكُمْ ---- وَعِقَابُهَا بِالبُخْلِ وَالحِرْمَانِ
مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ قَدْ حَوَتْهُ وَإِنَّمَا ---- ظُلْمُ العِبَادِ بِشُورَةِ الشِّيْطَانِ
أَكْلُ النَّجَاسَةِ وَالقَذَارَةِ وَالَّذِي ---- تَأْبَاهُ فِطْرَةُ خَالِقِ الأَكْوَانِ
لِبْسُ الرِّقَاعِ تَقَشُّفًا مِنْ وَاجِدٍ ---- كَالمُنْكِرِينَ لِنِعْمَةِ المَنَّانِ
وَلَرُبَّمَا زَعَمَ السَّفِيهُ لَدَيْكُمُ ---- أَلاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِ فِي العِصْيَانِ
وَهُوَ الّذِي جَازَ التَّكَالِيفَ الّتِي ---- قَدْ عُلِّقَتْ بِعَوَاتِقِ الإِنْسَانِ
هَذِي وَرَبِّي شِرْعَةُ الإِلْحَادِ بَلْ ---- عَيْنُ الجُحُودِ وَغَايَةُ الكُفْرَانِ
فَصْلٌ
فِي بَعْضِ المُسَمَّيَاتِ
التِي تَمَيِّزَ بِهَا الصُّوفِيَّةُ عَنْ سَائِرِ المُسْلِمِين
هَذَا وَمِنْ بِدَعِ التَّصَوُّفِ أَنْ رَضُوا ---- أَحْوَالَ أَهْلِ السُّكْرِ فِي الأَدْيَانِ
فَلَهُمْ بِغَيْبَتِهِمْ ذُهُولُ المُبْتَلَى ---- عَنْ حَظِّ نَفْسٍ كَانَ بِالإِمْكَانِ
وَالسُّكْرُ عِنْدَهُمُ يُغَيِّبُ بِالفَتَى ---- عَيْشَ الجُسُومِ وَمَشْهَدَ الأَبْدَانِ
وَالمَحْوُ مَحْوُ العَقْلِ مِنْ فَرْطِ الهَوَى ---- وَالصَّحْوُ عَوْدُ العَقْلِ بِالإِنْسَانِ
وَكَذَا الحُضُورُ فَحَالُ إِدْرَاكِ الدُّنَا ---- وَالصَّوْلُ حَصْرُ العِلْمِ بِالرَّحْمَنِ
وَالجَمْعُ جَمْعُ الخَلْقِ فِي رَبِّ الوَرَى ---- وَالفَرْقُ تَمْيِيزُ الوَرَى بِعَيَانِ
ثُمَّ التَّجَلِّي رُؤْيَةُ الدَّيَّانِ فِي ---- غَيْرِ المَنَامِ وَفِطْنَةِ اليَقْظَانِ
وَفَنَاؤُهُمْ بِاللهِ ذَاكَ المُبْتَغَى ---- وَحُلُولُ رَبِّ العَرْشِ بِالأَكْوَانِ
وَالصِّدْقُ قَوْلُ العَبْدِ أَنِّي رَبُّكُمْ ---- وَالشِّرْكُ إِثْبَاتُ الأَنَا بِمَكَانِ
تَوْحِيدُهُمْ يَعْنِي اِتِّحَادَ جُسُومِهِمْ ---- وَقُلُوبِهِمْ بِجَلَالَةِ الدَّيَّان
وَالحَضْرَةُ اسْتِحْضَارُ أَمْلَاكِ الهُدَى ---- أَوْ مَيِّتٍ مِنْ غَابِرِ الأَزْمَانِ
مِثْلَ النَّبِيِّ أَوِ الوَلِيِّ بِزَعْمِهِمْ ---- بِطُقُوسِ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالأَوْثَانِ
وَلَرُبَّمَا طَلَبُوا شُهُودَ اللهِ فِي ---- دَارِ البِلَا وَدَنِيَّةِ الأَوْطَانِ
وَكَمِ اِبْتَلَى اللهُ الحَمِيرَ لِظُلْمِهِمْ ---- بِحُضُورِ شَرِّ الجِنِّ وَالشَّيْطَانِ
وَالكُلُّ مِنْ بِدَعِ المَجُوسِ وَفِكْرِهِمْ ---- وَدِيَانَةِ البُوذِيِّ ذِي الكُفْرَانِ
فَصْلٌ
فِي الطَّرَائِقِ الصُّوفِيَّة
كَمْ فِرْقَةٍ بِالغَيِّ قَدْ شَتَّتْتُمُ ---- أَهْلَ السَّلَامِ وَمَعْشَرَ الإِخْوَانِ
وَرَضِيتُمُ بَعْدَ التَّكَافُلِ فُرْقَةً ---- وَرَضَخْتُمُ لِحَبَائِلِ الشَّيْطَانِ
وَلَسَوْفَ يَعْجَزُ مَنْ يُحَاوِلُ عَدَّهَا ---- وَيَعُودُ بَعْدَ الجَهْدِ بِالخرصَانِ
مَا أُمَّةٌ عُرِفَتْ بِمِثْلِ خِلَافِكُمْ ---- فِي السِّلْمِ بَلْ فِي سَائِرِ الأَدْيَانِ
وَوَضَعْتُمُ فِي كَلِّ حِزْبٍ مُرْشِدًا ---- دُونَ الوَلِيِّ وَنَائِبِ السُّلْطَانِ
أَلْزَمْتُمُ الأَتْبَاعَ طَاعَةَ أَمْرِهِ ---- وَطَرِيقَهُ فِي السِّرِّ وَالإِعْلَانِ
ثُمَّ المُرِيدُ فَذَاكَ عَبْدُ شُيُوخِكُمْ ---- وَأَسِيرُكُمْ مِنْ مَعْشَرِ العُمْيَانِ
وَلَكُمْ مَرَاتِبُ غَيْرَ ذِي مِنْ وَضْعِكُمْ ---- كَمَرَاتِبِ الأَجْنَادِ وَالأَعْوَانِ
قَدْ عَدَّهَا مُحْيِي الذّنُوبِ تَخَرُّصًا ---- خَمْسًا بِلَا سَبَبٍ وَلَا بُرْهَانِ
قُطْبٌ إِمَامٌ ثُمَّ أَبْدَالٌ كَذَا ---- نُجَبَاؤُكُمْ وَنَقِيبُ كَلِّ زَمَانِ
وَالبَعْضُ زَادَ الغَوْثَ وَالأَوْتَادَ مَعْ ---- عُرَفَائِكُمْ بِالإِفْكِ وَالبُهْتَانِ
بِاللهِ أَيُّ دِيَانَةٍ أَنْشَأْتُمُ ---- يَا أَمَّةَ العُمْيَانِ وَالطُّرْشَانِ
مَا فِي كِتَابِ اللهِ وَالسُّنَنِ التِي ---- جَاءَتْ عَنِ المَبْعُوثِ بِالقُرْآنِ
مِنْ إِفْكِكُمْ شَيْئًا بِهِ اسْتَشْهَدْتُمُ ---- كَلاَّ وَلَا جِئْتُمْ لَهَا بِبَيَانِ
لَكِنُّهُ الرَّأْيُ القَبِيحُ بِمَنْ هَوَى ---- قَوْلَ الكَذُوبِ وَشِرْعَةَ الهَذَيَانِ
فَصْلٌ فِي
جَمَاعَةِ التَّبْلِيغ
ذَاكُمْ وَمِنْ رَحِمِ التَّصَوُّفِ أُطْلِقَتْ ---- مَجْمُوعَةُ التَّبْلِيغِ بِالبُلْدَانِ
تَدْعُوا إِلَى شَرْعِ الإِلَهِ بِزَعْمِهَا ---- وَتُقَرِّبُ العَاصِينَ لِلْإِيمَانِ
بِالجَهْلِ قَدْ طَلَبَتْ شَرِيعَةَ أَحْمَدٍ ---- وَبِجَهْلِهَا حَمَلَتْ عَلَى العِصْيَانِ
قَدْ وَكَّلُوا بِعَظِيمِ أَمْرِهِمُ الّذِي ---- رَكِبَ الفُسُوقَ وَغَمْرَةَ الفِتْيَانِ
وَعَصَائِبُ الأَوْبَاشِ مِنْ بَيْنِ الوَرَى ---- وَمَعَاشِر الطُّرْشَانِ وَالعُمْيَانِ
أَفَيُنْذِرُ الجُهَّالَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُمْ ---- أَمْ يُرْشِدُ الفُسَّاقَ ذُو الكُفْرَانِ
هُمْ جَمَّعُوا فِي حِزْبِهِمْ أُمَمَ الرَّدَى ---- وَفُلُولَ أَهْلِ الشِّرْكِ وَالطُّغْيَانِ
أَهْلَ المَعَاصِي وَالبَدَائِعِ كُلِّهَا ---- وَطَرَائِقَ الغَالِينَ بِالبُهْتَانِ
فَلَهُمْ لَدَى طُرُقِ التَّصَوُّفِ بَيْعَةٌ ---- وَلَهُمْ بِفِرْقَتِهِمْ إِمَامٌ ثَانِ
كَمْ زَهَّدُوا فِي العِلْمِ أَرْبَابَ النُّهَى ---- وَرَأَوْهُ مَنْشَأَ فُرْقَةِ الإِخْوَانِ
وَرَأَوْا بِأَنَّ الجَهْلَ أَسْلَمُ بِالفَتَى ---- مِنْ نَهْجِ أَهْلِ العِلْمِ وَالقُرْآنِ
جَعَلُوا الدِّيَانَةَ قِسْمَتَيْنِ فَبَعْضُهَا ---- لُبٌّ وَذَاكَ القِشْرُ قِسْمٌ ثَانِ
فَدَعَوْا عِبَادَ اللهِ لِلْأُولَى وَقَدْ ---- زَهَدُوا بِشَطْرِ شَرِيعَةِ العَدْنَانِي
وَمُرَادُهُمْ أَبَدًا تَكَاثُرُ حِزْبِهِمْ ---- مِنْ كُلِّ غَثٍّ أَوْ بِكُلِّ سِمَانِ
وَلَهُمْ بِسِحْرِ القَوْلِ عِلْمٌ دُونَمَا ---- يُرْسِي شُعَاعَ الحَقِّ بِالأَذْهَانِ
فَلَكَمْ سَبَوْا بِالزُّورِ مِنْ عَبْدٍ بِلَا ---- حُجَجٍ تَلُوحُ لَهُمْ وَلَا بُرْهَانِ
بَلْ زُخْرُفُ القَوْلِ الّذِي هُوَ عِنْدَهُمْ ---- رَأْسُ القَصِيدِ وَغَايَةُ التِّبْيَانِ
.
التعديل الأخير تم بواسطة مراد قرازة ; 28 Aug 2015 الساعة 12:01 AM
|