منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم البحث مشاركات اليوم اجعل كافة الأقسام مقروءة Right Nav

Left Container Right Container
 
  #1  
قديم 02 May 2016, 09:09 PM
أبو حـــاتم البُلَيْـــدِي
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي فَعَلَهَا عَدُوُّ اللهِ، فَأَدْرِكُوا أَنْفُسَكُمْ

فَعَلَهَا عَدُوُّ اللهِ، فَأَدْرِكُوا أَنْفُسَكُمْ



بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِي لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ، لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ، اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الإيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَينَا الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ..

أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلّ: ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اِعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ۖ أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) ﴾ [ سُورَةٌ: يس].

قَالَ الإِمَامُ السّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ:{ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيكُمْ} أَي: -آمُرْكُمْ وَأُوصِيكُمْ، عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِي، وَأَقُلْ لَكُمْ - { يا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ} أَيٌّ: - لَا تُطِيعُوهُ ؟ وَهَذَا التَّوْبِيخُ، يَدْخَلُ فِيهِ التَّوْبِيخُ عَنْ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي، لِأَنّهَا كُلَّهَا طَاعَةٌ لِلشَّيْطَانِ وَعِبَادَةٌ لَهُ-،{ إِنّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ } - فَحَذَّرْتُكُمْ مِنهُ غَايَةَ التَّحْذِيرِ، وَأَنْذَرْتُكُمْ عَنْ طَاعَتِهِ، وَأَخْبَرْتُكُمْ بِمَا يَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ.- { وَ} - أَمرْتُكُمْ - { أَنِ اِعْبُدُونِي} - بِاِمْتِثَالِ أوَامِرِي وَتَرْكَ زوَاجِرِي،- { هَذَا } أي: - عِبَادَتِي وَطَاعَتِي، وَمَعْصِيَةُ الشَّيْطَانِ- { صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} - فَعُلُوم الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَأَعْمَالُهُ تَرْجِعُ إِلَى هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ، أي: فَلَمْ تَحْفَظُوا عَهْدِي، وَلَمْ تَعْمَلُوا بِوَصِيَّتِي، فَوَالَيْتُم عَدُوَّكُمْ.- { وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا} أي: - خَلْقًا كَثِيرًا.- { أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} أي: - فَلَا كَانَ لَكُمْ عَقْلٌ يَأْمُرُكُمْ بِمُوَالاَةِ رَبِّكُمْ وَوَلِيِّكُمْ الْحَقّ، وَيَزْجُرُكُمْ عَنِ اِتِّخَاذِ أَعْدَى الْأَعْدَاءِ لَكُمْ وَلِيًّا، فَلَوْ كَانَ لَكُمْ عَقْلٌ صَحِيحُ لَمَا فَعَلْتُم ذَلِكَ.[ تَيْسير الْكَرِيمِ الرَّحْمَنِ ].

وَعَقِبَ ذِكْرِ هَذِهِ الآيَاتِ العَظِيمَاتِ بِتَفْسِيرِهَا، أَحْبَبْتُ أَنْ أَضَعَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ خُطْبَةً خَطِيرَةً جِدًّا، أَلْقَاهَا قَائِدُ عَسْكَرِ الْعَدُوِّ وَإِمَامُهُمْ ( إبْلِيسُ ) أَعَاذَنَا اللهُ مِنْ شَرِّهِ..

وَقَدْ قَامَ -بِتَنْسِيقِ الخُطْبَةِ وَتَرْتِيبِهَا- الإِمَامُ الْأَدِيبُ الْأَرِيبُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الثَّانِي مُحَمَّد اِبْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ فِي كِتَابِهِ الْوَافِي ( الْجَوَاب الْكَافِي )..

ثُمَّ اعْلَمْ -وَفَّقَنِي اللهُ وَإِيَّاك- أَنَّ أَوَّلَ خُطْوَةٍ سَيَخْطُوهَا عَدُوُّكَ -الشَّيْطَان- مَعَكَ حِيَالَ هَذَا المَوْضُوعِ هِيَ اسْتِطَالَةُ مَضْمُونِهِ، فَاحْذَرْ مِنْ خُطُوَاتِهِ، وَكُنْ حَازِمًا وَلاَ تَتَرَدَّدْ، وَدُونَكَ المقَالَة..

قَالَ رَحِمَهُ اللهُ ( 196 إلى 207 ) :
فَانْظُرِ الْآنَ فِيكَ إِلَى الْتِقَاءِ الْجَيْشَيْنِ ، وَاصْطِدَامِ الْعَسْكَرَيْنِ وَكَيْفَ تُدَالُ مَرَّةً ، وَيُدَالُ عَلَيْكَ أُخْرَى ؟
أَقْبَلَ مَلِكُ الْكَفَرَةِ بِجُنُودِهِ وَعَسَاكِرِهِ ، فَوَجَدَ الْقَلْبَ فِي حِصْنِهِ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيِّ مَمْلَكَتِهِ ، أَمْرُهُ نَافِذٌ فِي أَعْوَانِهِ ، وَجُنْدُهُ قَدْ حَفُّوا بِهِ ، يُقَاتِلُونَ عَنْهُ وَيُدَافِعُونَ عَنْ حَوْزَتِهِ ، فَلَمْ يُمْكِنْهُمُ الْهُجُومُ عَلَيْهِ إِلَّا بِمُخَامَرَةِ بَعْضِ أُمَرَائِهِ وَجُنْدِهِ عَلَيْهِ ، فَسَأَلَ عَنْ أَخَصِّ الْجُنْدِ بِهِ وَأَقْرَبِهِمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً ، فَقِيلَ لَهُ : هِيَ النَّفْسُ ، فَقَالَ لِأَعْوَانِهِ : ادْخُلُوا عَلَيْهَا مِنْ مُرَادِهَا ، وَانْظُرُوا مَوَاقِعَ مَحَبَّتِهَا وَمَا هُوَ مَحْبُوبُهَا فَعِدُوهَا بِهِ وَمَنُّوهَا إِيَّاهُ وَانْقُشُوا صُورَةَ الْمَحْبُوبِ فِيهَا فِي يَقَظَتِهَا وَمَنَامِهَا ، فَإِذَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ وَسَكَنَتْ عِنْدَهُ فَاطْرَحُوا عَلَيْهَا كَلَالِيبَ الشَّهْوَةِ وَخَطَاطِيفَهَا ، ثُمَّ جُرُّوهَا بِهَا -أي بالشهوات- إِلَيْكُمْ ، فَإِذَا خَامَرَتْ عَلَى الْقَلْبِ وَصَارَتْ مَعَكُمْ عَلَيْهِ مَلَكْتُمْ ثَغْرَ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَاللِّسَانِ وَالْفَمِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ ، فَرَابِطُوا عَلَى هَذِهِ الثُّغُورِ كُلَّ الْمُرَابَطَةِ ، فَمَتَى دَخَلْتُمْ مِنْهَا إِلَى الْقَلْبِ فَهُوَ قَتِيلٌ أَوْ أَسِيرٌ ، أَوْ جَرِيحٌ مُثْخَنٌ بِالْجِرَاحَاتِ.
وَلَا تُخْلُوا هَذِهِ الثُّغُورَ ، وَلَا تُمَكِّنُوا سَرِيَّةً تَدْخُلُ فِيهَا إِلَى الْقَلْبِ فَتُخْرِجَكُمْ مِنْهَا ، وَإِنْ غُلِبْتُمْ فَاجْتَهِدُوا فِي إِضْعَافِ السَّرِيَّةِ وَوَهَنِهَا ، حَتَّى لَا تَصِلَ إِلَى الْقَلْبِ ، فَإِنْ وَصَلَتْ إِلَيْهِ وَصَلَتْ ضَعِيفَةً لَا تُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا .
فَإِذَا اسْتَوْلَيْتُمْ عَلَى هَذِهِ الثُّغُورِ فَامْنَعُوا ثَغْرَ الْعَيْنِ أَنْ يَكُونَ نَظَرُهُ اعْتِبَارًا ، بَلِ اجْعَلُوا نَظَرَهُ تَفَرُّجًا وَاسْتِحْسَانًا وَتَلَهِّيًا ، فَإِنِ اسْتَرَقَ نَظَرُهُ عِبْرَةً فَأَفْسِدُوهَا عَلَيْهِ بِنَظَرِ الْغَفْلَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَالشَّهْوَةِ ، فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ وَأَعْلَقُ بِنَفْسِهِ وَأَخَفُّ عَلَيْهِ ، وَدُونَكُمْ ثَغْرَ الْعَيْنِ ، فَإِنَّ مِنْهُ تَنَالُونَ بُغْيَتَكُمْ ، فَإِنِّي مَا أَفْسَدْتُ بَنِي آدَمَ بِشَيْءٍ مِثْلِ النَّظَرِ ، فَإِنِّي أَبْذُرُ بِهِ فِي الْقَلْبِ بَذْرَ الشَّهْوَةِ ، ثُمَّ أَسْقِيهِ بِمَاءِ الْأُمْنِيَّةِ ، ثُمَّ لَا أَزَالُ أَعِدُهُ وَأُمَنِّيهِ حَتَّى أُقَوِّيَ عَزِيمَتَهُ وَأَقُودَهُ بِزِمَامِ الشَّهْوَةِ إِلَى الِانْخِلَاعِ مِنَ الْعِصْمَةِ ، فَلَا تُهْمِلُوا أَمْرَ هَذَا الثَّغْرِ وَأَفْسِدُوهُ بِحَسَبِ اسْتِطَاعَتِكُمْ ، وَهَوِّنُوا عَلَيْهِ أَمْرَهُ ، وَقُولُوا لَهُ : مِقْدَارُ نَظْرَةٍ تَدْعُوكَ إِلَى تَسْبِيحِ الْخَالِقِ وَالتَّأَمُّلِ لِبَدِيعِ صَنِيعِهِ ، وَحُسْنِ هَذِهِ الصُّورَةِ الَّتِي إِنَّمَا خُلِقَتْ لِيَسْتَدِلَّ بِهَا النَّاظِرُ عَلَيْهِ ، وَمَا خَلَقَ اللَّهُ لَكَ الْعَيْنَيْنِ سُدًى ، وَمَا خَلَقَ اللَّهُ هَذِهِ الصُّورَةَ لِيَحْجُبَهَا عَنِ النَّظَرِ ، وَإِنْ ظَفِرْتُمْ بِهِ قَلِيلَ الْعِلْمِ فَاسِدَ الْعَقْلِ ، فَقُولُوا لَهُ : هَذِهِ الصُّورَةُ مَظْهَرٌ مِنْ مَظَاهِرِ الْحَقِّ وَمَجْلًى مِنْ مَجَالِيهِ ، فَادْعُوهُ إِلَى الْقَوْلِ بِالِاتِّحَادِ ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فَالْقَوْلُ بِالْحُلُولِ الْعَامِّ أَوِ الْخَاصِّ ، وَلَا تَقْنَعُوا مِنْهُ بِدُونِ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِهِ مِنْ إِخْوَانِ النَّصَارَى ، فَمُرُوهُ حِينَئِذٍ بِالْعِفَّةِ وَالصِّيَانَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا ، وَاصْطَادُوا عَلَيْهِ وَبِهِ الْجُهَّالَ ، فَهَذَا مِنْ أَقْرَبِ خُلَفَائِي وَأَكْبَرِ جُنْدِي ، بَلْ أَنَا مِنْ جُنْدِهِ وَأَعْوَانِهِ!.

ثُمَّ امْنَعُوا ثَغْرَ الْأُذُنِ أَنْ يُدْخِلَ عَلَيْهِ مَا يُفْسِدُ عَلَيْكُمُ الْأَمْرَ ، فَاجْتَهِدُوا أَنْ لَا تُدْخِلُوا مِنْهُ إِلَّا الْبَاطِلَ ، فَإِنَّهُ خَفِيفٌ عَلَى النَّفْسِ تَسْتَحْلِيهِ وَتَسْتَحْسِنُهُ ، تَخَيَّرُوا لَهُ أَعْذَبَ الْأَلْفَاظِ وَأَسْحَرَهَا لِلْأَلْبَابِ ، وَامْزِجُوهُ بِمَا تَهْوَى النَّفْسُ مَزْجًا .
وَأَلْقُوا الْكَلِمَةَ فَإِنْ رَأَيْتُمْ مِنْهُ إِصْغَاءً إِلَيْهَا فَزُجُّوهُ بِأَخَوَاتِهَا ، وَكُلَّمَا صَادَفْتُمْ مِنْهُ اسْتِحْسَانَ شَيْءٍ فَالْهَجُوا لَهُ بِذِكْرِهِ ، وَإِيَّاكُمْ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ هَذَا الثَّغْرِ شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ أَوْ كَلَامِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ كَلَامِ النُّصَحَاءِ ، فَإِنْ غُلِبْتُمْ عَلَى ذَلِكَ وَدَخَلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ، فَحُولُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ فَهْمِهِ وَتَدَبُّرِهِ وَالتَّفَكُّرِ فِيهِ وَالْعِظَةِ بِهِ ، إِمَّا بِإِدْخَالِ ضِدِّهِ عَلَيْهِ ، وَإِمَّا بِتَهْوِيلِ ذَلِكَ وَتَعْظِيمِهِ وَأَنَّ هَذَا أَمْرٌ قَدْ حِيلَ بَيْنَ النُّفُوسِ وَبَيْنَهُ فَلَا سَبِيلَ لَهَا إِلَيْهِ ، وَهُوَ حِمْلٌ يَثْقُلُ عَلَيْهَا لَا تَسْتَقِلُّ بِهِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَإِمَّا بِإِرْخَاصِهِ عَلَى النُّفُوسِ ، وَأَنَّ الِاشْتِغَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِمَا هُوَ أَعْلَى عِنْدَ النَّاسِ ، وَأَعَزُّ عَلَيْهِمْ ، وَأَغْرَبُ عِنْدَهُمْ ، وَزُبُونُهُ الْقَابِلُونَ لَهُ أَكْثَرُ ، وَأَمَّا الْحَقُّ فَهُوَ مَهْجُورٌ ، وَقَائِلُهُ مُعَرِّضٌ نَفْسَهُ لِلْعَدَاوَةِ ، وَالرَّابِحُ بَيْنَ النَّاسِ أَوْلَى بِالْإِيثَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، فَتُدْخِلُونَ الْبَاطِلَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ قَالَبٍ يَقْبَلُهُ وَيَخِفُّ عَلَيْهِ ، وَتُخْرِجُونَ لَهُ الْحَقَّ فِي كُلِّ قَالَبٍ يَكْرَهُهُ وَيَثْقُلُ عَلَيْهِ .
وَإِذَا شِئْتَ أَنْ تَعْرِفَ ذَلِكَ فَانْظُرْ إِلَى إِخْوَانِهِمْ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ ، كَيْفَ يُخْرِجُونَ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي قَالَبِ كَثْرَةِ الْفُضُولِ ، وَتَتَبُّعِ عَثَرَاتِ النَّاسِ ، وَالتَّعَرُّضِ مِنَ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ ، وَإِلْقَاءِ الْفِتَنِ بَيْنَ النَّاسِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَيُخْرِجُونَ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ وَوَصْفَ الرَّبِّ تَعَالَى بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ وَوَصَفَهُ بِهِ رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَالَبِ التَّجْسِيمِ وَالتَّشْبِيهِ وَالتَّكْيِيفِ ، وَيُسَمُّونَ عُلُوَّ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ وَاسْتِوَاءَهُ عَلَى عَرْشِهِ وَمُبَايَنَتَهُ لِمَخْلُوقَاتِهِ ، تَحَيُّزًا ، وَيُسَمُّونَ نُزُولَهُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ، وَقَوْلَهُ : مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ، تَحَرُّكًا وَانْتِقَالًا ، وَيُسَمُّونَ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ مِنَ الْيَدِ وَالْوَجْهِ أَعْضَاءَ وَجَوَارِحَ ، وَيُسَمُّونَ مَا يَقُومُ بِهِ مِنْ أَفْعَالِهِ حَوَادِثَ ، وَمَا يَقُومُ مِنْ صِفَاتِهِ أَعْرَاضًا ، ثُمَّ يَتَوَصَّلُونَ إِلَى نَفْيِ مَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ ، وَيُوهِمُونَ الْأَغْمَارَ وَضُعَفَاءَ الْبَصَائِرِ ، أَنَّ إِثْبَاتَ الصِّفَاتِ الَّتِي نَطَقَ بِهَا كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَسْتَلْزِمُ هَذِهِ الْأُمُورَ ، وَيُخْرِجُونَ هَذَا التَّعْطِيلَ فِي قَالَبِ التَّنْزِيهِ وَالتَّعْظِيمِ ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ ضُعَفَاءُ الْعُقُولِ يَقْبَلُونَ الشَّيْءَ بِلَفْظٍ وَيَرُدُّونَهُ بِعَيْنِهِ بِلَفْظٍ آخَرَ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا ﴾ [الْأَنْعَامِ : 112 ] فَسَمَّاهُ زُخْرُفًا ، وَهُوَ بَاطِلٌ ، لِأَنَّ صَاحِبَهُ يُزَخْرِفُهُ وَيُزَيِّنُهُ مَا اسْتَطَاعَ ، وَيُلْقِيهِ إِلَى سَمْعِ الْمَغْرُورِ فَيَغْتَرُّ بِهِ .

وَالْمَقْصُودُ : أَنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ لَزِمَ ثَغْرَ الْأُذُنِ ، أَنْ يُدْخِلَ فِيهَا مَا يَضُرُّ الْعَبْدَ وَلَا يَنْفَعُهُ ، وَيَمْنَعَ أَنْ يَدْخُلَ إِلَيْهَا مَا يَنْفَعُهُ ، وَإِنْ دَخَلَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ أَفْسَدَهُ عَلَيْهِ .

ثُمَّ يَقُولُ : قُومُوا عَلَى ثَغْرِ اللِّسَانِ ، فَإِنَّهُ الثَّغْرُ الْأَعْظَمُ ، وَهُوَ قُبَالَةُ الْمَلِكِ ، فَأَجْرُوا عَلَيْهِ مِنَ الْكَلَامِ مَا يَضُرُّهُ وَلَا يَنْفَعُهُ ، وَامْنَعُوهُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَنْفَعُهُ : مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتِغْفَارِهِ ، وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ ، وَنَصِيحَةِ عِبَادِهِ ، وَالتَّكَلُّمِ بِالْعِلْمِ النَّافِعِ ، وَيَكُونُ لَكُمْ فِي هَذَا الثَّغْرِ أَمْرَانِ عَظِيمَانِ ، لَا تُبَالُونَ بِأَيِّهِمَا ظَفِرْتُمْ :

أَحَدُهُمَا : التَّكَلُّمُ بِالْبَاطِلِ ، فَإِنَّمَا الْمُتَكَلِّمُ بِالْبَاطِلِ أَخٌ مِنْ إِخْوَانِكُمْ ، وَمِنْ أَكْبَرِ جُنْدِكِمْ وَأَعْوَانِكِمْ .
الثَّانِي : السُّكُوتُ عَنِ الْحَقِّ ، فَإِنَّ السَّاكِتَ عَنِ الْحَقِّ أَخٌ لَكُمْ أَخْرَسُ ، كَمَا أَنَّ الْأَوَّلَ أَخٌ نَاطِقٌ ، وَرُبَّمَا كَانَ الْأَخُ الثَّانِي أَنْفَعَ أَخَوَيْكُمْ لَكُمْ ، أَمَا سَمِعْتُمْ قَوْلَ النَّاصِحِ : الْمُتَكَلِّمُ بِالْبَاطِلِ شَيْطَانٌ نَاطِقٌ ، وَالسَّاكِتُ عَنِ الْحَقِّ شَيْطَانٌ أَخْرَسُ ؟
فَالرِّبَاطَ الرِّبَاطَ عَلَى هَذَا الثَّغْرِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِحَقٍّ أَوْ يُمْسِكَ عَنْ بَاطِلٍ ، وَزَيِّنُوا لَهُ التَّكَلُّمَ بِالْبَاطِلِ بِكُلِّ طَرِيقٍ ، وَخَوِّفُوهُ مِنَ التَّكَلُّمِ بِالْحَقِّ بِكُلِّ طَرِيقٍ .
وَاعْلَمُوا يَا بَنِيَّ أَنَّ ثَغْرَ اللِّسَانِ هُوَ الَّذِي أُهْلِكُ مِنْهُ بَنِي آدَمَ ، وَأَكُبُّهُمْ مِنْهُ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ فِي النَّارِ ، فَكَمْ لِي مِنْ قَتِيلٍ وَأَسِيرٍ وَجَرِيحٍ أَخَذْتُهُ مِنْ هَذَا الثَّغْرِ ؟
وَأُوصِيكُمْ بِوَصِيَّةٍ فَاحْفَظُوهَا : لِيَنْطِقْ أَحَدُكُمْ عَلَى لِسَانِ أَخِيهِ مِنَ الْإِنْسِ بِالْكَلِمَةِ ، وَيَكُونُ الْآخَرُ عَلَى لِسَانِ السَّامِعِ فَيَنْطِقُ بِاسْتِحْسَانِهَا وَتَعْظِيمِهَا وَالتَّعَجُّبِ مِنْهَا وَيَطْلُبُ مِنْ أَخِيهِ إِعَادَتَهَا ، وَكُونُوا أَعْوَانًا عَلَى الْإِنْسِ بِكُلِّ طَرِيقٍ ، وَادْخُلُوا عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ، وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ، أَمَا سَمِعْتُمْ قَسَمِي الَّذِي أَقْسَمْتُ بِهِ لِرَبِّهِمْ حَيْثُ قُلْتُ : ﴿ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [ الْأَعْرَافِ: 16/17 ] .
أَوَمَا تَرَوْنِي قَدْ قَعَدْتُ لِابْنِ آدَمَ بِطُرُقِهِ كُلِّهَا ، فَلَا يَفُوتُنِي مِنْ طَرِيقٍ إِلَّا قَعَدْتُ لَهُ بِطَرِيقٍ غَيْرِهِ ، حَتَّى أُصِيبَ مِنْهُ حَاجَتِي أَوْ بَعْضَهَا ؟ وَقَدْ حَذَّرَهُمْ ذَلِكَ رَسُولُهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَهُمْ : إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ قَعَدَ لِابْنِ آدَمَ بِطُرُقِهِ كُلِّهَا ، وَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْإِسْلَامِ ، فَقَالَ لَهُ : أَتُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ ؟ فَخَالَفَهُ وَأَسْلَمَ ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ ، فَقَالَ : أَتُهَاجِرُ وَتَذَرُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ ؟ فَخَالَفَهُ وَهَاجَرَ ، فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ ، فَقَالَ : أَتُجَاهِدُ فَتُقْتَلَ فَيُقَسَّمَ الْمَالُ وَتُنْكَحَ الزَّوْجَةُ ؟
فَكَهَذَا فَاقْعُدُوا لَهُمْ بِكُلِّ طُرُقِ الْخَيْرِ ، فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَتَصَدَّقَ فَاقْعُدُوا لَهُ عَلَى طَرِيقِ الصَّدَقَةِ ، وَقُولُوا لَهُ فِي نَفْسِهِ : أَتُخْرِجُ الْمَالَ فَتَبْقَى مِثْلَ هَذَا السَّائِلِ وَتَصِيرَ بِمَنْزِلَتِهِ أَنْتَ وَهُوَ سَوَاءٌ ؟ أَوَمَا سَمِعْتُمْ مَا أَلْقَيْتُ عَلَى لِسَانِ رَجُلٍ سَأَلَهُ آخَرُ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ ، قَالَ : هِيَ أَمْوَالُنَا إِذَا أَعْطَيْنَاكُمُوهَا صِرْنَا مِثْلَكُمْ .
وَاقْعُدُوا لَهُ بِطَرِيقِ الْحَجِّ ، فَقُولُوا : طَرِيقُهُ مَخُوفَةٌ مُشِقَّةٌ ، يَتَعَرَّضُ سَالِكُهَا لِتَلَفِ النَّفْسِ وَالْمَالِ ، وَهَكَذَا فَاقْعُدُوا لَهُ عَلَى سَائِرِ طُرُقٍ الْخَيْرِ بِالتَّنْفِيرِ عَنْهَا وَذِكْرِ صُعُوبَتِهَا وَآفَاتِهَا ، ثُمَّ اقْعُدُوا لَهُمْ عَلَى طُرُقِ الْمَعَاصِي فَحَسِّنُوهَا فِي أَعْيُنِ بَنِي آدَمَ ، وَزَيِّنُوهَا فِي قُلُوبِهِمْ ، وَاجْعَلُوا أَكْثَرَ أَعْوَانِكِمْ عَلَى ذَلِكَ النِّسَاءَ ، فَمِنْ أَبْوَابِهِنَّ فَادْخُلُوا عَلَيْهِمْ ، فَنِعْمَ الْعَوْنُ هُنَّ لَكُمْ .

ثُمَّ الْزَمُوا ثَغْرَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ ، فَامْنَعُوهَا أَنْ تَبْطِشَ بِمَا يَضُرُّكُمْ وَتَمْشِي فِيهِ .
وَاعْلَمُوا أَنَّ أَكْبَرَ أَعْوَانِكُمْ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ الثُّغُورِ مُصَالَحَةُ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ ، فَأَعْيُوهَا وَاسْتَعِينُوا بِهَا ، وَأَمِدُّوهَا وَاسْتَمِدُّوا مِنْهَا ، وَكُونُوا مَعَهَا عَلَى حَرْبِ النَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ ، فَاجْتَهِدُوا فِي كَسْرِهَا وَإِبْطَالِ قُوَاهَا ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بِقَطْعِ مَوَادِّهَا عَنْهَا ، فَإِذَا انْقَطَعَتْ مَوَادُّهَا وَقَوِيَتْ مَوَادُّ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ ، وَانْطَاعَتْ لَكُمْ أَعْوَانُهَا ، فَاسْتَنْزِلُوا الْقَلْبَ مِنْ حِصْنِهِ ، وَاعْزِلُوهُ عَنْ مَمْلَكَتِهِ ، وَوَلُّوا مَكَانَهُ النَّفْسَ الْأَمَّارَةَ ، فَإِنَّهَا لَا تَأْمُرُ إِلَّا بِمَا تَهْوَوْنَهُ وَتُحِبُّونَهُ ، وَلَا تَجِيئُكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَهُ أَلْبَتَّةَ ، مَعَ أَنَّهَا لَا تُخَالِفُكُمْ فِي شَيْءٍ تُشِيرُونَ بِهِ عَلَيْهَا ، بَلْ إِذَا أَشَرْتُمْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ بَادَرَتْ إِلَى فِعْلِهِ ، فَإِنْ أَحْسَسْتُمْ مِنَ الْقَلْبِ مُنَازَعَةً إِلَى مَمْلَكَتِهِ ، وَأَرَدْتُمُ الْأَمْنَ مِنْ ذَلِكَ ، فَاعْقِدُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّفْسِ عَقْدَ النِّكَاحِ ، فَزَيِّنُوهَا وَجَمِّلُوهَا ، وَأَرُوهَا إِيَّاهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةِ عَرُوسٍ تُوجَدُ ، وَقُولُوا لَهُ ذُقْ طَعْمَ هَذَا الْوِصَالِ وَالتَّمَتُّعِ بِهَذِهِ الْعَرُوسِ كَمَا ذُقْتَ طَعْمَ الْحَرْبِ ، وَبَاشَرْتَ مَرَارَةَ الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ ، ثُمَّ وَازِنْ بَيْنَ لَذَّةِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَمَرَارَةِ تِلْكَ الْمُحَارَبَةِ ، فَدَعِ الْحَرْبَ تَضَعُ أَوْزَارَهَا ، فَلَيْسَتْ بِيَوْمٍ وَتَنْقَضِي ، وَإِنَّمَا هُوَ حَرْبٌ مُتَّصِلٌ بِالْمَوْتِ ، وَقُوَاكَ تَضْعُفُ عَنْ حَرْبٍ دَائِمٍ .
وَاسْتَعِينُوا يَا بَنِيَّ بِجُنْدَيْنِ عَظِيمَيْنِ لَنْ تُغْلَبُوا مَعَهُمَا :
أَحَدُهُمَا : جُنْدُ الْغَفْلَةِ ، فَأَغْفِلُوا قُلُوبَ بَنِي آدَمَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَالدَّارِ الْآخِرَةِ بِكُلِّ طَرِيقٍ ، فَلَيْسَ لَكُمْ شَيْءٌ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ غَرَضِكِمْ مِنْ ذَلِكَ ، فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا غَفَلَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى تَمَكَّنْتُمْ مِنْهُ وَمِنْ إِغْوَائِهِ .
الثَّانِي : جُنْدُ الشَّهَوَاتِ ، فَزَيِّنُوهَا فِي قُلُوبِهِمْ ، وَحَسِّنُوهَا فِي أَعْيُنِهِمْ ، وَصُولُوا عَلَيْهِمْ بِهَذَيْنِ الْعَسْكَرَيْنِ ، فَلَيْسَ لَكُمْ فِي بَنِي آدَمَ أَبْلَغُ مِنْهُمَا ، وَاسْتَعِينُوا عَلَى الْغَفْلَةِ بِالشَّهَوَاتِ ، وَعَلَى الشَّهَوَاتِ بِالْغَفْلَةِ ، وَاقْرِنُوا بَيْنَ الْغَافِلِينَ ، ثُمَّ اسْتَعِينُوا بِهِمَا عَلَى الذَّاكِرِ ، وَلَا يَغْلِبُ وَاحِدٌ خَمْسَةً ، فَإِنَّ مَعَ الْغَافِلَيْنِ شَيْطَانَيْنِ صَارُوا أَرْبَعَةً ، وَشَيْطَانُ الذَّاكِرِ مَعَهُمْ ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ جَمَاعَةً مُجْتَمِعِينَ عَلَى مَا يَضُرُّكُمْ - مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمُذَاكَرَةِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَدِينِهِ ، وَلَمْ تَقْدِرُوا عَلَى تَفْرِيقِهِمْ - فَاسْتَعِينُوا عَلَيْهِمْ بِبَنِي جِنْسِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ الْبَطَّالِينَ ، فَقَرِّبُوهُمْ مِنْهُمْ ، وَشَوِّشُوا عَلَيْهِمْ بِهِمْ ، وَبِالْجُمْلَةِ فَأَعِدُّوا لِلْأُمُورِ أَقْرَانَهَا ، وَادْخُلُوا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ بَابِ إِرَادَتِهِ وَشَهْوَتِهِ ، فَسَاعِدُوهُ عَلَيْهَا ، وَكُونُوا لَهُ أَعْوَانًا عَلَى تَحْصِيلِهَا ، وَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ أَمَرَهُمْ أَنْ يَصْبِرُوا لَكُمْ وَيُصَابِرُوكُمْ وَيُرَابِطُوا عَلَيْكُمُ الثُّغُورَ ، فَاصْبِرُوا أَنْتُمْ وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا عَلَيْهِمْ بِالثُّغُورِ ، وَانْتَهِزُوا فُرَصَكُمْ فِيهِمْ عِنْدَ الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ ، فَلَا تَصْطَادُوا بَنِي آدَمَ فِي أَعْظَمَ مِنْ هَذَيْنِ الْمَوْطِنَيْنِ .
وَاعْلَمُوا أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ سُلْطَانُ الشَّهْوَةِ عَلَيْهِ أَغْلَبَ وَسُلْطَانُ غَضَبِهِ ضَعِيفٌ مَقْهُورٌ ، فَخُذُوا عَلَيْهِ طَرِيقَ الشَّهْوَةِ ، وَدَعُوا طَرِيقَ الْغَضَبِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ سُلْطَانُ الْغَضَبِ عَلَيْهِ أَغْلَبَ ، فَلَا تُخْلُوا طَرِيقَ الشَّهْوَةِ قَلْبَهُ ، وَلَا تُعَطِّلُوا ثَغْرَهَا ، فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ، فَإِنَّهُ الْحَرِيُّ أَنْ لَا يَمْلِكَ نَفْسَهُ عِنْدَ الشَّهْوَةِ ، فَزَوِّجُوا بَيْنَ غَضَبِهِ وَشَهْوَتِهِ ، وَامْزِجُوا أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ ، وَادْعُوهُ إِلَى الشَّهْوَةِ مِنْ بَابِ الْغَضَبِ ، وَإِلَى الْغَضَبِ مِنْ طَرِيقِ الشَّهْوَةِ .
وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ فِي بَنِي آدَمَ سِلَاحٌ أَبْلَغُ مِنْ هَذَيْنِ السِّلَاحَيْنِ ، وَإِنَّمَا أَخْرَجْتُ أَبَوَيْهِمْ مِنَ الْجَنَّةِ بِالشَّهْوَةِ ، وَإِنَّمَا أَلْقَيْتُ الْعَدَاوَةَ بَيْنَ أَوْلَادِهِمْ بِالْغَضَبِ ، فَبِهِ قَطَّعْتُ أَرْحَامَهُمْ ، وَسَفَكْتُ دِمَاءَهُمْ ، وَبِهِ قَتَلَ أَحَدُ ابْنَيْ آدَمَ أَخَاهُ .
وَاعْلَمُوا أَنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ ، وَالشَّهْوَةَ تَثُورُ مِنْ قَلْبِهِ ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ وَالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالتَّكْبِيرِ ، فَإِيَّاكُمْ أَنْ تُمَكِّنُوا ابْنَ آدَمَ عِنْدَ غَضَبِهِ وَشَهْوَتِهِ مِنْ قُرْبَانِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُطْفِئُ عَنْهُمْ نَارَ الْغَضَبِ وَالشَّهْوَةِ ، وَقَدْ أَمَرَهُمْ نَبِيُّهُمْ بِذَلِكَ فَقَالَ : إِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ ، أَمَا رَأَيْتُمْ مِنِ احْمِرَارِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ ، فَمَنْ أَحَسَّ بِذَلِكَ فَلْيَتَوَضَّأْ .
وَقَالَ لَهُمْ : إِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ ، وَقَدْ أَوْصَاهُمُ اللَّهُ أَنْ يَسْتَعِينُوا عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ، فَحُولُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ذَلِكَ ، وَأَنْسُوهُمْ إِيَّاهُ ، وَاسْتَعِينُوا عَلَيْهِمْ بِالشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ ، وَأَبْلَغُ أَسْلِحَتِكِمْ فِيهِمْ وَأَنْكَاهَا : الْغَفْلَةُ وَاتِّبَاعُ الْهَوَى . وَأَعْظَمُ أَسْلِحَتِهِمْ فِيكُمْ وَأَمْنَعُ حُصُونِهِمْ ذِكْرُ اللَّهِ وَمُخَالَفَةُ الْهَوَى ، فَإِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ مُخَالِفًا لِهَوَاهُ فَاهْرَبُوا مِنْ ظِلِّهِ وَلَا تَدْنُوا مِنْهُ .

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الذُّنُوبَ وَالْمَعَاصِيَ سِلَاحٌ وَمَدَدٌ يَمُدُّ بِهَا الْعَبْدُ أَعْدَاءَهُ وَيُعِينُهُمْ بِهَا عَلَى نَفْسِهِ، فَيُقَاتِلُونَ بِسِلَاحِهِ ، وَيَكُونُ مَعَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ ، وَهَذَا غَايَةُ الْجَهْلِ .
مَا يَبْلُغُ الْأَعْدَاءُ مِنْ جَاهِلٍ *** مَا يَبْلُغُ الْجَاهِلُ مِنْ نَفْسِهِ

وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى بِجُهْدِهِ فِي هَوَانِ نَفْسِهِ ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَهَا مُكْرِمٌ وَيَجْتَهِدُ فِي حِرْمَانِهَا أَعْلَى حُظُوظِهَا وَأَشْرَفَهَا وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَسْعَى فِي حَظِّهَا ، وَيَبْذُلُ جُهْدَهُ فِي تَحْقِيرِهَا وَتَصْغِيرِهَا وَتَدْنِيسِهَا ، وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُعْلِيهَا وَيَرْفَعُهَا وَيُكْبِرُهَا .
وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ : أَلَا رُبَّ مُهِينٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَهَا مُكْرِمٌ ، وَمُذِلٌّ لِنَفْسِهِ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَهَا مُعِزٌّ ، وَمُصَغِّرٌ لِنَفْسِهِ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَهَا مُكَبِّرٌ ، وَمُضِيعٌ لِنَفْسِهِ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنَّهُ مُرَاعٍ لِحِفْظِهَا ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَنْ يَكُونَ مَعَ عَدُوِّهِ عَلَى نَفْسِهِ ، يَبْلُغُ مِنْهَا بِفِعْلِهِ مَا لَا يَبْلُغُهُ عَدُوُّهُ ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ . اهــ

وَلَيْسَ لِمِثْلِي أَنْ يُعَلِّقَ عَلَى كَلاَمِ هَذَا الإِمَام، وَلَكِنْ حَسْبِي مَا ذَكَرَهُ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ العَزِيز: ﴿ وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ۖ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [ إبراهيم: 22 ].

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ ، وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ ، وَنَشْكُرُكَ وَلا نَكْفُرُكَ ، وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ، اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ ، إِنَّ عَذَابَكَ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ.
اللَّهُمَّ أَنْتَ أَحَقُّ مَنْ ذُكِرَ ، وَأَحَقُّ مَنْ عُبِدَ ، وَأنْصَرُ مَنْ ابْتُغِي ، وَأَرْأَفُ مَنْ مَلَكَ ، وَأجْوَدُ مَن سُئِلَ ، وَأوسعُ من أعطى ، أَنْتَ الْمَلِكُ لاَ شَريكَ لَكَ ، وَالفَرْدُ لاَ تَهْلَكُ ، كُلّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهُك ، لَنْ تُطَاعَ إِلَّا بِإذْنِكَ ، وَلَنْ تُعْصَى إِلَّا بِعِلْمِكَ ، تُطَاعُ فَتَشْكُرُ ، وَتُعْصَى فَتَغْفِرُ ، أَقْرَبُ شَهيدٍ ، وَأدْنَى حَفِيظ ، حِلْتَ دُونَ الثُّغُورِ ، وَأَخَذْتَ بِالنَّواصِي ، وَكَتَبْتَ الآثَارَ ، وَنَسَخْتَ الآجَالَ ، القُلُوبُ لَكَ مُفْضِيَّةٌ ، وَالسِّرُّ عِنْدَكَ عَلاَنِيَّةٌ ، الْحَلالُ مَا أَحْلَلَتَ ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمْتَ ، والدِّينُ مَا شَرَّعْتَ ، وَالأمْرُ مَا قَضَيْتَ ، وَالْخَلْقُ خَلْقُكَ ، وَالْعَبْدُ عَبْدُكَ ، وَأَنْتَ اللهُ الرءوفُ الرَّحيم، اللَّهُمَّ إِنَّا نَبْرَأُ إِلَيْكَ مِنْ حَـوْلِنَا وَقُوَّتِنَا، وَنَلْجَأُ إِلَيْكَ بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكِ، اللَّهُمَّ قَوِّ ضُعْفَنَا، وَخُذْ بِنَوَاصِينَا إِلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى، آمين.


وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.


البُلَيْـــدِي

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 04 May 2016, 02:45 PM
مراد قرازة مراد قرازة غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2014
الدولة: الجزائر ولاية أم البواقي
المشاركات: 438
افتراضي

جزاك الله خيرا وأحسن إاليك أخي رضوان
نقل موفق بارك الله فيك
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 04 May 2016, 05:25 PM
عبد الله سنيقرة عبد الله سنيقرة غير متواجد حالياً
عفا الله عنه
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 268
افتراضي

جزاك الله خيرا يا أخي و بارك فيك
نسأل الله أن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05 May 2016, 06:45 PM
أبو حـــاتم البُلَيْـــدِي
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

مراد قرازة
عبد الله سنيقرة


أسأل الله أن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه..

وأن يعيننا على أنفسنا والشيطان..

وأن يجعل خاتمنا حسنى..

آمين..
رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013