منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 07 Feb 2011, 07:40 PM
معبدندير معبدندير غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر العاصمة الولاية
المشاركات: 2,034
إرسال رسالة عبر MSN إلى معبدندير إرسال رسالة عبر Skype إلى معبدندير
افتراضي [تفريغ] حَقِيقَةُ مَا يَحْدُثُ فِي مِصْر - الشيخ محمد سعيد رسلان حفظه الله

[تفريغ] حَقِيقَةُ مَا يَحْدُثُ فِي مِصْر - الشيخ محمد سعيد رسلان حفظه الله


  1. الْخُطْبَةُ الْأُولَى:


    إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّـه مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّـهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ.
    وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
    وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾[آل عِمْرَان:١٠٢].
    ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّـهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّـهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾[النِّسَاء:١].
    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّـهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾[الْأَحْزَاب:٧٠-٧١].
    أَمَّا بَعْدُ:
    فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
    أَمَّا بَعْدُ:
    فَإِنَّ مَا يَحْدُثُ فِي مِصْرَ الْآنَ إِنَّمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ تِلْكَ الْخُطَّةِ الَّتِي بَشَّرَ بِهَا أَحْبَارُ الْمَاسُونِ، وَأَنْبِيَاءُ إِسْرَائِيلَ، وَشُيُوخُ صُهْيُونَ، فِي مَوْسُوعَاتٍ وَدِرَاسَاتٍ وَمُؤْتَمَرَاتٍ، وَفِي أَسْفَارِ: التَّوْرَاةِ، وَالْأَنْبِيَاءِ، وَالْمُلُوكِ، وَالتَّوَارِيخِ، وَالْمَزَامِيرِ.
    وَتَخَصُّ خُطَّةُ الْمُهَنْدِسِ الْأَقْدَسِ مِصْرَ –نَعَمْ! مِصْرَ- بِالنَّصِيبِ الْأَوْفَى مِنْ رِجْسِ الْخَرَابِ، مِنْ مَجْدَلَ إِلَى أَسْوَانَ.
    خُطِّطَ لَهَا وَنَفَّذَ أَبْنَاؤُهَا؛ حَتَّى يَذُوبَ قَلْبُهَا دَاخِلَهَا، وَيَقْتُلَ الْمِصْرِيُّونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَيَدُورَ الْقِتَالُ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَةٍ، بَعْدَ الْفِتْنَةِ الَّتِي يَزْرَعُهَا مَلِكُ إِسْرَائِيلَ.
    وَتَجِفُّ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرِ: يَجِفُّ النَّهْرُ وَتُنْتِنُ مِيَاهُهُ، وَتَتَبَدَّدُ كُلُّ مَزَارِعِهِ، حَتَّى السَّوَاقِي تَجِفُّ، وَتُصْبِحُ مِصْرُ كَالنِّسَاءِ؛ فَتَرْتَعِدُ خَوْفًا وَفَزَعًا، وَيَصِيحُ فِي دَاخِلِهَا أَهْلُهَا إِذْ يَصِيرُونَ فِي خَمْسَةِ أَقَالِيمَ كُلُّهَا تَتَكَلَّمُ اللُّغَةَ الْعِبْرِيَّةَ، وَتَتَلَاطَمُ مِيَاهُ الْغَرَقِ عَلَى أَرْضِهَا، وَيَأْكُلُ السَّيْفُ وَيَشْبَعُ وَيَرْتَوِي مِنْ دَمِ الْمِصْرِيِّينَ، وَتُسْبَى الْعَذَارَى الْمِصْرِيَّاتُ وَقَدْ مَلَأَ الْأَرْضَ صُرَاخُهُنُّ، وَيُسْحَبْنَ أَسِيرَاتٍ فِي خِزْيٍ عَالَمِيٍّ إِلَى أَرْضِ إِسْرَائِيلَ فِي جَلْعَادَ.
    مِصْرُ الْمَوْعُودَةُ: بِأَنْ تَكُونَ عُكَّازَ قَصَبٍ لِبَيْتِ إِسْرَائِيلَ؛ يَكْسِرُونَهُ وَيَدُوسُونَ عَلَيْهِ!
    مِصْرُ الْمُنْذَرَةُ: -وَفْقَ الْبِشَارَةِ الْمَاسُونِيَّةِ- بِأَنْ لَا تَمُرَّ فِيهَا رِجْلُ إِنْسَانٍ وَلَا رِجْلُ بَهِيمَةٍ, وَيُشَتَّتُ الْمِصْرِيُّونَ بَيْنَ الْأُمَمِ، وَيُبَدَّدُونَ فِي الْأَرَاضِي، وَتُؤْخَذُ ثَرْوَةُ مِصْرَ، وَتُهْدَمُ أُسُسُهَا، وَيَنْحَطُّ كِبْرِيَاءُ عِزَّتِهَا، وَتُضْرَمُ النَّارُ فِيهَا، وَتَتَحَوَّلُ الْأَعْيَادُ نَوْحًا وَالْأَغَانِي مَرَاثِيَ، وَفِي كُلِّ بَيْتٍ مَنَاحَةٌ كَمَنَاحَةِ الْوَحِيدِ! [1]
    كُلُّ ذَلِكَ تَجِدُهُ فِي أَسْفَارِهِمْ فِي كِتَابِهِمُ الْمُقَدَّسِ -بِزَعْمِهِمْ-!!
    فَالَّذِي يَجْرِي فِي مِصْرَ الْآنَ لَيْسَ إِلَّا صِرَاعًا فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ بَيْنَ حَضَارَتَيْنِ:
    الْحَضَارَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ بِأُصُولِهَا الشَّرْعِيَّةِ: (مِنَ التَّوْحِيدِ، وَاتِّبَاعِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ)، وَالْحَضَارَةِ الْغَرْبِيَّةِ بِأُصُولِها الْوَثَنِيَّةِ التَّوْرَاتِيَّةِ الصَّلِيبِيَّةِ.
    الَّذِي يَجْرِي فِي مِصْرَ يُرَادُ مِنْهُ التَّغْيِيرُ!!
    التَّغْيِيرُ الَّذِي يَعْنِي الْخُرُوجَ مِنَ الْأُطُرِ الْقَدِيمَةِ: عَقَدِيَّةً، وَشَرْعِيَّةً، وَاجْتِمَاعِيَّةً، وَأَخْلَاقِيَّةً، وَحَيَاتِيَّةً!
    التَّغْيِيرُ الَّذِي يَعْنِي أَنْ نُطَلِّقَ طَلَاقًا بَائِنًا لَا رَجْعَةَ فِيهِ كُلَّ مَا يَتَّصِلُ بِالْمَاضِي: تُرَاثًا، وَلُغَةً، وَحَضَارَةً، وَانْتِمَاءً, وعَادَاتٍ!
    التَّغْيِيرُ الَّذِي يَعْنِي:
    أَنْ نَلْبَسَ «الْجِينْزَ» بَدَلَ الْقَمِيصِ!
    وَأَنْ نَأْكُلَ بِالْيُسْرَى بَدَلَ الْيُمْنَى!
    وَأَنْ نَأْكُلَ «الْبِيتْزَا» بَدَلَ الثَّرِيدِ!
    وَأَنْ تُعَدِّدَ الْمَرْأَةُ الْأَزْوَاجَ بَدَلَ أَنْ يُعَدِّدَ الرَّجُلُ الزَّوْجَاتِ!
    وَأَنْ نَقْبَلَ الْبِغَاءَ وَنَرْفُضَ الزَّواجَ!
    وَأَنْ نَرْطُنَ بِالرِّطَانَةِ الْأَعْجَمِيَّةِ بَدَلَ الْإِفْصَاحِ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الشَّرِيفَةِ!
    الَّذِي يَجْرِي فِي مِصْرَ الْآنَ يُرَادُ مِنْهُ:
    أَنْ تَتَأَخَّرَ الْجَامِعَةُ الْأَزْهَرِيَّةُ لِتَتَقَدَّمَ الْجَامِعَةُ الْأَمْرِيكِيَّةُ!
    وَأَنْ يَذْهَبَ الْحِجَابُ لِيَعُمَّ السُّفُورُ وَالْعُرْيُ!
    وَأَنْ تُطْوَى أَعْلَامُ الْإِسْلَامِ وَرَايَاتُهُ فِي مِصْرَ لِتَرْتَفِعَ أَعْلَامُ الصَّلِيبِ وَأَعْلَامُ نَجْمَةِ دَاوُدَ!!
    نَعَمْ؛ يُرَادُ لَنَا فِي مِصْرَ أَنْ تَتَأَخَّرَ الْجَامِعَةُ الْأَزْهَرِيَّةُ؛ لِتَتَقَدَّمَ الْجَامِعَةُ الْأَمْرِيكِيَّةُ؛ فَإِنَّ الَّذِينَ فَجَّرُوا تِلْكَ الْحَرَكَةَ -الَّتِي أَتَوْا بِهَا- إِنَّمَا هُمْ مِنْ جَحَافِلِ خِرِّيجِي وَطُلَّابِ الْجَامِعَةِ الْأَمْرِيكِيَّةِ، يَتْبَعُهُمْ وَيُؤَازِرُهُمْ وَيُنَاصِرُهُمُ: الْفَنَّانُونَ الْمُنْحَلُّونَ، وَالْمُخْرِجُونَ السُّفَهَاءُ، وَالْفَنَّانَاتُ، وَأَصْحَابُ الْخِزْيِ وَالْعُرْيِ وَالسُّفُورِ وَالْبَحْثِ عَنْ تَطْلِيقِ الْفَضِيلَةِ؛ لِأَنَّ مُجْتَمَعَ الذُّكُورِيَّةِ لَا يُعْجِبُهُمْ!!
    إِنَّهُمْ يُرِيدُونَ مُجْتَمَعًا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، وَمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، وَشَرِيفٍ وَوَضِيعٍ.
    إِنَّ الصَّرَاعَ الَّذِي يَدُورُ فِي مِصْرَ وَفِي عَالَمِنَا الْعَرَبِيِّ مُنْذُ الْحَمْلُةِ الْفَرَنْسِيَّةِ إِلَى الْيَوْمِ يَدُورُ بَيْنَ مَدْرَسَتَيْنِ رَئِيسَتَيْنِ:
    الْمَدْرَسَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ الْوَطَنِيَّةُ: وَهِيَ الَّتِي تَقُولُ بِأَنَّ الشُّعُوبَ الْمُتَخَلِّفَةَ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تُحَقِّقَ تَقَدُّمَهَا التِّقْنِيَّ إِلَّا مِنْ خِلَالِ رَفْضِ قِيَمِ الْحَضَارَاتِ الْمُتَفَوِّقَةِ، تَرْفُضُ الِانْدِمَاجَ فِيهَا، وَتَرْفُضُ التَّبَعِيَّةَ لَهَا, تُؤْمِنُ بِذَلِكَ بِقَدْرِ مَا تَتَشَبَّثُ بِوُجُودِهَا وَذَاتِيَّتِهَا وَتُرَاثِها وَحَضَارَتِهَا، وَبِقَدْرِ مَا تَزْدَادُ قُدْرَةُ الْأُمَّةِ عَلَى اكْتِسَابِ عَوَامِلِ التَّفَوُّقِ الْآلِيِّ عَلَى خَصْمِهَا يَكُونُ تَمَسُّكُهَا بِقَدِيمِهَا، بِتُرَاثِهَا، بِحَضَارَتِهَا، بِلُغَتِهَا، بِدِينِهَا.
    كُلُّ أُمَّةٍ يَمَسُّهَا هَذَا الصِّرَاعُ أَوْ تُصْبِحُ طَرَفًا فِيهِ تُدْرِكُ أَنَّ التَّفَوُّقَ الْآلِيَّ هُوَ الَّذِي يُمَكِّنُ خَصْمَهَا مِنْهَا أَوْ يُمَكِّنُهَا هِيَ مِنْ خَصْمِهَا؛ فَمَا مِنْ خِلَافٍ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْآلَاتِ الَّتِي تَصْنَعُ الْأَسْلِحَةَ وَتَتَحَوَّلُ إِلَى أَسْلِحَةٍ.
    وَلَيْسَ كَشْفًا أَنْ يَنْتَبِهَ الْبَعْضُ لِأَهَمِّيَّةِ التَّقَدُّمِ التِّقْنِيِّ، وَلَكِنَّ الْمُشْكِلَةَ هِيَ فِي اكْتِشَافِ السَّبِيلِ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ نَسْلُكَهُ -لِأَنَّنَا مِنَ الْأُمَمِ الْمُتَخَلِّفَةِ آلِيًّا- لِكَيْ نُحَقِّقَ التَّقَدُّمَ الْآلِيَّ.
    إِنَّ رَأْيَ الْمَدْرَسَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ الَّذِي تَشْهَدُ بِصِحَّتِهِ تَجَاربُ التَّارِيخِ كُلِّهِ مِنَ الْعَرَبِ إِلَى الْيَابَانِ، وَتُعَزِّزُ صِدْقَهُ تَجَاربُنَا الْفَاشِلَةُ بَلْ وَتَجَاربُ كُلِّ الشُّعُوبِ الَّتِي مَا زَالَتْ تَرْزَحُ تَحْتَ نِيرِ التَّخَلُّفِ: -هَذَا الرَّأْيُ الَّذِي هُوَ عَقِيدَةُ الْمَدْرَسَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْوَطَنِيَّةِ- هُوَ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ مَا مِنْ أُمَّةٍ تَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْ دَائِرَةِ التَّخَلُّفِ, وَتَسْتَطِيعُ مُسَايَرَةَ الزَّمَنِ إِلَّا مِنْ خِلَالِ صِرَاعِهَا, وَرَفْضِهَا, وَكِفَاحِهَا ضِدَّ الْحَضَارَاتِ الْمُتَفَوِّقَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الْمُعَاصِرَةِ.
    وَأَمَّا الْمَدْرَسَةُ التَّغْرِيبِيَّةُ الاسْتِعْمَارِيَّةُ فَإِنَّهَا تَقُولُ بِعَكْسِ ذَلِكَ: إِذْ تَعْتَبِرُ أَنَّ الْحَضَارَةَ كَمَجْرَى نَهْرٍ يَكْفِي أَنْ تَشُقَّ تُرْعَةً لِمِيَاهِهِ حَتَّى تَجْرِيَ فِي أَرْضِكَ, وَتَرْتَوِيَ وَتَرْتَبِطَ بِالنَّهْرِ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ، وَأَنَّ كُلَّ مُحَاوَلَةٍ لِلِانْفِصَالِ عَنْ مَجْرَى التَّقَدُّمِ هُوَ زِيَادَةٌ فِي الظَّمَأِ الْحَضَارِيِّ.
    تَعْتَقِدُ أَنَّ الْحَضَارَةَ أَوِ التَّقَدُّمَ كُلٌّ لَا يَتَجَزَّأُ؛ فَلَا يَسَعُنَا أَنْ نَنْقُلَ صِنَاعَةَ أُورُوبَّا وَالْغَرْبِ دُونَ الْفَلْسَفَةِ الْأُورُوبِّيَّةِ الْغَرْبِيَّةِ، وَدُونَ السُّلُوكِ الْأُورُوبِّيِ الْغَرْبِيِّ، وَدُونَ الْأَخْلَاقِيَّاتِ الْأُورُوبِّيَّةِ الْغَرْبِيَّةِ، وَدُونَ الْقِيَمِ وَالْعَقَائِدِ الْأُورُوبِّيَّةِ الْغَرْبِيَّةِ.
    وَهَذَا يَعْنِي بِالطَّبْعِ الِانْسِلَاخَ عَنْ جُذُورِنَا، وَخَصَائِصِ حَضَارَتِنَا، وَمَعَالِمِ شَرِيعَتِنَا، وَدَعَائِمِ عَقِيدَتِنَا.
    إِذَا أَرَدْنَا حَضَارَةَ الْغَرْبِ كَمَا تَرَى الْمَدْرَسَةُ الِاسْتِعْمَارِيَّةُ التَّغْرِيبِيَّةُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ نُصْبِحَ غَرْبِيِّينَ؛ لِأَنَّ نَقْلَ الْمَصَانِعِ وَدِرَاسَةَ الْكِيمْيَاءِ وَالْفِيزْيَاءِ أَكْثَرُ صُعُوبَةً.
    إِنَّ هَذَا الرَّأْيَ يَتَحَوَّلُ فِي التَّطْبِيقِ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ نُقْطَةَ الْبَدْءِ: هِيَ نَقْلُ أُسْلُوبِ الْحَضَارَةِ الْغَرْبِيَّةِ؛ فَهَذَا يَجْعَلُنَا حِينَئِذٍ -كَمَا يَقُولُونَ- مُتَقَدِّمِينَ!
    بَعْضُهُمْ يَقُولُ: إِنَّ نَقْلَ أُسُلْوُب ِالحْضَارَةِ الْغَرْبِيَّةِ وَالْفِكْرِ الْغَرْبِيِّ -وَحَتَّى طَرِيقَةِ الْكِتَابَةِ الْغَرْبِيَّةِ مِنَ الشِّمَالِ إِلَى الْيَمِينِ- سَيُقِيمُ فِي بِلَادِنَا الْمَصَانِعَ!
    الْبَعْضُ أَكْثَرُ صَرَاحَةً؛ إِذْ يَقُولُ: إِنَّنَا لَا نَحْتَاجُ لِنَقْلِ الصِّنَاعَةِ مَا دُمْنَا سَنُصْبِحُ جُزْءًا مِنْ هَذِهِ الْحَضَارَةِ, نُسَاهِمُ فِيهَا بِمَا أَتَاحَتْهُ لَنَا مَقَادِيرُنَا، وَسَنَسْتَمْتِعُ بِنَقْلِ آخِرِ كَلِمَةٍ فِيهَا دُونَ حَاجَةٍ بِنَا إِلَى تَكْرَارِ نَفْسِ الْخُطُوَاتِ الَّتِي سَلَكَتْهَا تِلْكَ الدُّوَلُ الْغَرْبِيَّةُ.
    بِصَرْفِ النَّظَرِ عَنِ الْحَقِيقَةِ الْبَدِيهِيَّةِ الَّتِي تَقُولُ: إِنَّ أُسْلُوبَ الْحَيَاةِ الْغَرْبِيَّةِ لَيْسَ إِلَّا انْعِكَاسًا لِطَرِيقَةِ إِنْتَاجِ وَسَائِلِ الْحَيَاةِ الْغَرْبِيَّةِ –أَيْ: أَنَّ هَذَا الْأُسْلُوبَ هُوَ نَتَاجُ الصِّنَاعَةِ الْغَرْبِيَّةِ-, لَوْ أَرَدْنَا –جَدَلًا- أَنْ نُقِيمَ فِي بِلَادِنَا الْمُؤَسَّسَاتِ الثَّقَافِيَّةَ وَالسِّيَاسِيَّةَ وَالِاجْتِمَاعِيَّةَ ذَاتَهَا، وَأَرَدْنَا أَنْ نَعْتَنِقَ الْقِيَمَ نَفْسَهَا، وَأَنْ نُمَارِسَ الْعَلَاقَاتِ الْغَرْبِيَّةَ عَيْنَهَا؛ فَلَا بُدَّ أَنْ نَبْدَأَ بِإِقَامَةِ الْقَاعِدَةِ الْمَادِّيَّةِ الَّتِي أَفْرَزَتْ ذَلِكَ كُلَّهُ, أَلَا وَهِيَ: الْمُجْتَمَعُ الصِّنَاعِيُّ -لَا أَنْ نَقْلِبَ الْوَضْعَ رَأْسًا عَلَى عَقِبٍ-.
    وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ تَجْرِبَةَ الشُّعُوبِ أَكَّدَتْ:
    أَنَّ نَقْلَ الْقِيَمِ أَوْ أُسْلُوبِ الْحَيَاةِ الْغَرْبِيِّ فِي مَظْهَرِهِ هُوَ الَّذِي يَشُلُّ الْقُدْرَةَ بَلْ وَحَتَّى الرَّغْبَةَ الْجَادَّةَ فِي تَحْقِيقِ الْتَّصْنِيعِ أَوْ إِنْجَازِ الدَّفْعَةِ التَّحْضِيرِيَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ, وَأَنَّ الدُّوَلَ الْغَرْبِيَّةَ الْمُتَقَدِّمَةَ أَوِ الدُّوَلَ الْكُبْرَى لَهَا مَصْلَحَةٌ مُبَاشِرَةٌ فِي مَنْعِنَا مِنْ تَحْقِيقِ هَذَا التَّحْدِيثِ، وَأَنَّ كُلَّ زَعْمٍ بِأَنَّ الْغَرْبَ حَاوَلَ تَطْوِيرَنَا وَتَحْدِيثَنَا هُوَ جَهْلٌ بِالتَّارِيخِ, وَتَزْوِيرٌ فَاضِحٌ لِتَارِيخِ الْعَلَاقَاتِ بَيْنَ الْغَرْبِ وَالْمُسْلِمِينَ.
    إِنَّ الَّذِي يُرَادُ لَهُ أَنْ يَحْدُثَ فِي مِصْرَ هُوَ: الْفَوْضَى الْخَلَّاقَةُ «الْهَدَّامَةُ»!!
    إِنَّ الْفَوْضَى الَّتِي يُرَادُ إِحْدَاثُهَا فِي مِصْرَ: هِيَ تَفْكِيكُ الْمُجْتَمَعِ الْمِصْرِيِّ، ثُمَّ إِعَادَةُ تَرْكِيبِهِ عَلَى الْأَجِنْدَةِ الْغَرْبِيَّةِ فِي الْعَقِيدَةِ, وَالْفِكْرِ, وَالْحَيَاةِ, وَالْأَخْلَاقِ, وَالسُّلُوكِ.
    هِيَ إِزَالَةُ الْإِسْلَامِ وَإِحْلَالُ الدِّيمُقْرَاطِيَّةِ.
    إِنَّ الَّذِينَ بَدَؤُوا بِتِلْكَ الْحَرَكَةِ لَمْ تَنْقُصْهُمُ الْحُرِّيَّةُ يَوْمًا!
    فَهَؤُلَاءِ مُتَحَلِّلُونَ فِي الْجُمْلَةِ، وَهَؤُلَاءِ مُنْفَكُّونَ فِي الْعَادَةِ، وَهَؤُلَاءِ لَا يُقَيِّدُهُمْ قَيْدٌ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ -وَلَا شَكَّ أَنَّ لَهُمْ أُسَرًا- يَنَامُونَ فِي الْعَرَاءِ مُتَجَاوِرِينَ أَوْ غَيْرَ مُتَجَاوِرِينَ، وَيَبِيتُونَ هَكَذَا مَعَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَلَهُمْ أُسَرٌ لَا تُقَيِّدُ عَلَيْهِمْ حُرِّيَةَ الْبَيَاتِ فِي الْخَلَاءِ -فِي الْعَرَاءِ- فِي عَرَاءٍ.
    هَؤُلَاءِ لَيْسَتْ لَهُمْ حُرِّيَّةٌ مُقَيَّدَةٌ، فَمَا الْحُرِّيَّةُ الَّتِي يُرِيدُونَ؟!
    إِنَّهَا حُرِّيَّةُ الِانْعِتَاقِ مِنَ الْعَقِيدَةِ، مِنَ الدِّينِ، مِنَ الْقَدِيمِ...
    إِنَّهَا حُرِّيَّةُ التَّحَلُّلِ مِنَ التُّرَاثِ, مِنْ كُلِّ مَا يَمُتُّ إِلَى الدِّينِ الْعَظِيمِ!
    وَلَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ أَتَوْا بِالْجِمَالِ وَالْخُيُولِ إلَى الْمَيْدَانِ إِنَّمَا أَرَادُوا أَنْ يُوصِلُوا رِسَالَةً مَضْمُونُهَا:
    أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدْ خَرَجُوا -هَذَا الْخُرُوجَ الْقَبِيحَ- مُتَقَدِّمُونَ تَقَدُّمِيُّونَ، وَأَنَّ الَّذِينَ يُنَاوِئُونَهُمْ رَجْعِيُّونَ مُتَخَلِّفُونَ!
    هَؤُلَاءِ الْخَارِجُونَ يُرِيدُونَ عَصْرَ الْفَضَاءِ، وَالَّذِينَ يُنَاوِئُونَهُمْ يُرِيدُونَ عَصْرَ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْجِمَالِ!
    إِنَّهَا رَمْزِيَّةٌ فَاضِحَةٌ مَفْضُوحَةٌ لَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ مَنْ سَعَى إِلَيْهَا وَنَفَّذَهَا؛ لِيَعْلَمَ الْعَالَمُ كُلُّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمُ التَّقَدُّمِيُّونَ! هُمُ التَّحَرُّرِيُّونَ! هُمُ الَّذِينَ يَعِيشُونَ الْعَصْرَ, وَيُرِيدُونَ أَنْ يَأْخُذُوا بِأَيْدِي أَبْنَاءِ مُجْتَمَعِهِمْ إِلَى جَادَّتِهِ وَسَوَائِهِ!!
    وَأَمَّا الَّذِينَ يُنَاوِئُونَهُمْ فَهُمُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الرَّجْعِيَّةَ، وَالسَّلَفِيَّةَ، وَالْأُصُولِيَّةَ، وَالرُّجُوعَ إِلَى عُصُورِ الظَّلَامِ وَالضَّبَابِيَّةِ -كَمَا يَنْعتُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ حِينٍ وَحَالٍ-!!
    فَلَا يَخْدَعَنَّكَ هَذَا الْأَمْرُ، وَالْتَفِتْ إِلَيْهِ؛ فَحِيَلُهُمْ شَيْطَانِيَّةٌ، وَمَكَائِدُهُمْ طَاغُوتِيَّةٌ، وَنَسِيجُهُمْ تَوْرَاتِيٌّ صَلِيبِيٌّ -فِي الْجُمْلَةِ-.
    إِنَّهَا الْحَرْبُ مَعَ الْقَدِيمِ, وَإِنْ مَثَّلَتْهُ الْمَشْيَخِيَّةُ، وَإِنْ مَثَّلَتْهُ الْأُبُوَّةُ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُطَاعَ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ.
    هُمْ يُرِيدُونَ الِانْعِتَاقَ مِنْ هَذَا الْإِطَارِ إِلَى حُرِّيَّةِ الْعُرْيِ إِلَى مَا يُقَالُ لَهُ: الدِّيمُقْرَاطِيَّةُ.
    يُرِيدُونَ إِزَالَةَ الْإِسْلَامِ وَإِحْلَالَ الدِّيمُقْرَاطِيَّةِ.
    وَالدِّيمُقْرَاطِيَّةُ: لَفْظَةٌ يُونَانِيَّةٌ مَعْنَاهَا حُكْمُ الشَّعْبِ، أَي أَنَّ الشَّعْبَ يَحْكُمُ نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ.
    فَلِلدِّيمُقْرَاطِيَّةِ عَنَاصِرُ أَسَاسِيَّةٌ لَا بُدَّ مِنْ تَوَافُرِهَا لِيَكُونَ النِّظَامُ دِيمُقْرَاطِيًّا، وَمِنْ أَهَمِّ هَذِهِ الْعَنَاصِرِ عُنْصُرَانِ:
    الْأَوَّلُ: السِّيَادَةُ لِلشَّعْبِ.
    لَيْسَتْ لِلشَّرِيعَةِ، لَيْسَتْ لِلْعَقِيدَةِ، لَيْسَتْ لِلْوَحْيِ الْمَعْصُومِ، لَيْسَتْ لِلْإِلَهِ الْأَجَلِّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. بَلْ يُرِيدُونَ السِّيَادَةَ لِلشَّعْبِ!!
    وَالثَّانِي: الْحُقُوقُ وَالْحُرِّيَّاتُ مَكْفُولَةٌ قَانُونِيًّا لِكُلِّ فَرْدٍ يَعِيشُ تَحْتَ النِّظَامِ الدِّيمُقْرَاطِيِّ.
    مَاذَا تَعْنِي هَذِهِ الْجُمْلَةُ: السِّيَادَةُ لِلشَّعْبِ؟
    السِّيَادَةُ لِلشَّعْبِ -أَوِ السُّلْطَةُ لِلشَّعْبِ-، مَنْ تَصَوَّرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ –أَي: السُّلْطَةُ لِلشَّعْبِ- ثُمَّ عَرَفَ أَنْوَاعَ السُّلْطَاتِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهُ لَا يَشُكُّ أَنَّ النَّظَامَ الدِّيمُقْرَاطِيُّ نِظَامٌ إِلْحَادِيٌّ جَاهِلِيٌّ, لَا يَصْلُحُ فِي بَلَدٍ إِسْلَامِيٍّ يَعْتَنِقُ أَبْنَاؤُهُ دِينَ اللَّـهِ, وَيُوَحِّدُونَ اللَّـهَ, وَيَتَّبِعُونَ رَسُولَ اللَّـهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    أَنْوَاعُ السُّلْطَاتِ الَّتِي يَتَمَتَّعُ بِهَا الشَّعْبُ فِي النِّظَامِ الدِّيمُقْرَاطِيِّ ثَلَاثَةٌ:
    السُّلْطَةُ الْأُولَى: السُّلْطَةُ التَّشْرِيعِيَّةُ.
    وَالثَّانِيَةُ: السُّلْطَةُ الْقَضَائِيَّةُ.
    وَالثَّالِثَةُ: السُّلْطَةُ التَّنْفِيذِيَّةُ.
    يَرَى النِّظَامُ الدِّيمُقْرَاطِيُّ أَنَّ الشَّعْبَ نَفْسَهُ هُوَ الَّذِي يَتَمَتَّعُ بِهَذِهِ السُّلْطَاتِ كُلِّهَا، وَذَلِكَ يَعْنِي أَنَّ الشَّعْبَ يَمْلِكُ تَشْرِيعَ الْقَوَانِينِ الْمُنَاسِبَةِ، كَمَا يَمْلِكُ التَّعْدِيلَ وَالْإِلْغَاءَ فِي مَوَادِّ الْقَانُونِ إِنْ شَاءَ ذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّ الشَّعْبَ نَفْسَهُ يَتَوَلَّى الْقَضَاءَ بَيْنَ النَّاسِ بِوَاسِطَةِ لَجْنَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي ضَوْءِ ذَلِكَ التَّشْرِيعِ، كَمَا يَتَوَلَّى الشَّعْبُ نَفْسُهُ التَّنْفِيذَ بَعْدَ الْقَضَاءِ.
    هَكَذَا يَكُونُ الشَّعْبُ فِي كُلِّ أُمُورِهِ فِي النِّظَامِ الدِّيمُقْرَاطِيِّ!
    هَلْ يَسُوغُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ صِحَّةَ تَشْرِيعِ غَيْرِ مَا أَتَى بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟!
    هَلْ يَسُوغُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَ صِحَّةَ تَشْرِيعِ مَا سِوَى التَّشْرِيعِ الَّذِي جَاءَ مِنْ لَدُنِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ عَنْ طَرِيقِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟!
    إِذَا كَانَ الشَّعْبُ هُوَ الَّذِي يُشَرِّعُ قَانُونَهُ، وَهُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى سُلْطَةَ الْقَضَاءِ، ثُمَّ هُوَ يُنَفِّذُ مَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي الدِّيمُقْرَاطِيُّ، فَمَا الَّذِي بَقِيَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَ الْعِبَادَ, وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رُسُلَهُ, وَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ كُتُبَهُ تَحْمِلُ ذَلِكَ التَّنْظِيمَ الدَّقِيقَ الْعَادِلَ الَّذِي لَا جَوْرَ فِيهِ وَلَا نَقْصَ بِحَالٍ؟!
    هُمْ يَقُولُونَ: نُرِيدُ الْحُرِّيَّةَ.. وَهُمْ لَمْ يُبْقُوا مِنْهَا شَيْئًا لَمْ يَسْتَنْزِفُوهُ؛ لَقَدْ شَرِبُوا الْحُرِّيَّةَ حَتَّى الثُّمَالَةِ!
    يَقُولُونَ: نُرِيدُ الدِّيمُقْرَاطِيَّةَ.. لِكَيْ يَتَحَوَّلَ وَجْهُ مِصْرَ إِلَى وَجْهٍ دِيمُقْرَاطِيٍّ عَلْمَانِيٍّ مَدَنِيٍّ لَا عَلَاقَةَ لَهُ بِالدِّينِ!
    يُرِيدُونَ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ رَبِّكَ، لَا حُكْمَ لِلدِّينِ فِي الْحَيَاةِ: لَا فِي الْأَنْفُسِ، وَلَا فِي الْأَعْرَاضِ، وَلَا فِي الْأَمْوَالِ، وَلَا فِي الْحُكْمِ، وَلَا فِي السِّيَاسَةِ، وَلَا فِي الِاقْتِصَادِ!!
    يُرِيدُونَ الدِّينَ عَلَاقَةً مُجَرَّدَةً بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ, فَإِذَا تَخَطَّى بِهَا إِنْسَانٌ فِي الْمُجْتَمَعِ الدِّيمُقْرَاطِيِّ حُدُودَ نَفْسِهِ؛ عَاقَبَهُ النِّظَامُ الدِّيمُقْرَاطِيُّ.
    فِي النِّظَامِ الدِّيمُقْرَاطِيِّ: لَا فَرْقَ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، وَرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، الْكُلُّ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْحِمَارِ!!
    حَتَّى الْفُرُوقُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ طَبْعًا فِي الْبَشَرِ تُلْغَى:
    الْمَرْأَةُ تَرْفُضُ الزَّوَاجَ وَلَا تُرِيدُهُ؛ هِيَ حُرَّةٌ تَحْمَلُ مِنْ سِفَاحٍ -وَلَا يُسَمُّونَهُ سِفَاحًا-؛ إِذْ فِي النِّظَامِ الدِّيمُقْرَاطِيِّ أَنَّ هَذَا الْجَسَدَ إِنَّمَا هُوَ مِنْحَةٌ مِنَ الطَّبِيعَةِ أَوْ مِنْ إِلَهِهِم ، وَالْمَرْءُ فِي هَذِهِ الْمِنْحَةِ حُرٌّ فِي أَنْ يَتَمَتَّعَ بِهَا كَيْفَ يَشَاءُ وَعَلَى الصُّورَةِ الَّتِي يُرِيدُ..!!
    يُرِيدُونَهَا دِيمُقْرَاطِيَّةً!!
    يَقُولُونَ: نَحْنُ نُرِيدُ الْحُرِّيَّةَ، وَالدِّيمُقْرَاطِيَّةَ، وَالْعَدَالَةَ الِاجْتِمَاعِيَّةَ -وَالْأَخِيرَةُ مِنْ بَابِ ذَرِّ الرَّمَادِ فِي الْعُيُونِ-.
    نَعَمْ؛ هُنَالِكَ فَوَارِقُ عَظِيمَةٌ، وَهُنَالِكَ اسْتِئْثَارٌ بِالسُّلْطَةِ، وَهُنَالِكَ فَسَادٌ مُسْتَبِدٌّ.
    نَعَمْ؛ هُنَالِكَ فَقْرٌ مُدْقِعٌ، وَمُعَانَاةٌ جَارِفَةٌ، وَغَلَاءٌ مُفْظِعٌ -لَا شَكَّ-.
    فَتَمَّ اسْتِغْلَالُ هَذِهِ الْأُمُورِ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ الْكَادِحَةِ النَّاصِبَةِ الَّتِي غُيِّبَ عَنْهَا وَعْيُهَا الْإِسْلَامِيُّ, وَصَارَ الدِّينُ عِنْدَهَا مَجْهُولًا، فَأُخِذَ بِمِقْوَدِهَا.
    ثُمَّ إِنَّهُ انْخَرَطَ فِي ذَلِكَ السِّلْكِ الْمَلْعُونِ طَوَائِفُ مِنَّا مِمَّنْ يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالْإِسْلَامِ الْمَجِيدِ، وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ -إِذَا كَانَ الْمُجْتَمَعُ دِيمُقْرَاطِيًّا- أَنْ تَأْتِيَ بِهِمُ الصَّنَادِيقُ الزُّجَاجِيَّةُ! وَهَذَا وَهْمٌ كَبِيرٌ مَا كَانَ وَلَنْ يَكُونَ.
    ثُمَّ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ -بِإِحْسَانِ الظَّنِّ بِهِمْ-، فَإِنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ وَسِيلَةً كُفْرِيَّةً إِلَى غَايَةٍ شَرْعِيَّةٍ -إِنْ أَحْسَنَّا الظَّنَّ بِغَايَتِهِمْ-!
    فِي الدِّيمُقْرَاطِيَّةِ السُّلْطَاتُ كُلُّهُا لِلشَّعْبِ؛ يَعْنِي أَنَّ الشَّعْبَ يَمْلِكُ التَّشْرِيعَ وَالْقَضَاَء وَالتَّنْفِيذَ، فَمَاذَا بَقِيَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ؟!
    إِذَا كَانَ الشَّعْبُ هُوَ الَّذِي يُشَرِّعُ قَانُونَهُ، وَهُوَ الَّذِي يَقْضِي قَاضِيهُ الدِّيمُقْرَاطِيُّ بَيْنَ أَبْنَاءِ الْمُجْتَمَعِ الدِّيمُقْرَاطِيِّ، وَيُنَفِّذُ الْمُنَفِّذُونَ الدِّيمُقْرَاطِيُّونَ تِلْكَ الْأَحْكَامَ عَلَى أَبْنَاءِ الْمُجْتَمَعِ الدِّيمُقْرَاطِيِّ، فَمَاذَا بَقِيَ لِدِينَ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ؟!
    هَذَا مَا يُرَادُ -دَعْكَ مِنْ كُلِّ مَا يُقَالُ-، هَذَا هُوَ الْخَبِيءُ وَرَاءَ تِلْكَ الْأَكَمَةِ، وَوَرَاءَهَا مَا وَرَاءَهَا, فَلَا تُخْدَعَنَّ.
    فِي النِّظَامِ الْإِسْلَامِيِّ: يَكُونُ هُنَالِكَ كَبِيرٌ يُطَاعُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ.
    هَذَا عِنْدَهُم مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الرَّمْزُ لِوِلَايَةِ الْأَمْرِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ الْعَظِيمِ، وَهَذَا مَرْفُوضٌ!!
    يَقُولُونَ عَنْهُ: هَذَا هُوَ النِّظَامُ الدِّكْتَاتُورِيُّ.. حَتَّى إِذَا كَانَ مَحْكُومًا بِدِينِ اللَّـهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّـهِ، حَتَّى إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ عِنْدَهُمْ نِظَامٌ دِكْتَاتُورِيٌّ ظَالِمٌ مُسْتَبِدٌّ!
    اللَّـهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الْمُشَرِّعُ وَحْدَهَ، شَرَعَ التَّشْرِيعَاتِ الْعَادِلَةَ, وَأَنْزَلَهَا فِي كِتَابِهِ، وَهِيَ بَيْنَ النَّاسِ, أَتَى بِهَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ, الَّذِي أَرْسَلَهُ اللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ.
    الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ -الشَّارِحَةُ لِلْكِتَابِ- هُمَا مَحَلُّ التَّشْرِيعِ الْإِلَهِيِّ الْكَامِلِ؛ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُذْعِنَ لِذَلِكَ إِذْعَانًا كَامِلًا بِامْتِثَالٍ تَامٍّ.
    لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقَضَاءُ بَيْنَ النَّاسِ فِي ضَوْءِ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ؛ فَدِينُنَا كَامِلٌ شَامِلٌ تَامٌّ لَا نَقْصَ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ.
    الْحُرِّيَّاتُ الْمَكْفُولَةُ فِي النِّظَامِ الدِّيمُقْرَاطِيِّ هِيَ:
    حُرِّيَّةُ الْعَقِيدَةِ، أَيْ: حُرِّيَّةُ الرِّدَّةِ وَالتَّنَقُّلِ بَيْنَ الْأَدْيَانِ.
    حُرِّيَّةُ الْأَخْلَاقِ: وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْحُرِّيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ, هِيَ حُرِّيَّةُ الِانْعِتَاقِ مِنْ كُلِّ قَيْدٍ، وَالتَّحَلُّلِ مِنْ أُصُولِ الْفَضِيلَةِ، وَأَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ -والْمَرْأَةُ كَذَلِكَ- عَلَى مَا يُرِيدُ فَاعِلًا، وَأَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ لِمُبْتَغَاهُ وَاصِلًا.
    حُرِّيَّةُ الرَّأْيِ وَالْقَوْلِ: فَيَخْبِطُونَ فِي كُلِّ مَجَالٍ حَتَّى فِي الْأَدْيَانِ؛ يَسُبُّونَ الْأَنْبِيَاءَ، وَيَحْتَقِرُونَ الْكُتُبَ الْمُنَزَّلَةَ، وَيَعْبَثُونَ بِكُلِّ قِيمَةٍ سَامِقَةٍ رَاسِخَةٍ، وَلَا يُمْكِنُ الاعْتِرَاضُ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّةَ الرَّأْيِ مَكْفُولَةٌ، وَهُوَ رَأْيٌ شَخْصِيٌّ, طَالَمَا لَمْ يُجْبِرْكَ أَحَدٌ عَلَيْهِ فَلَا مَدْخَلَ لَكَ مَعَهُ.
    حُرِّيَّةُ الْكَسْبِ وَالْإِنْفَاقِ.
    حُرِّيَّةُ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ.
    حُرِّيَّةُ السَّكَنِ.
    حُرِّيَّةُ الانْتِقَالِ وَالتَّنَقُّلِ.
    هَذِهِ هِيَ الْحُرِّيَّاتُ الْمَكْفُولَةُ فِي النِّظَامِ الدِّيمُقْرَاطِيِّ.
    أَمَّا حُرِّيَّةُ الْعَقِيدَةِ: فَهِيَ حُرِّيَّةُ الرِّدَّةِ؛ حَيْثُ يُعْطِي النِّظَامُ الدِّيمُقْرَاطِيُّ كُلَّ فَرْدٍ حُرِّيَّتَهُ فِي أَنْ يُغَيِّرَ دِينَهُ وَعَقِيدَتَهُ كُلَّمَا أَرَادَ ذَلِكَ, لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ، لَهُ أَنْ يَعِيشَ مُسْلِمًا -مَثَلًا- أَوَّلَ حَيَاتِهِ، فَإِذَا بَدَا لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ عَقِيدَتَهُ, وَأَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ أَوِ الْيَهُودِيَّةِ أَوْ مَا يَخْتَارُهُ -كَالْهِنْدُوكِيَّةِ وَالْبُوذِيَّةِ وَالْعَلْمَانِيَّة أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ- فَلَهُ مُطْلَقُ الْحُرِّيَّةِ فِي ذَلِكَ!
    حُرِّيَّتُهُ هَذِهِ مَكْفُولَةٌ لَهُ بِالْقَانُونِ فِي النِّظَامِ الدِّيمُقْرَاطِيِّ؛ فَيَنْبَغِي احْتِرَامُ النِّظَامِ الدِّيمُقْرَاطِيِّ, وَاحْتِرَامُ هَذِهِ الْحُرِّيَّةِ؛ إِذْ قَدْ كَفَلَهَا الْقَانُونُ!!
    احْتِرَامُ الْقَانُونِ عِنْدَهُمْ وَاجِبٌ عَيْنِيٌّ, إِذَا خُولِفَ عُوقِبَ مُخَالِفُهُ.
    فَوَاحَسْرَتَاهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ!!
    إِذَا أَعْطَى الْقَانُونُ فِي النِّظَامِ الدِّيمُقْرَاطِيِّ الْحُرِّيَّةَ فِي أَنْ يُضَاجِعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ -كَمَا تَتَسَافَدُ الْحُمُرُ!- فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ.
    مَنِ اعْتَرَضَ -مَنْ نَظَرَ فَتَبَسَّمَ، أَوْ تَكَلَّمَ فَتَهَكَّمَ- عَاقَبَهُ الْقَانُونُ! وَأَمَّا الْمُتَسَافِدَانِ فَلَا تَثْرِيبَ عَلَيْهِمَا!!
    احْتِرَامُ الْقَانُونِ فِي النِّظَامِ الدِّيمُقْرَاطِيِّ وَاجِبٌ عَيْنِيٌّ!
    وَاحْتِرَامُ النِّظَامِ الْإِسْلَامِيِّ فِي الْإِسْلَامِ مَا هُوَ؟!
    احْتِرَامُ (قَالَ اللَّـهُ, قَالَ رَسُولُهُ) عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ أَيْنَ هُوَ؟!
    هَذَهِ الْمَسَائِلُ عِنْدَ الدِّيمُقْرَاطِيِّينَ مَسْؤُولِيَّةُ السُّلْطَةِ الْقَضَائِيَّةِ الَّتِي تَقْضِي بَيْنِ النَّاسِ بِمَا شَرَعَتْهُ السُّلْطَةُ التَّشْرِيعِيَّةُ الدِّيمُقْرَاطِيَّةُ.
    لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُطَالِبَ أَحَدًا تَرَكَ دِينَهُ بِالْعَوْدَةِ إِلَى دِينِهِ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُطَالِبَ بِتَطْبِيقِ حَدِّ الرِّدَّةِ مَا دَامَ الْمَرْءُ عَائِشًا فِي مُجْتَمَعٍ دِيمُقْرَاطِيٍّ!
    هَذِهِ الْحُرِّيَّةُ -حُرِيَّةُ الْعَقِيدَةِ- هِيَ حُرِّيَّةُ الرِّدَّةِ.
    هَلْ دُعَاةِ الدِّيمُقْرَاطِيَّةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقِرُّونَ بِهَذِهِ الرِّدَّةِ يَا تُرَى؟!!
    فَلْيُفَكِّرُوا جَيِّدًا، وَلْيُحَدِّدُوا مَوَاقِفَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ وَاقِفُونَ فِي مُفْتَرَقِ الطُّرُقِ؛ لَيْسَ أَمَامَهُمْ إِلَّا الْكُفْرُ أَوِ الْإِيمَانُ، لَا تُوجَدُ هُنَا مَنْزِلَةٌ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ -أَيْ: بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ-، وَاللَّـهُ الْمُسْتَعَانُ.
    وَأَمَّا حُرِّيَّةُ الْأَخْلَاقِ: فَهِيَ مِنَ الْحُرِّيَّاتِ الَّتِي أَجْمَعَ عَلَيْهَا الْغَرْبُ وَالشَّرْقُ مَعًا، أَيْ أَنَّ الْكُفَّارَ فِي الشَّرْقِ مِنَ الِاشْتِرَاكِيِّينَ قَدْ يَخْتَلِفُونَ مَعَ إِخْوَانِهِمْ فِي الْغَرْبِ فِي بَعْضِ الْحُرِّيَّاتِ -لَاسِيَّمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ-، وَلَكِنَّهُمْ جَمِيعًا يَتَّفِقُونَ فِي حُرِّيَّةِ الْأَخْلَاقِ دُونَ قَيْدٍ.
    يُقِرُّونَ جَمِيعًا أَنَّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَقْضِيَ وَطَرَهُ مِنْ أَيِّ امْرَأَةٍ حَيْثُ مَا تَيَسَّرَ لَهُ ذَلِكَ فِي الْأَمَاكِنِ الْعَامَّةِ وَالْمَنَازِلِ الْخَاصَّةِ مَا لَمْ يَغْتَصِبْهَا، أَمَّا فِي حَالِ اغْتِصَابِهَا –أَيْ: أَنْ يُوَاقِعَها بِغَيْرِ رِضَاهَا، أَمَّا بِرِضَاهَا فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ, لَا يُؤَاخِذُهُ أَحَدٌ، وَأَمَّا بِغَيْرِ رِضَاهَا- فَإِنَّهُ يُعَدُّ مُجْرِمًا مُذْنِبًا؛ لِمُخَالَفَتِهِ الْقَانُونَ! حَيْثُ ارْتَكَبَ جَرِيمَةَ الِاغْتِصَابِ لَا جَرِيمَةَ الزِّنَى!
    لِأَنَّ فَاحِشَةَ الزِّنَى لَيْسَتْ جَرِيمَةً فِي حَدِّ ذَاتِهَا فِي ذَلِكَ النِّظَامِ الْمُجْرِمِ؛ فِي النِّظَامِ الدِّيمُقْرَاطِيِّ! إِنَّمَا الْجَرِيمَةُ: الِاغْتِصَابُ!!
    هُمُ الْآنَ يَقُولُونَ: حُرِّيَّة، دِيمُقْرَاطِيَّة...
    هَذِهِ هِيَ الدِّيمُقْرَاطِيَّةُ الَّتِي يُرِيدُونَ: حُرِّيَّةُ الرِّدَّةِ، وَحُرِّيَّةُ الِانْعِتَاقِ فِي الْعَلَاقَاتِ الْجِنْسِيَّةِ مِنْ كُلِّ قَيْدٍ.
    هَذِهِ الْحُرِّيَّةُ مَكْفُولَةٌ فِي بَعْضِ الدُّوَلِ الْإِسْلَامِيَّةِ!
    عِبَادَ اللَّـهِ:
    إِنَّ هَذَا الْوَطَنَ الْعَزِيزَ مُسْتَهْدَفٌ فِي نُصُوصِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، وَفِي تَعَالِيمِ التَّلْمُودِ، وَكَذِلكَ فِي بُنُودِ الْمَاسُونِ، وَفِي الْخُطَطِ التَّوْرَاتِيَّةِ الصَّلِيبِيَّةِ الَّتِي نُسِجَتْ خُيُوطُهَا بِلَيْلٍ فِي كُهُوفِ الْكَيْدِ فِي أَجْوَافِ الظُّلُمَاتِ.. ثُمَّ هِيَ قَدْ صَارَتِ الْيَوْمَ حَقِيقَةً مُعْلَنَةً بِأَيْدٍ مِصْرِيَّةٍ لِكَيْ يُقَالَ: إِنَّ الِانْحِلَالَ وَالْكُفْرَ بَعْدُ (صُنِعَ فِي مِصْرَ)!
    هَذَا هُوَ، سَيَقُولَونَ بَعْدُ:
    (صُنِعَ بِالسَّوَاعِدِ الْمِصْرِيَّةِ)!
    جَاءَتْ بِهِ ثَوْرَةٌ مُبَارَكَةٌ! صُنِعَتْ بِأَيْدٍ مِصْرِيَّةٍ فَصَارَتْ دِيمُقْرَاطِيَّةً -يَعْنِي: لَا دِينَ لَهَا-.
    احْذَرُوا، احْذَرُوا -عِبَادَ اللَّـهِ-؛ فَإِنَّ الْأَمْرَ كَبِيرٌ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِمَّا يَتَصَوَّرُ السُّذَّجُ الَّذِينَ خَرَجُوا؛ لِأَنَّ نَابَ الْغَلَاءِ وَالْجُوعِ قَدْ عَضَّ فِي مَعِدَاتِهِمْ، أَوْ نَهَشَ فِي أَمْعَائِهِمْ...
    وَلَا -وَاللَّـهِ-؛ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ، وَيَشْرَبُونَ، وَيَلْبَسُونَ، وَيَعِيشُونَ، وَيَتَمَتَّعُونَ بِمَا لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ آبَائِهِمْ وَلَا أَجْدَادِهِمْ، وَقَدْ وَسَّعَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَفَتَحَ لَهُمْ، وَلَكِنَّهُ الْغَزْوُ الْفِكْرِيُّ الْعَقَدِيُّ، دَمَّرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جَوَانِبَ مِنْ عَقَائِدِهِمْ، وَغَيَّبَ شَرِيعَتَهُمْ، وَجَعَلَ نَظَرَهُمْ إِلَى تُرَاثِهِمْ وَمَاضِيهِمْ وَتَارِيخِهِمْ وَأَسْلَافِهِمْ وَعَقِيدَتِهِمْ نَظَرَ الْمُحْتَقِرِ؛ لِأَنَّ أَعْدَاءَ الإِسْلَامِ قَدْ أَفْهَمُوا الشُّعُوبَ الَّتِي فُرِّغَتْ ثَقَافِيًّا مِنْ تُرَاثِهَا وَدِينِهَا وَعَقِيدَتِهَا أَنَّ هَذَا الْمَاضِيَ هُوَ الَّذِي أَخَّرَهُمْ تَمَامًا -كَرَمْزِيَّةِ الْخَيْلِ وَالْجِمَالِ فِي الْمَيْدَانِ!-.
    المَعْنَى هُوَ: تُرِيدُونَ أَنْ تُعِيدُونَا إِلَى عُهُودِ الرَّجْعِيَّةِ؛ إِلَى الْعُهُودِ الْوُسْطَى؟!
    وَقَدْ -وَاللَّـهِ- قِيلَتْ؛ قَالَ قَائِلُهُمْ -قَطَعَ اللَّـهُ لِسَانَهُ، وَفَضَّ فَاهُ-: فَجَاؤُونَا بِالْأَحْصِنَةِ وَالْجِمَالِ لِيُعِيدُونَا إِلَى الْعُصُورِ الْوُسْطَى!
    لِأَنَّهَا رَمْزُ الْفُرُوسِيَّةِ وَالتَّنَقُّلِ عِنْدَ أَسْلَافِنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ, الَّذِينَ حَمَلُوا الدِّينَ وَالْحَضَارَةَ إِلَى الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَنَشَرَ اللَّـهُ بِهِمُ الْهُدَى وَالنُّورَ وَالْعَدْلَ، فَبُدِّدَتِ الظُّلُمَاتُ فِي الْعَقَائِدِ وَالْحَيَاةِ.
    احْذَرُوا -عِبَادَ اللَّـهِ-، وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَغْفُلُوا عَنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ.
    لَقَدْ قُلْتُ قَدِيمًا:
    إِنَّ الطَّبِيبَ الْفَاشِلَ هُوَّ الَّذِي يَصْرِفُ قُوَاهُ إِلَى التَّوَفُّرِ عَلَى مُعَالَجَةِ الْأَعْرَاضِ دُونَ النَّظَرِ فِي أَصْلِ الدَّاءِ، هَذَا طَبِيبٌ فَاشِلٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَصْنَعَ شَيْئًا لِمَرِيضِهِ، بَلْ إِنَّهُ يُؤْذِيهِ فِي الْجُمْلَةِ.
    تَمَامًا كَمَا لَوْ أُصِيبَ مَرِيضٌ بِارْتِفَاعِ ضَغْطِ الْعَيْنِ، مَا يَزَالُ الضَّغْطُ عَلَى الْعَصَبِ الْبَصْرِيِّ حَتَّى يَضْمُرَ وَحَتَّى يَمُوتَ، وَحِينَئِذٍ يُصَابُ الْمَرِيضُ بِالْعَمَى الدَّائِمِ -نَسْأَلُ اللَّـهَ السَّلَامَةَ وَالْعَافِيَةَ-، وَأَوَّلُ عَرَضٍ وَأَظْهَرُهُ هُوَ الصُّدَاعُ الَّذِي يَكَادُ يَشُقُّ الرَّأْسَ وَالْجُمْجُمَةَ شَقًّا، فَيَشْكُو الْمَرِيضُ مِنْهُ, وَيَكُبُّ الطَّبِيبُ الْجَاهِلُ عَلى هَذَا الْعَرَضِ مُدَاوِيًا وَمُعَالِجًا، فَمَا يَزَالُ يُدَاوِيهِ بِالْمُسَكِّنَاتِ وَالْمُخَدِّرَاتِ -وَالْوَقْتُ هَا هُنَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ مِمَّا هُوَ أَغْلَى مِنْهُ- حَتَّى يَجِدَ الْمَرِيضُ نَفْسَهُ بَعْدَ حِينٍ قَلِيلٍ قَصِيرٍ قَدْ أُصِيبَ بِالْعَمَى -عِيَاذًا بِاللَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ-.
    وَأَمَّا الطَّبِيبُ الْحَاذِقُ، فَإِنَّهُ يَبْحَثُ عَنْ أَصْلِ الدَّاءِ، وَلَا يَصْرِفُ قُوَاهُ كُلَّهَا إِلَى مُعَالَجَةِ الْأَعْرَاضِ، وَإِنَّمَا يَبْحَثُ عَنْ أَصْلِ الْأَمْرَاضِ، فَإِذَا عَالَجَ أَصْلَ الْمَرَضِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَزُولَ الْعَرَضُ.
    لَا يَنْبَغِي أَنْ تَتَوَفَّرَ قُوَانَا كُلُّهَا عَلَى مُعَالَجَةِ الْأَعْرَاضِ دُونَ النَّظَرِ إِلَى أَصْلِ الدَّاءِ.
    أُمَّةٌ مُغَيَّبَةٌ عَنْ حَقِيقَةِ دِينِهَا.
    أَفِي أُمَّةٍ تَعْرِفُ التَّوْحِيدَ وَتَلْتَزِمُ بِالِاتِّبَاعِ تُشَاعُ شَائِعَةُ أَنَّ الْمُجْتَمَعَ يَحْتَاجُ الدِّيمُقْرَاطِيَّةَ؟!
    هَذَا مُنَافٍ لِلْإِسْلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ.
    وَمَعَ ذَلِكَ، فَالْحُرِّيَّاتُ كُلُّهَا الَّتِي تُرِيدُهَا الدِّيمُقْرَاطِيَّةُ مَكْفُولَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَلَكِنْ بِفَارِقٍ وَاحِدٍ:
    هُوَ أَنَّهَا -أَيْ: تِلْكَ الْحُرِّيَّاتِ- مُقَيَّدَةٌ بِقُيُودِ الشَّرِيعَةِ؛ حُرِّيَّةُ الْعَقِيدَةِ مَحْكُومَةٌ بِالشَّرِيعَةِ، حُرِّيَّةُ الرَّأْيِ مَحْكُومَةٌ بِالشَّرِيعَةِ، حُرِّيَّةُ التَّنَقُّلِ وَالانْتِقَالِ، حُرِّيَّةُ الْكَسْبِ وَالْإِنْفَاقِ، جَمِيعُ الْحُرِّيَّاتِ مَكْفُولَةٌ فِي النَّظَامِ الْإِسْلَامِيِّ، وَلَكِنَّهَا مَحْكُومَةٌ فِي الْإِطَارِ الشَّرْعِيِّ؛ فَلَا يُمْنَعُ الْمَرْءُ مِنْ أَمْرٍ شَرَعَهُ اللَّـهُ وَقَرَّرَهُ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
    فَعَلَيْنَا أَنْ نَنَتَبِهَ إِلَى أَصْلِ الدَّاءِ؛ فَالْمَعْرَكَةُ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ إِنَّمَا تَدُورُ فِي الْأَنْفُسِ، فِي الْقُلُوبِ، فِي الْأَرْوَاحِ وَالْعُقُولِ؛ لِأَنَّ الْأَنْفُسَ وَالْقُلُوبَ وَالْأَرْوَاحَ وَالْعُقُولَ قَدْ اسْتُلِبَتْ وَفُرِّغَ مَا فِيهَا مِنْ تُرَاثِهَا وَتَارِيخِهَا، وَاعْتِزَازِهَا بِأَمْجَادِ أَسْلَافِهَا، وَانْتِمَائِهَا إِلَى حَقِيقَةِ دِينِهَا، وَأَخْذِهَا بِتَوْحِيدِ رَبِّهَا, وَاتِّبَاعِ سُنَّةِ نَبِيِّهَا، فُرِّغَتْ مِنْ هَذَا كُلِّهِ, وَمُلِئَتْ بِحَشْوٍ فَارِغٍ لَا طَائِلَ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْفَلْسَفَاتِ، وَمِنْ تِلْكَ الْوَارِدَاتِ مِنَ الْأَخْلَاقِيَّاتِ الْمَرِيضَةِ الَّتِي هِيَ مُؤَسَّسَةٌ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ -وَلَا تَنْسَ هَذِهِ: إِنَّمَا هِي مُؤَسَّسَةٌ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ- عَلَى الْوَثَنِيَّةِ الْيُونَانِيَّةِ الْقَدِيمَةِ.
    هَذَا تُرَاثُهُمْ، هَذَا مَاضِيهِمُ: الْحَضَارَةُ الْيُونَانِيَّةُ، الْحَضَارَةُ الْإِغْرِيقِيَّةُ:
    (زُيُوس) كَبِيرُ الْآلِهَةِ عَلَى قِمَّةِ جَبَلِ الْأُولِمْبِ, وَحَوْلَهُ الْآلِهَةُ, كُلُّ إِلَهٍ لَهُ اخْتِصَاصٌ!
    وَإِلِهَاتٌ يَخُنَّ الْأَزْوَاجِ مِنَ الْآلِهَةِ، وَتَحْمَلُ الْوَاحِدَةُ مِنْهُنَّ مِنْ إِنْسِيٍّ سِفَاحًا وَبِغَاءً, وَتَلِدُ نِصْفَ إِلَهٍ!
    أَيُّ عَبَثٍ هَذَا؟!
    هَذَا مَا يُرَادُ لِلْبَشَرِيَّةِ أَنْ تُؤَسَّسَ فِي فِكْرِهَا عَلَيْهِ؟!
    نَعَمْ؛ لِأَنَّ الْحَرْبَ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مُوَجَّهَةً إِلَى الْإِسْلَامِ وَحْدَهُ؛ وَإِنَّمَا هِيَ مُوَجَّهَةٌ إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَى كُلِّ قِيمَةٍ أَتَى بِهَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
    لِكَيْ يُقِيمَ النُّورَانِيُّونَ الْمَمْلَكَةَ الْعُظْمَى لِيَهُوذَا, لِكَيْ يُقِيمُوا مَمْلَكَةَ الرَّبِّ، وَلِكَيْ يَخْرُجَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ لِيَحْكُمَ الْأَرْضَ -بِزَعْمِهِمْ-!!
    الْأَمْرُ عَمِيقٌ جِدًّا، تَعَلَّمُوا؛ فَلَا وَقْتَ هُنَالِكَ.
    كَادَ الْمُجْتَمَعُ أَنْ يَتَصَدَّعَ، وَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.
    كَادَ أَبْنَاءُ الْمُجْتَمَعِ الْوَاحِدِ أَنْ يَتَقَاتَلُوا، وَأَنْ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، تُرَاقُ الدِّمَاءُ، تَتَخَالَفُ الْآرَاءُ، تَتَعَارَضُ السُّبُلُ، تَتَقَاطَعُ الْوُجْهَاتُ... كُلُّ هَذَا مَقْصُودٌ.
    انْتَبِهُوا:
    إِنَّمَا تَتَوَحَّدُونَ حَوْلَ كِتَاب اللَّـهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّـهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
    أَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ أَنْ يَكْبِتَ أَعْدَاءَنَا، وَأَنْ يُذِلَّهُمْ، وَأَنْ يُنَجِّيَ هَذَا الْوَطَنَ مِنْ مَكَائِدِ الْكَائِدِينَ وَمَكْرِ الْمَاكِرِينَ؛ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
    وَصَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.

  2. الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:


    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً وَسَلَامًا دَائِمَيْنِ مُتَلَازِمَيْنِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
    أَمَّا بَعْدُ:
    فَإِنَّ الْأَمْنَ وَالِاسْتِقْرَارَ نِعْمَةٌ عَظِيمٌ نَفْعُهَا، كَرِيمٌ مَآلُهَا، وَهِيَ مَظَلَّةٌ يَسْتَظِلُّ بِهَا الْجَمِيعُ مِنْ حَرِّ الْفِتَنِ وَنَارِ التَّهَارُجِ، هَذِهِ النِّعْمَةُ يَتَمَتَّعُ بِهَا الْحَاكِمُ وَالْمَحْكُومِ، وَالْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، بَلْ إِنَّ الْبَهَائِمَ تَطْمَئِنُّ مَعَ الْأَمْنِ، وَتُذْعَرُ وَتُعَطَّلُ مَعَ الْخَوْفِ وَاضْطِرَابِ الْأَوْضَاعِ، تُعَطَّلُ وَتُذْعَرُ مَعَ تَهَارُجِ الْهَمَجِ الرَّعَاعِ.
    فَنَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنَ الْفِتَنِ الَّتِي تُعْمِي الْأَبْصَارَ وَتُصِمُّ الْأَسْمَاعَ.
    وَبِاللَّـهِ ثُمَّ بِالْأَمْنِ يُحَجُّ الْبَيْتُ الْعَتِيقُ، وَتُعَمَّرُ الْمَسَاجِدُ، وَيُرْفَعُ الْأَذَانُ مِنْ فَوْقِ الْمَنَارَاتِ، وَيَأْمَنُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، وَتَأْمَنُ السُّبُلُ، وَتُرَدُّ الْمَظَالِمُ لِأَهْلِهَا فَيُنْتَصَرُ لِلْمَظْلُومِ وَيُرْدَعُ الظَّالِمُ، وَتُقَامُ الشَّعَائِرُ، وَيَرْتَفِعُ شَأْنُ التَّوْحِيدِ مِنْ فَوْقِ الْمَنَابِرِ، وَيَجْلِسُ الْعُلَمَاءُ لِلْإِفَادَةِ، وَيَرْحَلُ الطُّلَّابُ لِلِاسْتِفَادَةِ، وَتُحَرَّرُ الْمَسَائِلُ، وَتُعْرَفُ الدَّلَائِلُ، وَيُزَارُ الْمَرْضَى، وَيُحْتَرَمُ الْمَوْتَى، وَيُرْحَمُ الصَّغِيرُ وَيُدَلَّلُ، وَيُحْتَرَمُ الْكَبِيرُ وَيُبَجَّلُ، وَتُوصَلُ الْأَرْحَامُ، وَتُعْرَفُ الْأَحْكَامُ، وَيُؤْمَرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيُنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُكَرَّمُ الْكَرِيمُ وَيُعَاقَبُ اللَّئِيمُ...
    وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَبِالْأَمْنِ اسْتِقَامَةُ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَبِالْأَمْنِ صَلَاحُ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ, وَالْحَالِ وَالْمَآلِ.
    وَقَدْ حَذَّرَنَا اللَّـهُ مِنَ الْفِتْنَةِ الَّتِي يَعُمُّ بَلَاؤُهَا فَقَالَ جَلَّ وَعَلَا: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾[الْأَنْفَال:25]؛ فَنَسْأَلُ اللَّـهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُؤَاخِذَنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا، وَنَعُوذُ بِاللَّـهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حُلُولِ نِقْمَتِهِ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِهِ، وَجَمِيعِ سَخَطِهِ, إِنَّهُ جَوَادٌ كَرِيمٌ بَرٌّ رَحِيمٌ.
    لَقَدْ أَثْنَى اللَّـهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى الصَّلَاحِ وَالْمُصْلِحِينَ، وَعَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَذَمَّ الْفَسَادَ وَالْمُفْسِدِينَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
    فَحَيْثُ كَانَتْ مَفْسَدَةُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ أَعْظَمَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ مِمَّا أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ تُرِكَ وَاجِبٌ وَفُعِلَ مُحَرَّمٌ؛ إِذِ الْمُؤْمِنُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّـهَ فِي عِبَادِ اللَّـهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ هُدَاهُمْ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾[المائدة:105]، وَلَا اهْتِدَاءَ إِلَّا بِأَدَاِء الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ الِاهْتِدَاءَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِأَدَاءِ الْوَاجِبِ، فَإِذَا قَامَ الْمُسْلِمُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ كَمَا قَامَ بِغَيْرِهِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ لَمْ يَضُرَّهُ ضَلَالُ الضُّلَّالِ. هَذِهِ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ.
    قَالَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّـهُ تَعَالَى:
    «شَرَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ إِيجَابَ إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ؛ لِيَحْصُلَ بِإِنْكَارِهِ مِنَ الْمَعْرُوفِ مَا يُحِبُّهُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ, فَإِذَا كَانَ إِنْكَارُ الْمُنْكَرِ يَسْتَلْزِمُ مَا هُوَ أَنْكَرُ مِنْهُ وَأَبْغَضُ إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسُوغُ إِنْكَارُهُ -وَإِنْ كَانَ اللَّـهُ يُبْغِضُهُ وَيَمْقُتُ أَهْلَهُ-، وَهَذَا كَالْإِنْكَارِ عَلَى الْمُلُوكِ وَالْوُلَاةِ بِالْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ؛ فَإِنَّهُ أَسَاسُ كُلِّ فِتْنَةٍ وَشَرٍّ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ.
    وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا جَرَى عَلَى الْإِسْلَامِ فِي الْفِتَنِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ رَآهَا مِنْ إِضَاعَةِ هَذَا الْأَصْلِ، وَعَدَمِ الصَّبْرِ عَلَى مُنْكَرٍ، فَطُلِبَ إِزَالَتُهُ، فَتَوَلَّدَ مِنْهُ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ.
    كَانَ رَسُولُ اللَّـهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى بِمَكَّةَ أَكْبَرَ الْمُنْكَرَاتِ وَلَا يَسْتَطِيعُ تَغْيِيرَهَا، بَلْ لَمَّا فَتَحَ اللَّـهُ مَكَّةَ وَصَارَتْ دَارَ إِسْلَامٍ عَزَمَ عَلَى تَغْيِيرِ الْبَيْتِ وَرَدِّهِ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ، وَمَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ -مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ- خَشْيَةُ وُقُوعِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ؛ مِنْ عَدَمِ احْتِمَالِ قُرَيْشٍ لِذَلِكَ؛ لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ بِالْإِسْلَامِ، وَكَوْنِهِمْ حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ.
    وَلِهَذَا لَمْ يَأْذَنْ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى الْأُمَرَاءِ بِالْيد؛ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ وُقُوعِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ».
    هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ الْعَلَّامَةِ ابْنِ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّـهُ تَعَالَى.
    قَالَ: «فَإِنْكَارُ الْمُنْكَرِ أَرْبَعُ دَرَجَاتٍ:
    الْأُولَى: أَنْ يَزُولَ وَيَخْلُفَهُ ضِدُّهُ.
    الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقِلَّ وَإِنْ لَمْ يَزُلْ جُمْلَةً.
    الثَّالِثَةُ: أَنْ يَخْلُفَهُ مَا هُوَ مِثْلُهُ.
    الرَّابِعَةُ: أَنْ يَخْلُفَهُ مَا هُوَ شَرٌّ مِنْهُ.
    الدَّرَجَتَانِ الْأُولَيَانِ مَشْرُوعَتَانِ، وَالثَّالِثَةُ مَوْضِعُ اجْتِهَادٍ، وَالرَّابِعَةُ مُحَرَّمَةٌ.
    فَإِذَا رَأَيْتَ أَهْلَ الْفُجُورِ وَالْفُسُوقِ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ كَانَ إِنْكَارُكَ عَلَيْهِمْ مِنْ عَدَمِ الْفِقْهِ وَالْبَصِيرَةِ إِلَّا إِذَا نَقَلْتَهُمْ مِنْهَا إِلَى مَا هُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ كَرَمْيِ النُّشَّابِ، وَسِبَاقِ الْخَيْلِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.
    وَإِذَا رَأَيْتَ الْفُسَّاقَ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى لَهْوٍ وَلَعِبٍ وَسَمَاعٍ فَإِنْ نَقَلْتَهُمْ إِلَى طَاعَةِ اللَّـهِ فَهُوَ الْمُرَادُ، وَإِلَّا كَانَ تَرْكُهُمْ عَلَى ذَلِكَ خَيْرًا مِنْ أَنْ تُفَرِّغَهُمْ لِمَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، فَكَأَنَّ مَا هُمْ فِيهِ شَاغِلٌ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ.
    وَكَمَا إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُشْتَغِلًا بِكُتُبِ الْمُجُونِ وَنَحْوِهَا، وَخِفْتَ مِنْ نَقْلِهِ عَنْهَا انْتِقَالَهُ إِلَى كُتُبِ الْبِدَعِ وَالضَّلَالِ وَالسِّحْرِ، فَدَعْهُ وَكُتُبَهُ الْأُولَى, وَهَذَا بَابٌ وَاسِعٌ».
    قَالَ رَحِمَهُ اللَّـهُ:
    «وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّـهُ تَعَالَى يَقُولُ: مَرَرْتُ أَنَا وَبَعْضُ أَصْحَابِي فِي زَمَنِ التَّتَارِ بِقَوْمٍ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ مَنْ كَانَ مَعِي -أَيْ: مَنْ كَانَ مَعَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّـهُ، قَالَ:- فَأَنْكَرْتُ عَلَيْهِمْ إِنْكَارَهُمْ، وَقُلْتُ لِمَنْ أَنْكَرَ: إِنَّمَا حَرَّمَ اللَّـهُ الْخَمْرَ لِأَنَّهَا تَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ، وَهَؤُلَاءِ يَصُدُّهُمُ الْخَمْرُ عَنْ قَتْلِ النُّفُوسِ، وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ، وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ؛ فَدَعْهُمْ».
    أَلَا رَحِمَهُ اللَّـهُ رَحْمَةً وَاسِعَةً.
    لَقَدْ رَأَيْنَا بَعْضَ الشُّعُوبِ الَّذِينَ سَقَطَ حُكَّامُهُمْ وَضَاعَتْ دُوَلُهُمْ -عَلَى عِوَجِهَا وَانْحِرَافِهَا- لَمْ يَعُدْ لَهُمْ كَرَامَةٌ -أَيْ: لِتِلْكَ الشُّعُوبِ- كَمَا كَانَتْ لَهُمْ مِنْ قَبْلُ، وَرَأَيْنَاهُمْ مُشَتَّتِينِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْبُلْدَانِ، وَتَفَرَّقُوا شَذَرَ مَذَرَ فِي الْبِلَادِ، أُهِينُ الْكَرِيمُ، وَتَنَكَّرَ لَهُمُ اللَّئِيمُ، وَاحْتُقِرَ الْعَزِيزُ الْمَنِيعُ، وَتَقَطَّعَتِ الْأَرْحَامُ، وَحِيلَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَوَالِدَيْهِ وَذَوِيهِ.
    وَلِذَا يُقَالُ: شَعْبٌ بِلَا حُكُومَةٍ شَعْبٌ بِلَا كَرَامَةٍ، وَسُلْطَانٌ غَشُومٌ خَيْرٌ مِنْ فِتْنَةٍ تَدُومُ.
    شَعْبٌ بِلَا حُكُومَةٍ شَعْبٌ بِلَا كَرَامَةٍ، سُلْطَانٌ غَشُومٌ خَيْرٌ مِنْ فِتْنَةٍ تَدُومُ.
    فَهَلْ يُرِيدُ الشَّبَابُ الْيَوْمَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُونَ كَذَلِكَ فِي كُلِّ بِلَدٍ، بِإِثَارَةِ الْفِتَنِ، وَزَعْزَعَةِ الْأَمْنِ، مِمَّا يُفْضِي إِلَى سُقُوطِ الْحُكَّامِ -وَإِنْ كَانُوا جَائِرِينَ-؛ فَنَكُونُ كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُطِبَّ زُكَامًا فَأَحْدَثَ جُذَامًا، أَوْ كَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُطِبَّ جُذَامًا فَأَهْلَكَ الْأَصِحَّاءَ شِيبًا وَشُبَّانًا؟!
    نَعُوذُ بِاللَّـهِ مِنْ كَيْدِ الْكَائِدِينَ وَعَبَثِ الْعَابِثِينَ.
    أَلَا يَعْتَبِرُ الشَّبَابُ بِمَا جَرَى فِي عَدَدٍ مِنَ الدُّوَلِ عِنْدَمَا أَسْقَطُوا حُكَّامَهُمْ -وَهُمْ شَرٌّ مُسْتَطِيرٌ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ- فَقَدْ انْتَشَرَتِ الْفِتْنَةُ فِي كُلِّ بَيْتٍ، وَزَادَ الْبَلَاءُ وَاسْتَفْحَلَ؟!
    وَإِنَّهُمُ الْيَوْمَ لَيَتَمَنَّوْنَ رُجُوعَ الْأَيَّامِ السَّابِقَةِ عَلَى مَا كَانَ فِيهَا مِنْ ظُلْمٍ وَجَوْرٍ بَعْدَ أَنْ جَرَّبُوا الْفَوْضَى, وَذَاقُوا حَرَّهَا, وَاكْتَوَوْا بِلَظَاهَا، وَلَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ!
    وَقَدْ قُتِلَ وَجُرِحَ الْمَلَايِينُ مِنَ النَّاسِ، وَهُدِمَتِ الْبُيُوتُ وَالْمَسَاجِدُ، وَانْتُهِكَتِ الْحُرُمَاتُ، وَسُلِبَتِ الْأَمْوَالُ، وَقُطِعَتِ الطُّرُقُ... وَاللَّـهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
    إِنَّ عُلَمَاءَ السُّنَّةِ لَا يُدَافِعُونَ بِذَلِكَ عَنِ الدُّوَلِ الْمُسْلِمَةِ الظَّالِمَةِ حُبًّا فِي الظُّلْمِ أَوْ رُكُونًا إِلَى دُنْيَا الْحُكَّامِ؛ فَعُلَمَاءُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَبْعَدُ النَّاسِ عَنْ ذَلِكَ، وَهُمْ أَقَلُّ النَّاسِ حَظًّا مِمَّا فِي أَيْدِي الْحُكَّامِ؛ وَلَكِنْ يُنْكِرُونَ الْفِتْنَةَ وَمَا تُفْضِي إِلَيْهِ الْفِتْنَةُ وَكُلَّ مَا يُفْضِي إِلَى الْفِتْنَةِ؛ اتِّبَاعًا لِمَنْهَجِ السَّلَفِ، اتِّبَاعًا لِكِتَابِ اللَّـهِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّـهِ بِفَهْمِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَحِفَاظًا عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ خَيْرٍ، وَصِيَانَةً لِلدِّمَاءِ مِنَ السَّفْكِ، وَلِلْحُرُمَاتِ مِنَ الِانْتِهَاكِ.
    وَإِنْ كَانُوا يَتَأَلَّمُونَ لِوُجُودِ الْمُنْكَرَاتِ وَلَا يُنْكِرُونَ وُجُودَهَا وَلَا يُبَالِغُونَ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ أَهْلِهَا، وَإِنَّمَا يَنْصَحُونَ مَا أَمْكَنَ بِالْحَذَرِ مِنْ مَغَبَّةِ الذُّنُوبِ، وَيَدْعُونَ اللَّـهَ عَزَّ وَجَلَّ بِاخْتِيَارِ الْأَصْلَحِ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ.
    لَوْ سَلَّمْنَا أَنَّكُمْ -أَيُّهَا الشَّبَابُ- أَسْقَطْتُمْ دَوْلَةً مَعَ مَا يَكُونُ فِي جَرَّاءِ ذَلِكَ مِنْ إِهْلَاكِ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ، وَتَعْطِيلِ الْمَصَالِحِ، وَإِضَاعَةِ الثَّرْوَاتِ، وَإِضْعَافِ الْأُمَّةِ أَمَامَ أَعْدَائِهَا, فَلِمَنْ تُسَلِّمُونَهَا؟!
    تَقُولُونَ: إِنَّمَا قَامَ الشَّبَابُ...
    فَمَنْ يَجْنِي الثَّمَرَةَ الْآنَ؟!
    مَاذَا كَانَتْ مَطَالِبُهُمْ؟!
    كَانَتْ مَعْلُومَةً...
    وَقَدْ حُقِّقَتْ كُلُّهَا,فَمَاذَا يُرِيدُ الْقَوْمُ بَعْدُ؟!
    يُرِيدُونَ الْخَرَابَ وَالدَّمَارَ وَالْفَوْضَى، وَاللَّـهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ.
    حِينَئِذٍ يَتَدَخَّلُ الْأَعْدَاءُ بَعْدَ الْخَرَابِ وَالدَّمَارِ، وَإِضْعَافِ الْجَيْشِ الْمُدَافِعِ عَنْ دِينِ الْأُمَّةِ وَأَبْنَائِهَا وَشَعْبِهَا وَأَرْضِهَا وَتُرَابِهَا؛ إِذْ يُوضَعُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَيُكَلَّفُ بِغَيْرِ مَا هُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا نَشِبَتْ فِتْنَةٌ يُؤَجِّجُها مَنْ يُؤَجِّجُهَا مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ؛ لِكَي تَقَعَ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْأُمَّةِ وَجَيْشِهَا حَتَّى يَصِيرَ الْجَيْشُ حَرْبًا عَلَى شَعْبِهِ، وَحَتَّى يَصِيرَ الشَّعْبُ عَدُوًّا لِجَيْشِهِ.
    فَمَا بَقَاءُ الدِّينِ حِينَئِذٍ, وَكَيْفَ يَبْقَى؟!
    وَمَا بَقَاءُ الْوَطَنِ حِينَئِذٍ, وَأَيْنَ يَبْقَى؟!
    وَأَيْنَ بَقَاءُ الْأَعْرَاضِ؟!
    وَكَيْفَ تُصَانُ الْحُرُمَاتُ؟!
    وَمَاَذا يَبْقَى لِلْأُمَّةِ بَعْدُ؟!
    أَلَا يَتَّقُونَ اللَّـهَ؟!
    إِنَّ مِنْ لَوَازِمِ الْحُبِّ الشَّرْعِيِّ لِلْأَوْطَانِ الْمُسْلِمَةِ: أَنْ يُحَافَظَ عَلَى أَمْنِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا، وَأَنْ تُجَنَّبَ الْأَسْبَابَ الْمُفْضِيَةَ إِلَى الْفَوْضَى وَالِاضْطِرَابِ وَالْفَسَادِ؛ فَالْأَمْنُ فِي الْأَوْطَانِ مِنْ أَعْظَمِ مِنَنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنِ عَلَى الْإِنْسَانِ، قَدْ بَيَّنَ لَنَا رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الْعَظِيمِ، وَبَيَّنَهُ لَنَا نَبِيُّنَا الْكَرِيمُ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    وَقَدْ سُئِلَ أَحَدُ الْعُلَمَاءِ: الْأَمْنُ أَفْضَلُ أَمِ الصِّحَّةُ؟
    قَالَ: «الْأَمْنُ أَفْضَلُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ شَاةً لَوِ انْكَسَرَتْ رِجْلُهَا فَإِنَّهَا تَصِحُّ بَعْدَ زَمَانٍ، ثُمَّ إِنَّهَا تُقْبِلُ عَلَى الرَّعْيِ وَالْأَكْلِ، وَأَمَّا إِذَا رُبِطَتْ فِي مَوْضِعٍ وَرُبِطَ بِالْقُرْبِ مِنْهَا ذِئْبٌ فَإِنَّهَا مِنَ الْخَوْفِ تُمْسِكُ عَنِ الْعَلَفِ وَلَا تَتَنَاوَلُ شَيْئًا إِلَى أَنْ تَمُوتَ؛ فَالْأَمْنُ أَفْضَلُ لَهَا مِنْ صِحَّتِهَا؛ فَإِنَّهَا تَتَعَافَى بَعْدَ الْمَرَضِ، وَأَمَّا إِذَا اسْتَحْوَذَ الْخَوْفُ عَلَيْهَا قَتَلَهَا. هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّرَرَ الْحَاصِلَ مِنَ الْخَوْفِ أَشَدُّ مِنَ الضَّرَرِ الْحَاصِلِ مِنْ أَلَمِ الْجَسَدِ».
    وَاللَّـهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَجَابَ خَلِيلَهُ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا سَأَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ آمِنًا, فَجَعَلَ مَكَّةَ بَلَدًا آمِنًا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَنَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَةَ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّـهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ-: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي بَدَنِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا».
    وَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا قَدْ عَرَفْتُمْ حَقِيقَةَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ تِلْكَ الْأَيَّامِ الْقَلَائِلِ الَّتِي مَرَّتْ.
    «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي بَدَنِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا».
    نِعْمَةُ الْأَمَانِ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللَّـهِ عَلَى الْإِنْسَانِ، وَهِيَ كَكُلِّ النِّعَمِ تَتَطَلَّبُ الشُّكْرَ عَلَيْهَا.
    فَالنِّعْمَةُ صَيْدٌ، والشُّكْرُ قَيْدٌ، وشُكْرُهَا بِالِاعْتِرَافِ بِهَا بِالْقَلْبِ بَاطِنًا، وَالثَّنَاءِ عَلَى الْمُنْعِمِ بِهَا بِاللِّسَانِ ظَاهِرًا، وَبِتَصْرِيفِهَا فِي مَرْضَاةِ الْمُنْعِمِ بِهَا وَالْمُسْدِيهَا.
    وَمِنَ الْكُفْرِ بِهِذَهِ النِّعْمَةِ -نِعْمَةِ الْأَمَانِ فِي الْأَوْطَانِ، نِعْمَةِ الْأَمْنِ فِي الدِّيَارِ- مِنَ الْكُفْرِ بِهَا-: الْعَبَثُ بِاسْتِقْرَارِ الْوَطَنِ وَأَمْنِهِ.
    مِنَ الْكُفْرِ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ: الْمُغَامَرَةُ بِمُسْتَقْبَلِ الْوَطَنِ، وَتَضْيِيعُ مَاضِيهِ.
    مِنَ الْكُفْرِ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ: تَأْجِيجُ نِيرَانِ الْأَحْقَادِ بَيْنَ أَبْنَائِهِ، وَتَقْوِيضُ دَعَائِمِ بِنَائِهِ.
    مِنَ الْكُفْرِ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ: اسْتِغْلَالُ مُعَانَاةِ الْجَمَاهِيرِ الْكَادِحَةِ الْمُرْهَقَةِ الَّتِي أَرْهَقَهَا الْفَقْرُ وَطَحَنَهَا الْغَلَاءُ، اسْتِغْلَالُ تِلْكَ الْجَمَاهِيرِ الْكَادِحَةِ الْمُرْهَقَةِ لِتَكُونَ وَقُودًا لِمَعْرَكَةٍ فَاشِلَةٍ ظَالِمَةٍ الْغَالِبُ وَالْمَغْلُوبُ فِيهَا خَاسِرَانِ، وَالْمُضَيَّعُ فِيهَا هُوَ الْوَطَنُ بِدِينِهِ وَتَارِيخِهِ، وَتُرَاثِهِ وَمَاضِيهِ، وَحَاضِرِهِ وَمُسْتَقْبَلِهِ.
    فِي الْجَزَائِرِ عِبْرَةٌ.
    فِي الْعِرَاقِ عِبْرَةٌ.
    فِي السُّودَانِ عِبْرَةٌ.
    فِي لُبْنَانَ عِبْرَةٌ.
    فِي غَزَّةَ عِبْرَةٌ.
    وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ.
    أُعِيذُكِ بِاللَّـهِ -أَيَّتُهَا الْجَمَاهِيرُ الْكَادِحَةُ- أَنْ تَكُونِي تَابِعَةَ كُلِّ نَاعِقٍ، أَوْ تَكُونِي كَمَا وَصَفَ الشَّاعِرُ:


    انْظُرِ الشَّعْبَ الْمُعَنَّى *** كَيْفَ يُوحُونَ إِلَيْه


    أَثَّرَ الْبُهْتَانُ فِيهِ *** وَانْطَلَى الزُّورُ عَلَيْه


    يَا لَهُ مِنْ بَبَّغَاءٍ *** عَقْلُهُ فِي أُذُنَيْه



    إِنَّ الْجَمَاهِيرَ مِنَ الْعَوَامِّ اشْتُقَّ اسْمُهُمْ مِنَ الْعَمَى، وَإِنَّمَا زِمَامُهُمْ بِيَدِ مَنْ يَقُودُهُمْ.

    يَا لَهُ مِنْ بَبَّغَاءٍ *** عَقْلُهُ فِي أُذُنَيْه


    أُعِيذُكِ بِاللَّـهِ -أَيَّتُهَا الْجَمَاهِيرُ الْكَادِحَةُ- أَنْ تُضَيِّعِي بَاقِيَ الشَّرَابِ مِنْ أَجْلِ مَوْهُومِ السَّرَابِ.
    أُعِيذُكِ بِاللَّـهِ -أَيَّتُهَا الْجَمَاهِيرُ الْكَادِحَةُ- أَنْ تَكُونِي لِصَاحِبِ غَرَضٍ وَسِيلَةً، وَأَنْ يَرُوجَ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ عَلَيْكِ حِيلَةٌ.
    يَا جَمَاهِيرَ شَعْبِنَا الْمُسْلِمِ النَّبِيلِ:
    لَا تَسْتَفِزَّنَّكُمُ الْخُطُوبُ، تَمَسَّكُوا بِدِينِكُمْ، وَتُوبُوا إِلَى رَبِّكُمْ عَلَّامِ الْغُيُّوبِ, وَسِتِّيرِ الْعُيُوبِ, وَغَفَّارِ الذُّنُوبِ.
    وَاعْلَمْ -أَيُّهَا الشَّعْبُ الْمُسْلِمُ النَّبِيلُ- أَنَّ إِسْلَامَكَ أَمَانَةٌ فِي عُنُقِكَ, وَأَنَّ وَطَنَكَ أَمَانَةٌ فِي عُنُقِكَ.
    اعْلَمْ -أَيُّهَا الشَّعْبُ الْمِصْرِيُّ النَّبِيلُ- أَنَّ دِينَكَ, أَنَّ إِسْلَامَكَ- أَمَانَةٌ فِي عُنُقِكَ؛ فَصُنِ الْمَوْجُودَ، وَحَصِّلِ الْمَفْقُودَ، وَلَا تَبْخَلْ بِمَجْهُودٍ، وَاللَّـهُ يُسَدِّدُكَ وَيَرْعَاكَ، وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ.
    فِي «أُصُولِ السُّنَّةِ» لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا كَانَ مُبَايَعًا مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، أَوْ كَانَ إِمَامًا مُتَغَلِّبًا، فَخَرَجَ عَلَيْهِ خَارِجٌ، فَقَاتَلَهُ الْإِمَامُ, فَمَاتَ الْخَارِجُ، فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ.
    ارْجِعْ إِلَى هَذَا النَّصِّ فِي «أُصُولِ السُّنَّةِ» لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَتَعَلَّمْ دِينَكَ وَعَقِيدَتَكَ، وَاجْتَهِدْ فِي نَشْرِ الْوَعْيِ الصَّحِيحِ بَيْنَ جَمَاهِيرِ الْأُمَّةِ الَّتِي اسْتُلِبَ مِنْهَا مُحْتَوَاهَا الْحَقُّ, وَصُبَّ فِيهَا مِنْ أَطْيَافِ الْبِدْعَةِ مَا صُبَّ بِاسْمِ الْإِسْلَامِ الْحَنِيفِ -تَهْيِيجًا، وَإِثَارَةً، وَحِقْدًا، وَضَغِينَةً-، يَؤُزُّهُمُ الْحِقْدُ وَتَرْتَفِعُ بِهِمُ الضَّغِينَةُ، وَأَمَّا دِينُ اللَّـهِ فَأَيْنَ هُوَ؟!
    الدَّعْوَةُ لِلدِّيمُقْرَاطِيَّةِ، أَهَذِهِ الدِّيمُقْرَاطِيَّةُ هِيَ دِينُ اللَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟!
    لَا يُبَالُونَ، يَرْكَبُونَ كُلَّ مَوْجَةٍ, وَيَتَوَسَّلُونَ بِكُلِّ وَسِيلَةٍ!
    وَأَمَّا الْمُسْلِمُ الَّذِي سَلَّمَ اللَّـهُ فِطْرَتَهُ مِنْ كُلِّ شَوْبٍ، فَإِنَّهُ مُتَثَبِّتٌ حَاذِقٌ، لَا يَضَعُ قَدَمَهُ إِلَّا عَلَى أَرْضٍ صُلْبَةٍ، وَيَمْشِي عَلَى بَرَكَةِ اللَّـهِ وَفِي هَدْيِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّـهِ.
    نَسْأَلُ اللَّـهَ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ أَنْ يُجَنِّبَ وَطَنَنَا مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
    اللَّهُمَّ صُنْ بَلَدَنَا وَجَمِيعَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ، صُنْ وَطَنَنَا وَجَمِيعَ أَوْطَانِ الْمُسْلِمِينَ.
    اللَّهُمَّ احْفَظْ وَطَنَنَا وَجَمِيعَ أَوْطَانِ الْمُسْلِمِينَ.
    اللَّهُمَّ اكْبَتِ الْحَاقِدِينَ.
    اللَّهُمَّ أَذِلَّ الْحَاسِدِينَ الْمُجْرِمِينَ الَّذِينَ يَبُثُّونَ الْفِتْنَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
    اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ، وَاجْمَعْ أَبْنَاءَ هَذَا الْوَطَنِ عَلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ -يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ-.
    اللَّهُمَّ حَافِظْ عَلَى وَطَنِنَا مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ، وَاحْفَظْهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ, وَجَمِيعَ أَوْطَانِ الْمُسْلِمِينَ.
    اللَّهُمَّ أَمِّنْ وَطَنَنَا -يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ-.
    اللَّهُمَّ احْفَظْ دِيَارَنَا, وأَلِّفْ بَيْنَ أَبْنَاءِ شَعْبِنَا.
    اللَّهُمَّ اكْبِتِ الْحَاقِدِينَ.
    اللَّهُمَّ اكْبِتْ أَصْحَابَ الْفِتْنَةِ وَأَذِلَّهُمْ، وَاكْشِفْ سِتْرَهُمْ، وَمَكِّنْ مِنْهُمْ.
    اللَّهُمَّ احْفَظْ وَطَنَنَا.
    اللَّهُمَّ احْفَظْ وَطَنَنَا مِنَ الْفَوْضَى، واحْفَظْ وَطَنَنَا مِنَ الْفِتَنِ, وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِ أَهْلِهِ، وَاجْمَعْهُمْ عَلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ -يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، وَيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَيَا ذَا الْقُوَّةِ الْمَتِينِ-.
    وَصَلَّى اللَّـهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ.


    ==========
    [1]راجع سفر إشعياء (الأصحاح 19), سفر إرميا (الأصحاح 46), سفر حزقيال (الأصحاح 29-30), سفر يوئيل (الأصحاح 3).


    ===============
  3. مصدر التفريغ: مـن هـنـا
    ===============






    تاريخ إلقاء هذه المحاضرة: الجمعة 1 من ربيع الأول 1432هـ الموافق 4-2-2011م

    مكان إلقاء هذه المحاضرة: بالمسجد الشرقي - سبك الأحد - أشمون - محافظة المنوفية - مصر


    ====================
    لحفظ المحاضرة: MP3 وأيضاً: RM
    ====================

منقول

رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013