منتديات التصفية و التربية السلفية  
     

Left Nav الرئيسية التعليمـــات قائمة الأعضاء التقويم مشاركات اليوم Right Nav

Left Container Right Container
 

العودة   منتديات التصفية و التربية السلفية » القــــــــسم العــــــــام » الــمــــنــــــــتـــــــدى الـــــــــعــــــــام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 Nov 2013, 08:52 PM
بلال بريغت بلال بريغت غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: قسنطينة / الجزائر.
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر Skype إلى بلال بريغت
افتراضي رسالة: جواب سؤال عن سوء مقال للعلامة السلفي عبد الحميد بن باديس رحمه الله

رسالة جواب سؤال عن سوء مقال
للعلامة السلفي عبد الحميد بن باديس رحمه الله




بسم الله الرحمن الرحيم


وصلى لله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما

سؤال:
ما قول ساداتنا العلماء- رضي الله عنهم- وأدام النفع بهم في رجل يزعم أنه قطب الزمان الفرد، وأن الكل دونه، وأنه العارف المسلك، إلى غير ذلك من أعلى صفات العارفين، وأسمى درجات الكاملين، ثم يقول مخاطبا للنبي- صلى الله عليه وآله وسلم- بما نصه:


إن مت بالشوق منكد *** ما عذر ينجيك
إن تبق في هجري زائد *** للمولى ندعيك
من هو بالملك موحد *** ينظر في أمرك
عبس بالقول تساعد *** ما نرجوه فيك


ولما قيل له في هذه الأبيات قال: ألسن المحبين أعجمية. فهل يعد خطابه هذا سوء أدب وهل تجوز مخاطبة النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- بمثله، وهل صدور مثله من شأن العارفين الكاملين، وهل يقبل منه ما اعتذر به من عجمة ألسن المحبين، أفيدونا مأجورين إن شاء الله تعالى من رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. انتهى.


الجواب

[الحَمْدُ للهِ]([1]) نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَصلى الله على سيدنا ومولانا محمد الذي [أدبه الله فأحسن تأديبه]([2])، ووفر من كل خير وكمال على جميع العالمين نصيبه، وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الهادين والمهتدين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد :

فقد وقفت على سؤالكم وتأملت من جميع فصوله، وأحطت خبرا إن شاء الله- تعالى- بلفظه ومدلوله، وهممت أن لا أجيبكم عنه بحرف واحد، لما أعلم من تصميم أكثر العامة على العناد فيما اعتقدوه من الباطل، وسكوت أكثر الخاصة عن التصريح بالإنكار عليهم، والإرشاد لهم، وتهافت بعض الطلبة القاصرين، على تسويد صحفهم وصحائفهم بشبهات يسمونها بأفواههم دلائل وأجوبة عن متبوعيهم من الجاهلين،[يحشونها]([3]) بالأحاديث الضعيفة والموضوعة والتأويلات الباطلة الممنوعة، والروايات المدخولة عمن ليس قوله حجة على الناس في الدِّين وإنما غايته إذا ثبت عنه ذلك وحسن به الظن أن يؤول على وجه صحيح يقبله الشرع. ثم يردون بمثل هذا على الآيات البينة والأحاديث الثابتة وعمل السلف الصالح المشهود لهم بالخيرة على لسان المعصوم. أفمع هؤلاء ينفع الكلام أو يحسن الجواب. لكنني تذكرت ما جاء في وعيد الكاتبين، وفي وعد من بذل الجهد في نصح إخوانه المسلمين، ورجوت أن لا أعدم أنصارا على الحق، وإخوانا متكاتفين في نصرة الدين، من عدول حملة العلم الذين ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، فاستخرت الله- تعالى- وحررت لكم هذا الجواب في مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، غير قاصد- علم الله- شخص أحد [بالنقص]([4])، ولا خارج بعون الله- تعالى- عن جادة الفهم من دلالة الظاهر والنص، والله أسأل أن ينفع به المسترشدين ويهدي به في المعاندين ويفت به أعضاء المفسدين آمين.



المقدمة

في وجوب الأدب مع النبي- صلى الله عليه وسلم- إجماعا وأبدا وعلى كل حال



أجمع علماء الملة من جميع الفرق على وجوب الأدب مع النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- حيا وميتا كما يجب الإيمان به حيا وميتا للنصوص القطعية في ذلك كقوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ ﴾ الآية[الفتح:8-9]. وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾[الحجرات:1] وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ ﴾ الآية[الحجرات:2]. وعلى هذا كانت سيرة السلف الصالح معه- عليه الصلاة والسلام- في الحياة وبعد الممات. روى الترمذي عن أنس- رضي الله تعالى عنه- : ( كَانَ يَخْرُجُ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَهُمْ جُلُوسٌ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما - فَلَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَصَرَهُ إِلَيْهِ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، فَإِنَّهُمَا كَانَا يَنْظُرَانِ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِمَا وَيَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ إِلَيْهِمَا)([5]) وجاء من غير وجه أن أصحابه كانوا حوله كأنما على رؤوسهم الطير([6]) حتى كانوا من تعظيمه وتوقيره يهابونه فلا يسألونه فيحبون أن يأتي الأعرابي الجاهل فيسأله([7])، ولما ناظر أبو جعفر المنصور مالكا في المسجد النبوي ورفع صوته، قال له مالك: لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدب قوماً فقال: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ ﴾ [الحجرات:2]. ومدح قوما فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ﴾ [الحجرات:3]. وذم قوما فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [الحجرات:4] وأن حرمته ميتاً كحرمته حياً. فاستكان لهما أبو جعفر ([8]) وقد كَانَ مَالِكٌ - رحمه الله تعالى - إذَا ذُكِرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَغَيَّرُ لَوْنُهُ وَيَنْحَنِي حَتَّى يَصْعُبَ ذَلِكَ عَلَى جُلَسَائِهِ([9])، وَكَانَ جَعْفَرٌ الصَادِقُ كَثِيرَ الدُّعَابَةِ ، وَالتَّبَسُّمِ ، وإِذَا ذُكِرَ عِنْدَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – اصْفَرَّ([10]).

والواقف على سير السلف الماضيين والعلماء المتقدمين يجد فيها كثيرا من هذا في مراعاة حرمته- صلى الله عليه وآله وسلم- وشدة التأدب مع جنابه الشريف، ومن أكثر الناس محافظة على الأدب وتحريضا عليه و وصاية به شيوخ الزهد والعلم من أئمة التصوف العارفين([11]) كرجال الرسالة القشيرية([12]) الذين أبقى الله بعظيم فضله على الإسلام وجميل صنعه لنصرة الدين كلامهم حجة على كل من ينتسب إلى طريقتهم في مثل هاته الأزمان، قال في الرسالة عن عبد الله بن المبارك([13]): (نَحْنُ إِلَى كَثِيرٍ مِنَ الأَدَبِ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَى كَثِيرٍ مِنَ العِلْمِ )([14])، وعن أبي علي الدقاق ([15]): (مَنْ صَاحَبَ الْمُلُوكَ بِغَيْرِ أَدَبٍ أَسْلَمَهُ الْجَهْلُ إِلَى الْقَتْلِ)([16]) ، وقال أبو حفص الحداد([17]): (التّصوُّفُ كلّه آدابٌ، لكلّ وقتٍ آدابٌ، ولكلِّ حالٍ آدابٌ، ولكلّ مقامٍ آدابٌ، فَمَنْ لَزمَ الأدبَ بلغَ مَبلغَ الرّجالِ، وَمَنْ حُرمَ الأَدَبَ فهو بعيدٌ من حيث يَظنُّ القُربَ، مَردودٌ مِنْ حَيْثُ يَرْجُو [الوِصَالَ]([18]))([19])، وقال : (حُسْنُ الأَدَبِ فِي الظَّاهِرِ عُنْوَانُ حُسْنِ الأَدَبِ فِي البَاطِن)([20])


-يتبع-

======
[1] : في الأصل : ( الحمد الله ).
[2] : حديث : (أدَّبني ربي فأحسن تأديبي) حديث ضعيف . قال الألباني رحمه الله في السلسلة الضعيفة : (1/173) : [قال ابن تيمية في مجموع الرسائل الكبرى (2/336) : ( معناه صحيح ، و لكن لا يعرف له إسناد ثابت).و أيده السخاوي والسيوطي ، فراجع (كشف الخفاء) (1/70)]. انتهى كلامه رحمه الله.
[3] : في الأصل: (يخشونها).
[4] : في الأصل: ( بالتقص) .
[5] : سنن الترمذي : أبواب المناقب : باب في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كليهما ، حديث رقم (3668) ، و قال :( هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من حديث الحكم بن عطية ، و قد تكلم بعضهم في الحكم بن عطية) إنتهى كلامه. و هذا الحديث، حديث: ضعيف . أنظر : ضعيف سنن الترمذي للألباني (ص:417) حديث رقم (3668) ، و انظر المشكاة (6053).
و الحكم بن عطية العيشيُّ ، بالتحتانية و المعجمة ، البصريُّ ، قال الحافظ في التقريب (ص:198)ط.الرسالة: (صدوق له أوهام) ، و قال ابن حبان في المجروحين (1/301) بتحقيق حمدي عبد المجيد السلفي : (يَرْوِي عن ثابت وابن سيرين ، روى عَنْهُ أَبُو دَاوُد الطيالسي ، وجماعة ، كَانَ أَبُو الْوَلِيد شديد الحمل عَلَيْهِ ويضعفه جدا ، وَكَانَ الحكم مِمَّن لا يدري مَا يحدث فربما وَهم فِي الْخَبَر ، يجيء كَأَنَّهُ موضوع ، فاستحق الترك)، و قال الذهبي في الميزان (1/529) ط. الرسالة العالمية : (وثقه ابن معين، وضعفه أبو الوليد، وقال النسائي: ليس بالقوى. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به . انفرد عن ثابت بحديث ابتسام أبى بكر وعمر إليه وهو إليهما. وقال أحمد: لا بأس به، لكن أبو داود روى عنه مناكير).
[6] : قطعة من حديث أخرجه أبو داود في سننه : كتاب الطب : باب الرجل يتداوى ، حديث رقم (3855) ، قال : (حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ النَّمَرِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ، قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ فَجَاءَ الأَعْرَابُ مِنْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَدَاوَى فَقَالَ ‏ : تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ الْهَرَمُ ‏) ، و إسناده صحيح ، و عند ابن ماجة في كتاب الجنائز برقم (1549) عن البراء بن عازب قال : (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فانتهينا إلى القبر وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ، كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ).
[7] : في الحقيقة نهى النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه رضوان الله عليهم عن سؤاله كما في الحديث الذي أخرجه مسلم في صحيحه : كتاب الإيمان : باب السؤال عن أركان الإسلام ، حديث رقم (12) ، قال : (حدثني عمرو بن محمد بن بكير الناقد حدثنا هاشم بن القاسم أبو النضر حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس بن مالك قال نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء رجل من أهل البادية فقال يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك قال صدق قال فمن خلق السماء قال الله قال فمن خلق الأرض قال الله قال فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل قال الله قال فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا قال صدق قال فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا قال نعم قال وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا قال صدق قال ثم ولى قال والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم لئن صدق ليدخلن الجنة).
قال النووي رحمه الله تعالى : ( قوله : ( نهينا أن نسأل ) يعني سؤال ما لا ضرورة إليه كما قدمنا بيانه قريبا في الحديث الآخر : سلوني أي تحتاجون إليه .
وقوله : ( الرجل من أهل البادية ) يعني من لم يكن بلغه النهي عن السؤال .
وقوله : ( العاقل ) كونه أعرف بكيفية السؤال وآدابه والمهم منه ، وحسن المراجعة ؛ فإن هذه أسباب عظم الانتفاع بالجواب ، ولأن أهل البادية هم الأعراب ، ويغلب فيهم الجهل والجفاء . ولهذا جاء في الحديث ( من بدا جفا ) والبادية والبدو بمعنى وهو ما عدا الحاضرة والعمران ، والنسبة إليها بدوي ، والبداوة الإقامة بالبادية وهي بكسر الباء عند جمهور أهل اللغة وقال أبو زيد : هي بفتح الباء قال ثعلب : لا أعرف البداوة بالفتح إلا عن أبي زيد). شرح النووي على مسلم (1/169).
[8] : القصة ذكرها القاضي عياض في الشفا (595/2-596) طبعة دار الكتاب العربي ، و قد بين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بطلان هذه القصة سندا ومتنا، كما بين رحمه الله تعالى مذهب الإمام مالك في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال رحمه الله : (فَهَذَا كُلُّهُ نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْمَعْرُوفَةِ ثُمَّ ذَكَرَ حِكَايَةً بِإِسْنَادِ غَرِيبٍ مُنْقَطِعٍ رَوَاهَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ إجَازَةً، قالوا : حدثنا أبو العباس أحمد بن عمر بن دِلهات ؛ قال : حدثنا أبو الحسن علي بن فِهر ، حدثنا أبو بكر محمد بن الفرج ، حدثنا أبو الحسن بن المُنتاب ، حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا ابن حميد قال: ناظر أبو جعفر ـ أمير المؤمنين ـ مالكاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مالك: يا أمير المؤمنين، لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فإن الله أدب قوماً فقال: ﴿لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾[الحجرات: 2].
ومدح قوماً فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﴾[الحجرات: 3].
وذم قوماً فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ ﴾ [الحجرات: 4].
وإن حرمته ميتاً كحرمته حياً، فاستكان لها أبو جعفر، فقال: يا أبا عبد الله، أستقْبِلُ القبلة وأدعو؟ أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام إلى يوم القيامة؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعك اللّه، قال اللّه تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا﴾ [النساء: 64].
قلت: وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ مُنْقَطِعَةٌ ؛ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ حميد الرَّازِيَّ لَمْ يُدْرِكْ مَالِكًا ، لَا سِيَّمَا فِي زَمَنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَنْصُورِ ، فَإِنَّ أَبَا جَعْفَرٍ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ ، وَتُوُفِّيَ مَالِكٌ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ . وَتُوُفِّيَ مُحَمَّدُ بْنُ حميد الرازي سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ بَلَدِهِ حِينَ رَحَلَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ إلَّا وَهُوَ كَبِيرٌ مَعَ أَبِيهِ ، وَهُوَ مَعَ هَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، كَذَّبَهُ أَبُو زُرْعَةَ ، وَابْنُ وارة ، وَقَالَ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأسدي : مَا رَأَيْت أَحَدًا أَجْرَأَ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ وَأَحْذَقَ بِالْكَذِبِ مِنْهُ . وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَبِيبَةَ : كَثِيرُ الْمَنَاكِيرِ . وَقَالَ النسائي : لَيْسَ بِثِقَةِ . وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ : يَنْفَرِدُ عَنْ الثِّقَاتِ بِالْمَقْلُوبَاتِ . وَآخِرُ مَنْ رَوَى الْمُوَطَّأَ عَنْ مَالِكٍ هُوَ أَبُو مُصْعَبٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ . وَآخِرُ مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ عَلَى الْإِطْلَاقِ هُوَ أَبُو حُذَيْفَةَ أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ السَّهْمِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ ، وَفِي الْإِسْنَادِ أَيْضًا مَنْ لَا تُعْرَفُ حَالُهُ، وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ لَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْمَعْرُوفِينَ بِالْأَخْذِ عَنْهُ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ حميد ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ إذَا أَسْنَدَ ، فَكَيْفَ إذَا أَرْسَلَ حِكَايَةً لَا تُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ؟ هَذَا إنْ ثَبَتَ عَنْهُ ، وَأَصْحَابُ مَالِكٍ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ بِمِثْلِ هَذَا النَّقْلِ لَا يَثْبُتُ عَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ لَهُ فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْفِقْهِ ؛ بَلْ إذَا رَوَى عَنْهُ الشَّامِيُّونَ كَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، وَمَرْوَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الطاطري ضَعَّفُوا رِوَايَةَ هَؤُلَاءِ ، وَإِنَّمَا يَعْتَمِدُونَ عَلَى رِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ فَكَيْفَ بِحِكَايَةِ تُنَاقِضُ مَذْهَبَهُ الْمَعْرُوفَ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ رَوَاهَا وَاحِدٌ مِنْ الْخُراسانِيِّينَ لَمْ يُدْرِكْهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ !) أنظر : قاعدة جليلة في الوسيلة و التوسل لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بتحقيق عبد الفادر الأرنؤوط (ص:111-113).
[9] : انظر الشفا للقاضي عياض (2/597) طبعة دار الكتاب العربي ، و انظر : تذكرة السامع والمتكلم بآداب العالم والمتعلم لابن جماعة الشافعي (ص:52) طبعة دار البشائر الإسلامية.
[10] : المصدر السابق.
[11] : قد كان أوائل الصوفية ملتزمين بالكتاب والسنّة، غير أنّ كثيرًا منهم حادوا عن الطريق السوي وغلوا في البدع والمنكرات والانحرافات في الفكر والسلوك.[انظر: تلبيس إبليس لابن الجوزي (ص:211 وما بعدها)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (11/18) ، مدارج السالكين لابن القيم: (1/138)] بواسطة الإعلام بمنثور تراجم المشاهير و الأعلام للشيخ الفاضل محمد علي فركوس حفظه الله (ص:190) عند ترجمة الشيخ ابن باديس.
[12] : الرسالة القشيرية من تأليف أبي القاسم عبد الكريم ابن هوازن بن عبد الملك بن طلحة بني محمد القشيري النيسابوري الفقيه الشافعي (376هـ - 465 هـ) كتبها عن الصوفية سنة (437 هـ) و قد تعقب عليها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعقبات كثيرة في عدة مواضع منها كما في كتابه الاستقامة (1/89) ، حيث قال : (ما ذكره أبو القاسم في رسالته من اعتقادهم وأخلاقهم وطريقتهم فيه من الخير والحق والدين أشياء كثيرة، ولكن فيه نقص عن طريقة أكثر أولياء الله الكاملين، وهم نقاوة القرون الثلاثة، ومن سلك سبيلهم، ولم يذكر في كتابه أئمة المشايخ من القرون الثلاثة، ومع ما في كتابه من الفوائد في المقولات والمنقولات ففيه أحاديث وأحاديث ضعيفة، بل باطلة، وفيه كلمات مجملة، تحتمل الحق والباطل رواية ورأيا، وفيه كلمات باطلة في الرأي والرواية، وقد جعل الله لكل شيء قدرا). إهـ
[13] : هو الإمام العلامة شيخ الإسلام، عالم زمانه، أبو عبد الرحمن الحنظلي ، مولاهم التركي ، ثم المروزي ، الحافظ ، الغازي ، كانت أمه خوارزمية، و كان مولده في سنة ثمان عشرة ومائة، طلب العلم وهو ابن عشرين سنة.
[14] : الرسالة القشيرية (ص: 474).
[15] : أَبُو عَليّ الدقاق النَّيْسَابُورِي شيخ أبي الْقسم الْقشيرِي رَحمَه اللَّه تعلم الْعَرَبيَّة وَحصل علم الْأُصُول وَخرج إِلَى مرو وتفقه بهَا ودرس على الخضري وَأعَاد على الشَّيْخ أبي بكر الْقفال المرزوي فِي درس الخضري وبرع فِيهِ وَلما اسْتمع مَا كَانَ يحْتَاج إِلَيْهِ من الْعُلُوم أَخذ فِي الْعَمَل وسلك طَرِيق التصوف وَصَحب الْأُسْتَاذ أَبَا الْقسم النَّصْر آباذي وَتُوفِّي فِي ذِي الْحجَّة سنة خمس وأربعماية.[باختصار من تبيين كذب المفتري].
[16] : الرسالة القشيرية (ص: 473)
[17] : أبو حفص النيسابوري الزاهد شيخ خرسان ، قال السلمي : أبو حفصٍ كان حدادًا، و هو أول من أظهر طريقة التصوف بنيسابور. أنظر ترجمته في السير للذهبي (12/510-511).
[18] : كذا في الأصل و في طبقات الصوفية للسلمي ( يرجو القبول).
[19] : طبقات الصوفية (ص: 106) طبعة دار الكتب العلمية.
[20] : الرسالة القشيرية (ص: 474).


التعديل الأخير تم بواسطة بلال بريغت ; 26 Nov 2013 الساعة 02:07 AM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 27 Nov 2013, 09:09 PM
بلال بريغت بلال بريغت غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: قسنطينة / الجزائر.
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر Skype إلى بلال بريغت
افتراضي

الفصل الأول

في بيان خروج كلامه عن دائرة الأدب المرعية وتهجمه على الحضرة النبوية




قال:

إنْ مت بالشوق منكد *** ما عذر ينجيك


أي حق للعبد الحقير، على السيد الجليل الكبير، حتى يطالبه بالاعتذار إليه إذا لم يأته، أم كيف ساغ لهذا المسكين أن يقول له لا عذر ينجيك، مم ينجيه هذا العذر؟ إن لو كان ينجيه، أمن اللوم في شأنك والعتاب لأجلك؟ من أنت يا هذا حتى يعتذر سيد الأولين والآخرين لك، ثم لا ينجيه من التقصير في حقك عذر عندك، لقد وضعت نفسك والله في غير محلها وجهلت مقام النبوة وجلالة منصبها.

قال:


إن تبق في هجري زائد *** للمولى ندعيك
من هو بالملك موحد *** ينطر في أمرك


أي حق لك على النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- حتى صرت تخوفه بأنك تدعوه وتشكو به إلى الله- تعالى- لينظر في أمره، وهل يتصور منه- صلى الله عليه وآله وسلم- تقصير في حق أحد حتى يشكو به إلى الله- تعالى- حاشا ذلك الجناب الكريم، والنبي الرؤوف الرحيم ، أن يقصر في خير لأحد في حال حياته وبعد مماته وكيف ذلك وهو الذي قال له الله تعالى: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾[الشعراء:3]. وهو الذي لما تعرض عليه في قبره أعمال أمته يستغفر للمذنبين([1])، لكنك يا مسكين توهمته كعظماء الدول الذين يقصرون مع من دونهم فيخوفون بمن فوقهم على أنه لم يكن من أدب العبيد أن يهددوا الوزير بسلطة الأمير فأين أنت يا هذا حتى من آداب الوزراء والسلاطين بله الأنبياء والمرسلين.

قال:


عبس بالقول تساعد *** ما نرجوه فيك


هذا تعريض للنبي- صلى الله عليه وسلم- بما خاطبه الله تعالى في سورة ابن أم مكتوم([2])، وتخويف له بما يلحقه أن قصر مع هذا المسكين من العتاب واللوم، واحتجاج عليه بالقرآن، وإلزام له بالقبول والإتيان، وهذا تهجم عظيم، وتجاسر شديد، لا يقدم عليه عامة المؤمنين، فكيف بمن يزعم أنه خاصة العارفين.


- يتبع-



=====

[1] : يقصد حديث : (حياتي خير لكم ، تحدثون و يحدث لكم ، و وفاتي خير لكم ، تعرض علي أعمالكم ،فما رأيت من خير حمدت الله عليه ، و ما رأيت من شر استغفرت الله لكم ) .
قال الألباني رحمه الله: ( ضعيف . رواه الحافظ أبو بكر البزار في " مسنده " : حدثنا يوسف بن موسى :حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن سفيان عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن عبد الله هو ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام " . قال : و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حياتي خير لكم ... " ، ثم قال البزار : " لم نعرف آخره يروى عن عبد الله إلا من هذا الوجه " . ذكره الحافظ ابن كثير في " البداية " ( 5 / 275) ثم قال : " قلت و أما أوله و هو قوله عليه السلام : " إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام " ، فقد رواه النسائي من طرق متعددة عن سفيان الثوري وعن الأعمش كلاهما عن عبد الله بن السائب به " .
قلت الحديث عند النسائي في" سننه " ( 1 / 189 ) كما ذكر الحافظ من طرق عديدة عن سفيان عن عبد الله بن السائب ، لكن ليس عنده و عن الأعمش، و إنما رواه من طريقه أيضا الطبراني في المعجم الكبير ( 3 / 81 / 2 ) . و أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2 / 205) و ابن عساكر (9/ 189 / 2 ) .
قلت : فاتفاق جماعة من الثقات على رواية الحديث عن سفيان دون آخر الحديث " حياتي .... " ، ثم متابعة الأعمش له على ذلك مما يدل عندي على شذوذ هذه الزيادة ، لتفرد عبد المجيد بن عبد العزيز بها، لاسيما و هو متكلم فيه من قبل حفظه ، مع أنه من رجال مسلم و قد وثقه جماعة و ضعفه آخرون و بين ...... ، فقال الخليلي : " ثقة ، لكنه أخطأ في أحاديث ، و قال النسائي : " ليس بالقوي ، يكتب حديثه " . و قال ابن عبد البر : " روى عن مالك أحاديث أخطأ فيها " . و قال ابن حبان في " المجروحين " ( 2 / 152 ) : " منكر الحديث جدا ، يقلب الأخبار ، و يروي المناكير عن المشاهير ، فاستحق الترك " .
قلت : و لهذا قال فيه الحافظ في " التقريب : " صدوق يخطىء " . و إذا عرفت ما تقدم فقول الحافظ الهيثمي في " المجمع " ( 6 / 24 ) : " رواه البزار ، و رجاله رجال الصحيح " . فهو يوهم أنه ليس فيه من هو متكلم فيه ! و لعل السيوطي اغتر بهذا حين قال في " الخصائص الكبرى " ( 2 / 281 ) : " سنده صحيح " . و لهذا فإني أقول : إن الحافظ العراقي - شيخ الهيثمي - كان أدق في التعبير عن حقيقة إسناد البزار حين قال عنه في " تخريج الإحياء " ( 4 / 128 ) : " و رجاله رجال الصحيح ، إلا أن عبد المجيد بن أبي رواد و إن أخرج له مسلم ، و وثقه ابن معين و النسائي ، فقد ضعفه بعضهم " .
قلت : و أما قوله هو أو ابنه في " طرح التثريب في شرح التقريب " ( 3 / 297 ) : " إسناده جيد " . فهو غير جيد عندي ، و كان يكون ذلك لولا مخالفة عبد المجيد للثقات على ما سبق بيانه ، فهي علة الحديث ، و إن كنت لم أجد من نبه عليها ، أو لفت النظر إليها ، إلا أن يكون الحافظ بن كثير في كلمته التي نقلتها عن كتابه " البداية " ، و الله أعلم . نعم ، قد صح إسناد هذا الحديث عن بكر بن عبد الله المزني مرسلا ، و له عنه ثلاث طرق : الأولى عن غالب القطان عنه . أخرجه إسماعيل القاضي في " فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم " ( رقم 25 بتحقيقي ) و ابن سعد في " الطبقات " ( 2 / 2 / 2 ) . و رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين . الثانية : عن كثير أبي الفضل عنه . أخرجه إسماعيل أيضا ( رقم 26 ) ، و رجاله ثقات رجال مسلم غير كثير ، و اسم أبيه يسار و هو معروف كما بينه الحافظ في " اللسان " ردا على قول ابن القطان فيه : " حاله غير معروفة " . الثالثة : عن جسر بن فرقد عنه . أخرجه الحارث بن أبي أسامة في " مسنده " ( 230 من بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث ) ، و جسر ضعيف .
قلت :فلعل هذا الحديث الذي رواه عبد المجيد موصولا عن ابن مسعود أصله هذا المرسل عن بكر ، أخطأ فيه عبد المجيد فوصله عن ابن مسعود ملحقا إياه بحديثه الأول عنه . و الله أعلم . و قد وقفت عليه من حديث أنس ، و له عنه طريقان : الأولى : عن أبي سعيد الحسن بن علي بن زكريا بن صالح العدوي البصري : حدثنا خراش عن أنس مرفوعا مختصرا نحوه و فيه " تعرض علي أعمالكم عشية الاثنين و الخميس " . أخرجه ابن عدي(2/124) و أبو منصور الجرباذقاني في " الثاني من عروس الأجزاء " ( ق / 139/2) و عبد القادر بن محمد القرشي الحنفي في " جزء له " ( 2 / 2 ) و عزاه الحافظ العراقي ( 4 / 128 ) للحارث بن أبي أسامة في " مسنده " بإسناد ضعيف ، أي بهذا الإسناد كما بينه المناوي في " فيض القدير " بعد أن نقل عنه تضعيفه إياه بقوله : أي و ذلك لأن فيه خراش بن عبد الله ساقط عدم ، و ما أتى به غير أبي سعيد العدوي الكذاب ، و قال ابن حبان : لا يحل كتب حديثه إلا للاعتبار ، ثم ساق له أخبارا هذا منها " . قلت : فالإسناد موضوع ، فلا يفرح به . الثانية : عن يحيى بن خدام : حدثنا محمد بن عبد الملك بن زياد أبو سلمة الأنصاري : حدثنا مالك بن دينار عن أنس به نحوه و فيه : " تعرض علي أعمالكم كل خميس " . أخرجه أبو طاهر المخلص في " الثاني من العاشر من حديثه " ( ق 212 / 2 ) : حدثنا يحيى(يعني ابن محمد بن صاعد ) : حدثنا يحيى بن خدام به . قلت : و هذا موضوع أيضا آفته الأنصاري هذا قال العقيلي : " منكر الحديث " ، و قال ابن حبان : " منكر الحديث جدا ، يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم ، لا يجوز الاحتجاج به " . و قال ابن طاهر : " كذاب و له طامات " . و قال الحاكم أبو عبد الله : " يروي أحاديث موضوعة " . و الراوي عنه يحيى بن خدام روى عنه جماعة من الثقات ، و ذكره ابن حبان في " الثقات " . و قال الحاكم أبو أحمد في ترجمة الأنصاري المذكور : " روى عن يحيى بن خدام عن مالك بن دينار أحاديث منكرة ، فالله تعالى أعلم الحمل فيه على أبي سلمة أو على ابن خدام " . و جملة القول أن الحديث ضعيف بجميع طرقه ، و خيرها حديث بكر بن عبد الله المزني و هو مرسل ، و هو من أقسام الحديث الضعيف عند المحدثين ، ثم حديث ابن مسعود ، و هو خطأ ، و شرها حديث أنس بطريقيه ). ا هـ أنظر : السلسلة الضعيفة و الموضوعة ( 2 / 404- 405- 406) ، رقم (975).

[2] : أي سورة عبس.

التعديل الأخير تم بواسطة بلال بريغت ; 27 Nov 2013 الساعة 09:30 PM
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 27 Nov 2013, 09:13 PM
بلال بريغت بلال بريغت غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
الدولة: قسنطينة / الجزائر.
المشاركات: 436
إرسال رسالة عبر Skype إلى بلال بريغت
افتراضي

الفصل الثاني

في بيان حرمة مخاطبة النبي- صلى الله عليه وسلم- بمثل هذا الخطاب


قد اشتمل صدر هذا الكلام على نفي قبول العذر من النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- وذلك يستلزم أن له عليه حقا إن وقع فيه تقصير احتيج معه إلى العذر ثم لا يقبل منه. وعلى أنه يرفع به دعوى لينظر في أمره، وهذه التهجمات القبيحة التي لا تصدر من العبيد إلى السادة، هي لا شك أقوى في سوء الأدب من مجرد رفع الصوت الذي نهى الله تعالى عنه وجعله سببا في حبوط الأعمال فتكون قطعا أحق بالمنع والتحريم، وما أشبه طلب هذا الرجل القبول والإتيان بهذا الخطاب المزعج الغليظ بأولئك الذين نادوه من وراء الحجرات ولم يصبروا حتى يخرج إليهم، بل هو أشد، لأن القوم كانوا حديثي عهد بجاهلية لم يخالطوا المسلمين ولا تأدبوا بآداب الإسلام([1]). وهذا يدعي منزلة الأولياء والصالحين، ثم يأتي بما لا يصدر من العامة الجاهلين فيا ليته تأدب في الخطاب، ووقف ذليلا على الأعتاب، فيكون في إسلامه وأدبه، خير شفيع لوصل سببه، لكن الغرور والغفلة، أعظم أسباب المحنة، عياذاً بالله، وأما آخر كلامه فقد أشتمل على طامة عظمى وجرأة كبرى بتعريضه للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم- في سورة عبس على ما تقدم بيانه في آخر الفصل الأول، وهذا في سوء الأدب أدخل، وفي الحرمة أشد، لأن صاحبه قد اعتقد تقصيراً من النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- ليم عليه فعرض له هو به، وخوفه من أن يقصر معه مثل ذلك التقصير فيلام عليه مثل ذلك اللوم. كبرت كلمة والله خرجت من فيِّ هذا المغرور المسكين، ولا حول ولا قوة إلا بالله ولا توفيق إلا به.
فإن قلت هذه قصة جاءت في القرآن وخبر ذكره الله تعالى. قلنا فالجواب عن ذلك ما قاله الإمام الحافظ خزانة العلم وقطب المغرب أبو بكر بن العربي في سورة (ص) من كتاب الأحكام. قال: ( لِلْمَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ مَا شَاءَ مِنْ أَخْبَارِ عَبِيدِهِ ، وَيَسْتُرَ وَيَفْضَحَ ، وَيَعْفُوَ وَيَأْخُذَ ، وَلَيْسَ[ يَنْبَغِي]([2]) لِلْعَبْدِ أَنْ يُنَبِّزَ فِي مَوْلَاهُ بِمَا يُوجِبُ عَلَيْهِ اللَّوْمَ ،فَكَيْفَ بِمَا عَلَيْهِ فِيهِ الْأَدَبُ وَالْحَدُّ ،وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ فِي كِتَابِهِ لِعِبَادِهِ فِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ: ﴿فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ﴾ [الإسراء:23] فَكَيْفَ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ ؟ فَمَا ظَنُّك بِالْأَنْبِيَاءِ ،وَحَقُّهُمْ أَعْظَمُ ، وَحُرْمَتُهُمْ آكَدُ ، وَأَنْتُمْ تَغْمِسُونَ أَلْسِنَتَكُمْ فِي أَعْرَاضِهِمْ ،وَلَوْ قَرَّرْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ حُرْمَتَهُمْ لَمَا ذَكَرْتُمْ قِصَّتَهُمْ)([3])إهـ. وما بعد هذا البيان بيان، وأن هذا الكلام لكاف وحده عند اللبيب المنصف في جواب ما تقدم من السؤال، ومن عقائد الإيمان مما يجب علينا في حق الأنبياء والمرسلين- عليهم الصلاة والسلام- أن لا نخاطبهم بما خاطبهم الله تعالى به ولا نذكر في كلامنا شيئا مما عوتبوا عليه لا بالتلويح ولا بالتصريح إلا بحكاية لفظ القرآن والحديث، وأما الله تعالى فإنه يخاطبهم بما شاء، لأنهم عباده وصفوته من خلقه، لهم من كمال المعرفة به ما ليس لغيرهم، وله عليهم من الفضل العظيم ما لا مطمع فيه لسواهم، وأما نحن فموقفنا معهم موقف العبيد مع السادة، فيجب علينا معهم اعتقاد الحرمة، وإكبار الجانب، ولزوم الأدب، في الأقوال والأفعال، وجميع الأحوال ولا يجوز لنا ونحن خدامهم وأتباعهم أن نذكرهم أو نخاطبهم بما خاطبهم بهم ربهم ومالكهم، فما أبعدنا والله عن ذلك المقام، وقد ذكر هذه العقيدة الإمام الحافظ أبو بكر بن العربي في كتبه منها قوله في سورة (الأحزاب) من كتاب الأحكام: (وَعَهِدْنَا إلَيْكُمْ عَهْدًا لَنْ تَجِدُوا لَهُ رَدًّا أَنَّ أَحَدًا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ نَبِيًّا إلَّا بِمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ لا يَزِيْدُ عَلَى ذَلِكَ)([4]) إهـ. وقال الإمام الصوفي أبو عبد الله بن الحاج([5]) في كلامه على المواسم من كتاب المدخل: (وقد قال علماؤنا- رحمة الله عليهم- أن من قال عن نبي من الأنبياء في غير التلاوة والحديث أنه عصى أو خالف فقد كفر نعوذ بالله من ذلك)([6])إهـ. ونقل هذا الكلام عنه الشيخ محمد الزرقاني([7]) في قسم الخصائص من شرحه للمواهب([8]) وسلمه: ولا يخفى أن حكم التعريض في هذا المقام حكم التصريح. فنعوذ بالله بالدين وتوقع في سوء الأدب مع سيد المرسلين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


-يتبع-

======
[1] : قال السعدي في تفسيره : ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ﴾[الحجرات:4]. نزلت هذه الآيات الكريمة، في أناس من الأعراب، الذين وصفهم الله تعالى بالجفاء، وأنهم أجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله، قدموا وافدين على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدوه في بيته وحجرات نسائه، فلم يصبروا ويتأدبوا حتى يخرج، بل نادوه: يا محمد يا محمد، أي: اخرج إلينا ، فذمهم الله بعدم العقل، حيث لم يعقلوا عن الله الأدب مع رسوله واحترامه، كما أن من العقل وعلامته استعمال الأدب.
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[الحجرات:5]. فأدب العبد، عنوان عقله، وأن الله مريد به الخير، ولهذا قال: ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ أي: غفور لما صدر عن عباده من الذنوب، والإخلال بالآداب، رحيم بهم، حيث لم يعاجلهم بذنوبهم بالعقوبات والمثلات).
[2] : ساقطة من الأصل.
[3] : أحكام القرآن لابن العربي المالكي (4/52) طبعة دار الكتب العلمية.
[4] : أحكام القرآن لابن العربي المالكي (3/576) طبعة دار الكتب العلمية.
[5] : هو : محمد بن محمد بن محمد ابن الحاج، أبو عبد الله العبدري المالكي الفاسي، نزيل مصر: فاضل.تفقه في بلاده، وقدم مصر، وحج، وكف بصره في آخر عمره وأقعد.وتوفي بالقاهرة، عن نحو 80 عاما.له (مدخل الشرع الشريف)مطبوع ، قال فيه ابن حجر: كثير الفوائد، كشف فيه عن معايب وبدع يفعلها الناس ويتساهلون فيها، وأكثرها مما ينكر، وبعضها مما يحتمل.وله كذلك (شموس الأنوار وكنوز الأسرار) مطبوع، و (بلوغ القصد والمنى في خواص أسماء الله الحسنى )مخطوط. [ أنظر ترجمته في الأعلام للزركلي]
[6] : المدخل لابن الحاج : فصل في مولد النبي صلى الله عليه و سلم (2/14).
[7] : هو أبو عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف بن أحمد بن شهاب الدين بن محمد الزرقاني ، الفقيه المالكي الأصولي.
ولد بالقاهرة سنة (1055هـ). نسبته إلى ُزْرقان وهي قرية من قرى منوف بمحافظة المنوفية بمصر. له عدة مصنفات، منها: شرح المواهب اللدنية للقسطلاني، وهو مطبوع، وله أيضاً: مختصر المقاصد الحسنة للسَّخاوي؛ شرح موطأ الإمام مالك وغيرها. توفي بالقاهرة سنة (1122هـ).
[8] : شرح المواهب اللدنية للزرقاني : الفصل الرابع: ما أختص به صلى الله عليه وسلم من الفضائل والكرامات(7/333) طبعة دار الكتب العلمية.

التعديل الأخير تم بواسطة بلال بريغت ; 07 Dec 2013 الساعة 12:45 AM
رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


Powered by vBulletin, Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013