كيف نستقبل شهر رمضان للعلامة الفقيه صالح الفوزان - حفظه الله تعالى -
بِسمِ اللّهِ والحَمْدُ لِلَّه والصّلاةُ والسّلاَم علَى رَسُولِ اللّهِ و على آلِهِ وصَحْبهِ وسلّم تَسلِيمًا كَثيرًا ، أَمَّا بعد : فهَذه كَلمة تَوْجيهيَّة لعَامَّة المُسلِمِين مِن فَضيلَة الشَّيخ صالح الفَوزان -حفظه الله تعالى- تتعلَّقُ بإسْتِقبَال شَهْرِ رمضانَ المبارك و الحَثِّ على اغْتِنامهِ والجد فيه .
قَال حفِظهُ اللَّهُ ورعَاه : بِسمِ اللَّهِ الرّحْمنِ الرّحِيم ، الحَمْدُ لِلَّه ربِّ العالَمينَ و صلَّى اللّهُ وسَلّمَ علَى نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ وعلَى آله و أصْحابِه أجمعين ، أمّا بعد: عمَّا قريب سيُظِلُّ شَهرُ رمضانَ المبارك بخيْراتِه و فضائِلهِ على الأُمّة الإسلامية هَذا الشّهرُ الذي جعله الله مباركا أَنزل فيه القرآن و جَعل فِيه لَيلَةَ القَدْرِ و فَرَضَ صِيامهُ على المُسْلمِين و شَرَع قيامَهُ للمسلمينَ ، فنهارهُ صِيام ، وليلهُ قيامٌ ، و ما بيَن ذلك ذِكرٌ لِلَّهِ عزّ وجل ، تَقرُّبٌ إليه بأنواع الطّاعات ،و كلّ أوقاته كلّها مباركةٌ ، كلّها خير و كلّها غَنيمة للمسلم ، فالواجب على المسلم أن يَفرح بقدومِ هذا الشّهر لأن فيه إنقاذَه من المهالِك ، فإنّ هذا الشّهر يَحمِل لَه خيرات كثيرة و مُنجيات إذا هو عَرف قَدره و استفاد منه، فأمَّا الغافِل والجاهِل لِحَقّ هذا الشّهر فإنّه لا يفرق بينه و بين غيره ، بل رُبما يَعتبرُ شهر رمضانَ شهراً للكسل، شهراً للأكلِ والشربِ شهراً للنومِ بالنهارِ ، و سهرٍ بالليلِ ، فلا يسْتفيد منه ، بل إنه يأثم ، لأن السيئة فيه أشد من السيئة من غيره ، تُغَلَّظ ، كما أن الحَسنة فيه تُعظَّم، و الحسنة فيه يَعظُمُ ثوابها عِند اللّه أكثَر من غيرها ، كذَلك السيّئات فإنّ إثمها يُغَلَّظ ، و ذلك لشرف زمان هذا الشهر ، فالإنسان يمُرُّ عليه هذا الشهر و يخرج دون أن يستفيد ! ، هذا في الحقيقة ليس بإنسان ، هذا حيوان أو أقل من الحيوان ، الحيوان لايُؤاخذ ، و هذا يُؤاخذ ، فالحقيقة أن هذا الشهر عظيم ينبغي إستقباله بالتوبة و الإستعداد للأعمال الصالحة، و أن المُسلم يفرحُ به فرحاً شديدًا،
{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا }
المسلم يفرحُ بمواسمِ الخير ،كما أن أصحَاب التِّجارة و أصحاب الأموال يَفرحون بمواسمِ البيع والشراء ، و ذلك عَرَضٌ عاجِل ، و قد يكونُ ضررًا عليهم ، صاحِب الشَّهوَاتِ يفرحُ بشهواتهِ قد تكون ضرَرًا عليه و مُهلِكةً له ، أما هذا الشهر فإنّ الفرحَ به فرحٌ بفضْل اللّه و فرحٌ برحمة الله ، و لا يفرح به إلاّ أهل الإيمان، أما أهل النفاق و ضِعاف الإيمان فإن هذا الشهر يكون ثقيلا عليهم لأنه يَحبِس حُريّاتهم و شَهواتهم ، و لا يتَمكَّنون فيه بما كانوا يتمكّنون في غيره ، فهو يكون ثقيلا عليهم ، ولهذا يقول أحد الشعراء المُجّان :
( فليت اللَّيلَ كان فيه شهراً
و مرَّ نهاره مرَّ السحاب )
هذا ماجنٌ يريد أن يَستعمل اللَّيل في شَهواتهِ و غفلاتهِ و أما النهار فيريد أن يمُر مرَّ السّحابِ ، لأنه ليس فيه شهوات لا؛ ليس فيه رغبة ، هذا شعور هؤلاء المنافقين أو ضِعاف الإيمان ، أما المؤمن بالله يَشعرُ بذنوبه و يخاف من سيئاته ، أنه يفرح بهذا الشّهر ليتوب إلى الله ، و يستغفر ، و يتزود من الطاعات فيستغل هذا الشهر زيادة في عمره ، فإن العُمرَ قصيرٌ و الآخرة دار البقاء و دار أبد ، و عمر الإنسان قليل فإذا مر به هذا الشهر ، وفيه لَيْلة خير من ألف شهرٍ إستفادَ منه ، إستفاد من هذه الليلة ، فهذا خيرٌ عظيمٌ يُضاف إلى عُمُرهِ القصير ، يكون عمرهُ طويلا بالعمل الصالح ، فمن رحمةِ اللّه بهذه الأُمة أن شَرعَ لها هذا الشّهر ، لَمّا كانت أعمارها قصيرة شرع لها هذا الشّهر تمديدا في أعمارها ، و زيادة في أعمالها.
أسأل الله أن يجعلنا و إيّاكم ممن يبلغه الله هذا الشهر ، و يوفقه للعمل الصالح ، و الإستفادة من هذا الشهر ، وأن لا يجعلنا و إيّاكم من الغافلين الخاسرين ،نعم.
حفظ الله العلامة الفوزان وجزاك خيرا نسأل الله أن يبلغنا رمضان ونحن في صحة وعافية وكل الأمة الإسلامية ونسأله تعالى أن يرفع عنا هذا البلاء والوباء و يوفقنا لأداء فريضة الصلاة والتراويح في المساجد ءامين